Share

اقلقوا من جبل الديون أيضاً وليس التضخم فقط

عدد من الدول مهددة بإعلان تخلفها عن سداد ديونها
اقلقوا من جبل الديون أيضاً وليس التضخم فقط
الدين العلم العالي وصل الى 303 تريليونات دولار في الربع الأول

كيف سيؤثر التضخم المرتفع وارتفاع المعدلات على جبل الديون المتزايد في العالم؟ سؤال جوهري يجب أخذه في الاعتبار من الآن فصاعداً.

خلال الاعوام الماضية، لم تكن هذه المسألة تثار كثيراً او توضع تحت الاضواء كما يحصل اليوم في ما يتعلق بالتضخم. والبب بسيط، وهو أن انفاض معلات الفائدة والتضخم لعقود ابقت تكاليف خدمة المقترضين منخفضة.

لكن هذا الأمر سيتغير اليوم بالتأكيد بعد صدور بيانات الديون العالمية الملفتة للنظر تماماً مثل التضخم.

فالتقرير الحديث الصادر عن “جي بي مورغان” يفصل بشكل صارخ حجم المشكلة. إذ يشير إلى أن إجمالي الدين العالمي بلغ 352 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من هذا العام، حيث استحوذت ديون القطاع الخاص على ثلثي هذا الدين، وثلث لديون القطاع العام.

وفي تقرير لمعهد التمويل الدولي، بلغ الدين العالمي 303 تريليونات دولار في الربع الأول من العام 2022. وهو مستوى قياسي جديد يسجله.

وكان صندوق النقد الدولي ذكر في آخر تحديث لقاعدة بياناته، أن الدين العام ارتفع في العام 2020 بمقدار 28 نقطة مئوية إلى 256 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.

رئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا نبهت منذ ايام من مخاطر تنامي آفة الدين المرتفع وشددت على أن هناك حاجة لقيادة عالمية قوية من أجل التعامل معها.

في أرقام صندوق النقد، هناك أكثر من 30 في المئة من البلدان الصاعدة والنامية بلغت مرحلة المديونية الحرجة أو تقترب من بلوغها. وبالنسبة للبلدان منخفضة الدخل، وصلت هذه النسبة إلى 60 في المئة.

في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، نشر صندوق النقد الدولي تقريراً أظهر أن العالم شهد ارتفاع الدين خلال 2020 في أكبر طفرة خلال عام واحد منذ الحرب العالمية الثانية، حيث وصل الدين العالمي إلى 226 تريليون دولار عندما ضربت العالم أزمة صحية عالمية وحالة من الركود العميق. وكان الدين مرتفعاً بالفعل في الفترة السابقة على الجائحة، غير أن الحكومات يتوجب عليها الآن خوض غمار عالم يتسم بمستويات قياسية من الدين العالمي العام والخاص، وسلالات متحورة جديدة من الفيروس، وصعود متواصل في التضخم، وفق تقرير الصندوق.

“مع تشديد الأوضاع المالية وانخفاض أسعار الصرف، أصبح عبء خدمة الدين شديد – وغير محتمل بالنسبة لبعض البلدان”، قالت جورجييفا. وحضت مجموعة العشرين على تحويل تعهداتها السابقة في المساهمة بانشاء الصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة الذي أقر العام الماضي بقيمة 40 مليار دولار حتى يدخل حيز التنفيذ بحلول الاجتماعات السنوية في أكتوبر/تشرين الاول القادم.

ارتفاع الفائدة

 

كان انخفاض تكاليف خدمة الدين حتى وقت قريب يهدئ المخاوف من ارتفاع الدين العام للاقتصادات المتقدمة إلى مستويات قياسية. ويرجع ذلك إلى عنصرين:

أولهما، الانخفاض الشديد لأسعار الفائدة الاسمية. وفي واقع الأمر، كانت مستوياتها قريبة من الصفر أو حتى سالبة على امتداد منحنى العائد في بلدان مثل ألمانيا واليابان وسويسرا.

وثانيها، كانت أسعار الفائدة الحقيقية المحايدة متجهة نحو الهبوط بشكل كبير في كثير من الاقتصادات، منها الولايات المتحدة ومنطقة اليورو واليابان، وكذلك في عدد من الأسواق الصاعدة.

