Share

إنترنت لبنان: الاعتمادات تكفي لفبراير ٢٠٢٢

الشبكة مهددة بالانقطاع التام بعدما وقعت فريسة أسعار المازوت والدولار
إنترنت لبنان: الاعتمادات تكفي لفبراير ٢٠٢٢
رويترز

تخيلوا أن لبنان الغارق في أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة صُنّفت من بين الأزمات الثلاث الأسوأ في العالم منذ القرن التاسع عشر، وتسببت بفقدان معظم الخدمات، ينتخب ملكة جمال الإنترنت لعام ٢٠٢١.

الخبر غير مفبرك، بل صحيح، وضجت به مواقع التواصل الاجتماعي في ظل مفارقتين: الأولى تكمن في أن لبنان يحتل المركز ١٧٥ من أصل ١٩٢ بلدا من حيث سرعة الإنترنت بحسب مؤشر Ookla net العالمي. والمفارقة الثانية هي أن استمرارية خدمة الانترنت في لبنان بل وحتى قطاع الاتصالات، مهددان بالانقطاع بحلول شهر فبراير/شباط ٢٠٢٢.

ويعيش اللبنانيون يومياً هاجس انقطاع شبكة الإنترنت والاتصالات —القطاع الذي كان يُعتبر في يوم من الأيام “نفط لبنان“— الأمر الذي سيقود البلاد حتماً الى شبح عزلة عن العالم. 

هذه الأزمة الجديدة التي تُضاف الى عشرات الأزمات الأخرى، تضع لبنان أمام انفجار كبير، لأنها تمس مباشرة بمختلف جوانب حياة اللبنانيين. فهي تحرمهم من الخدمات الرخيصة نسبياً، التي يوفرها الإنترنت من جهة، لكن الأهم أنها تعطل النشاطات الاقتصادية للأفراد والمؤسسات بعدما بات الإنترنت الوسيلة الوحيدة لإنجاز الأعمال وخصوصاً في مرحلة جائحة كورونا. 

منذ أيام، أطلق وزير الاتصالات اللبناني جوني قرم نداءً عاجلاً إلى رئيس الجمهورية ميشال عون بضرورة حلّ هذا الموضوع نهائياً، مطلقاً تحذيرات جدية من خطورة وضع القطاع ككل الذي باتت تتحكّم فيه ثلاث لاءات؛ “لا اعتمادات، لا مازوت، ولا خدمة للمشتركين”، وإلاّ “على الاتصال والإنترنت السلام”.

هي اللاءات الثلاث التي كانت دفعت بالعديد من مراكز توزيع الاتصالات إلى التوقف نهائياً، وبشكل تدريجي عن توفير خدماتها للمواطنين في مختلف المناطق اللبنانية. هذا الأمر تسبّب في ارسال متقطع للاتصال والإنترنت لبعض الوقت قبل أن يُصار الى إيجاد حلول مؤقتة لتسيير القطاع، كالعادة، بالنسبة للحلول المجتزأة الأخرى التي لا تستند إلى خطة اقتصادية شاملة تطرح حلولاً مستدامة. 

فما يعانيه قطاع الاتصالات والإنترنت اليوم يمكن اختصاره بعاملين: الأول مرتبط بضآلة توافر مادة المازوت وارتفاع تكلفتها، وهي مادة ضرورية لتشغيل المولدات الكهربائية لدى مراكز الاتصال. ويأتي هذا في موازاة الانقطاع شبه الدائم للتيار الكهربائي الذي بالكاد توفره مؤسسة كهرباء لبنان. أما العامل الثاني فيتعلق بالشح الكبير في العملات الأجنبية، وبخاصة الدولار، والتي يحتاج إليها القطاع لسداد مستحقاته للخارج، ولشراء قطع الغيار والمواد التقنية للبنية التحتية لشبكات الاتصالات وذلك من أجل ضمان استمرارية الخدمة.
وتُطالب هيئة أوجيرو، التي تعتبر الذراع التنفيذية لوزارة الاتصالات وشركتي ألفا و تاتش اللتين تديران شبكة الهاتف الخلوي بسرعة تحويل الدولارات لضمان استمرارية خدمات الانترنت والاتصالات في الدولة.

لكن، من شأن القرار الذي اتخذه مصرف لبنان بتحويل الدولارات التي يطلبها قطاع الاتصالات لتمويل عقود أشغال ومواد وسلع مستوردة على أساس سعر المنصة الالكترونية (صيرفة) وليس على أساس سعر السوق الذي يفوق سعر المنصة، أن يزيد المشكلة تعقيداً ويضاعف التكاليف التشغيلية للقطاع.

أوجيرو: استمرارية الخدمة مهددة

يقر رئيس مجلس إدارة مدير عام هيئة أوجيرو عماد كريدية في حديثه خاص لـ”إيكونومي ميدل إيست”، بوجود مشكلة مع مصرف لبنان مرتبطة بالتحويلات إلى الخارج، والتي “قد تؤثّر على إستمرارية ‏الخدمة إذا لم يتمّ التراجع عن القرار”.‏ 

ويشرح أن تحويل الأموال على سعر منصة صيرفة، يعني أنه لن تكون هناك اعتمادات كافية لدى الهيئة بالليرة اللبنانية لسداد الفواتير، على اعتبار أن موازنة الهيئة وضعت على أساس سعر صرف ١٥٠٧،٥ ليرة مقابل الدولار الأميركي.