لكن سياسات التشدد التي تعتمدها المصارف المركزية في كل انحاء العالم عبر رفع معدلات الفائدة يكون لها انعكاسها الكبير على الحكومات والشركات، وحتى الأسر، والتي ستضطر الى الاستدانة بمعدلات أعلى. وقد يؤدي ذلك بالعديد من الدول الى اعلان تخلفها عن سداد التزاماتها.

في هذا الاطار، توقعت وكالة “فيتش” في بداية الشهر الحالي موجة جديدة لتخلف الدول عن السداد بسبب الحرب في أوكرانيا التي تتسبب برفع تكالفي الاقتراض السيادية. وعزت زيادة الاقتراض إلى اضطرار معظم الحكومات لزيادة الدعم أو تخفيض الضرائب للحد من تأثير التضخم. وقالت إن ارتفاع أسعار الفائدة سيزيد من تكاليف خدمة الدين الحكومي.

ويبلغ عدد البلدان في قائمة الدول المتخلفة عن السداد -أو التي تشير عائدات سنداتها في الأسواق المالية إلى حدوث ذلك- 17 بلداً، وهو مستوى قياسي.

وهذه الدول هي باكستان وسريلانكا وزامبيا ولبنان وتونس وغانا وإثيوبيا وأوكرانيا وطاجيكستان والسلفادور وسورينام والإكوادور وبليز والأرجنتين وروسيا وروسيا البيضاء وفنزويلا.

ديون الأسواق الناشئة

 

ويفترض مراقبة ديون الأسواق الناشئة التي تمثل حوالي 80 في المئة من الدين العالمي. وهي حاليا تشهد ضغوطاً مع هروب رؤوس الاموال نتيجة رفع الفائدة في الولايات المتحدة. وبالتالي، سوف تضطر الدول الناشئة إلى رفع الفوائد للحد من تآكل السيولة الأجنبية لديها، مما سيزيد الضغط على النمو الاقتصادي لديها ويفاقم مخاطر الركود.

وأشار تقرير لـوكالة “بلومبرغ” إلى ارتفاع عدد الأسواق الناشئة ذات الديون السيادية المتداولة عند مستويات متعثرة- العوائد التي تشير إلى أن المستثمرين يعتقدون أن التخلف عن السداد احتمال حقيقي- بأكثر من الضعف في الأشهر الستة الماضية.

وذكرت “بلومبرغ” انه فعلياً، أصبحت 237 مليار دولار من الديون على المحك بالنسبة لحاملي السندات الأجانب، وهي سندات أصبحت واقعة الآن في دائرة التعثر. وهذا يضيف نحو خمس- أو حوالي 17 في المئة- من 1.4 تريليون دولار من الأموال السيادية في الأسواق الناشئة التي لديها ديون خارجية مستحقة مقومة بالدولار أو اليورو أو الين، بحسب بيانات جمعتها الوكالة.

فيما ذكرت “رويترز” أن هناك عدداً قياسياً من الأسواق الناشئة يواجه ضغوطاً مع تزايد عمليات بيع الديون. وشرحت أن ارتفاع التضخم وارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية أدى إلى هروب المستثمرين من الأسواق الناشئة هذا العام، تاركين خلفهم “عدداً قياسيا من الدول النامية” في مواجهة احتمال التخلف عن السداد.

وفي ظل انخفاض العملات وتضاؤل الاحتياطيات وهوامش السندات البالغة 1000 نقطة أساس، حددت “رويترز” عدداً من الدول النامية، بما في ذلك الأرجنتين والإكوادور ومصر وتونس، والتي ترى أنها تقترب من “منطقة الخطر” بسبب ارتفاع تكاليف الاقتراض والتضخم والديون.

لا تنظروا إلى العوائد

 

يتم تداول العوائد على السندات السيادية في أكثر من 12 دولة ناشئة حالياً عند مستويات منخفضة للغاية، بحسب صحيفة “فايننشال تايمز” نقلاً عن بيانات “بلومبرغ”.

وقال كبير الخبراء الاقتصاديين لدى “رينيسانس كابيتال” تشارلي روبرتسون: “من الصادم حقاً أن نرى هذا القدر من الانهيار في أسعار السندات”. وأضاف أن البيع المكثف للسندات “هو الأكبر منذ 25 عاماً”. وسحب المستثمرون 52 مليار دولار من سندات الأسواق الناشئة خلال هذا العام، بحسب “جي بي مورغان”.