ويشهد لبنان حالياً ظاهرة تعدّد أسعار الصرف، ما بين سعر صرف رسمي عند ١٥٠٧،٥ ليرة مقابل الدولار، وسعر صرف فعليّ في السوق الموازية يتعدى اليوم الـ٢٧ ألف ليرة، وأسعار صرف رسميّة متعدّدة، منها ما هو معتمد للسحوبات النقديّة، ولتوفير نسب دعم للدواء والمحروقات، ولدعم السلع الغذائيّة وغيرها… ويضاف إليها سعر صرف منصة صيرفة (٢٢،٤٠٠ ألف ليرة) التي أنشئت منذ فترة للسماح للمصارف بالتداول بالعملات الأجنبية مثل الصرافين الشرعيين وتسجيل العمليات بالسعر الحقيقي على المنصة.

مصادر في وزارة الاتصالات كشفت لـ”إيكونومي ميدل إيست” أن الوزير قرم تواصل منذ أيام مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامه، و”حصل اتفاق مبدئي على تأمين الاعتمادات الضرورية وفق سعر الصرف الرسمي أي ١٥٠٧،٥، لكن العبرة في الالتزام بهذا الاتفاق”.

وتشرح المصادر خطورة اعتماد سعر المنصة، بقولها إن لدى أوجيرو عقوداً لشراء مستلزمات قيمتها حوالي ٦٠$ مليون دولار أي ما يعادل حوالي ٩٠ مليار ليرة على أساس سعر الصرف الرسمي، لكن هذا المبلغ سيرتفع بشكل خيالي اذا اعتُمد سعر المنصة. إذ ستكون الهيئة مضطرة لتأمين أكثر من ١،٣ تريليون ليرة، وهو ما لا قدرة لها عليه ويهدد بالتالي مستقبل القطاع. 

المحروقات تهدد الاتصالات

برزت مشكلة تأمين ثمن المحروقات لزوم تشغيل المولدات الكهربائية لدى مراكز توزيع الاتصالات عقب قرار أصدره وزير الطاقة فرض بموجبه على شركات الاتصال الثلاث (‏‏أوجيرو، وألفا وتاتش) التي كانت تشتري في السابق المازوت من المنشآت النفطية بالليرة ‏اللبنانية، بدفع ثمن المازوت بالدولار.

“مسؤوليتنا تتحدد في تأمين الاتصالات وليس توفير مادة المازوت لتشغيل المولدات، ولم نعد أصلاً نملك الايرادات الكافية لتأمين ثمن هذه المادة”، يوضح كريدية الذي كان أول من حذر في يونيو/حزيران الماضي من أزمة انقطاع الإنترنت وطالب في حينها زيادة الاعتمادات المالية المخصصة للهيئة بـ ٣٥٠ مليار ليرة. 

“رفعت الصوت عالياً لأن هذه المشكلة لن تطال فقط قطاع الإنترنت، بل ستطال أيضا كل المرافق العامة والخاصة على حد سواء، من وزارات ومستشفيات ومصارف ومصرف مركزي وغيرها”، بحسب كريدية.

وبقي مشروع زيادة الاعتمادات المالية يدور في كواليس مجلس النواب لأشهر قبل إقراره أخيراً في جلسته في 23 نوفمبر/تشرين الثاني. ويحتاج سريان القانون الى توقيع من رئيس الجمهورية الذي قام بذلك بعد حوالي شهر في ١٩ ديسمبر/كانون الأول فيما نفدت أموال أوجيرو وباتت عاجزة عن توفير المبالغ لزوم شراء مادة المازوت وتشغيل الشبكة. 

ولكن هل ستوفر اعتمادات بـ٣٥٠ مليار ليرة، والتي سيصبح القانون المتعلق بها نافذا اعتبارا ٢٤ ديسمبر/الحالي بعد نشره في الجريدة الرسمية، الحل المنشود؟

يشرح كريدية لمجلة ايكونومي ميدل إيست أن أوجيرو تحتاج يومياً الى حوالي ١،٢ مليار ليرة لشراء مادة المازوت لتشغيل المولدات، وهي لن تُنفق كامل الأموال على هذا البند، إنما ستقتطع منه لزوم تأمين عمليات الصيانة. وهذا يعني أن هذه الاعتمادات ستنفد سريعاً ولن تكفي لأكثر من شهر فبراير/شباط ٢٠٢٢.
يُذكر أن القانون أُقِرّ في يونيو/ حزيران حين كان سعر الصرف في حدود الـ١٥ ألف ليرة للدولار الواحد، فيما يهدد اليوم بتخطي حاجز ٢٨ ألف ليرة للدولار في السوق السوداء.

ويذكّر كريدية بأن الهيئة كانت قد رفعت مرسوماً عاجلاً الى مجلس الوزراء للموافقة على تأمين سلفة مخصصة لشراء المازوت، لكنه لا يزال عالقاً في رئاسة الحكومة نتيجة شلل انعقاد مجلس الوزراء لخلافات سياسية. 

لكن يُستبعد صدور مرسوم استثنائي بتوقيع من رئيسي الجمهورية والحكومة فقط، خارج اطار اجتماع مجلس الوزراء، لأن رئيس الجمهورية يرفض حالياً إعتماد هذه الطريقة.

أمام هذا الواقع المرير لقطاع الاتصالات، لا حل لمشكلة الإنترنت الا بخطوتين، الخطوة الأولى تكمن في إصلاح قطاع الكهرباء من أجل تقليص الاعتماد على المازوت لتشغيل المولدات الكهربائية لدى مراكز توزيع الاتصال؛ والثانية تتمثل في إعادة النظر بتعرفة خدمة الاتصالات والإنترنت التي لا تزال تحتسب على أساس سعر صرف ١٥١٥ ليرة للدولار، مع العلم أن المسؤولين لا يزالون يعلنون أن هذا الاجراء غير قابل للتطبيق في الظرف الراهن، و رفع تسعيرة الاتصالات بات أمراً حتمياً اليوم لاستمرارية الشبكة.