Share

السعودية تُحدّث قوانينها لجذب الاستثمارات الأجنبية

نهضة تشريعية داعمة للاستثمار في المملكة لزيادة فرص العمل ودعم مكانة الدولة الاقتصادية عالميا
السعودية تُحدّث قوانينها لجذب الاستثمارات الأجنبية
مبادرة مستقبل الاستثمار

عادةً ما يسألني رجال أعمال أجانب عن فرص الاستثمار في المملكة العربية السعودية، وسهولة القيام بأعمال فيها، وعن مدى الحماية القانونية التي توفرها قوانين المملكة للمستثمر الأجنبي. من هنا، يأتي مقالنا الأول للإضاءة على أبرز الخطوات القانونية التي اتخذتها المملكة خلال الأعوام الخمسة الماضية بهدف جذب الاستثمار الأجنبي إليها من دون التطرق إلى قوانين تحكم قطاعاً معيّناً. وسنقوم بشرح القوانين التي تهم المستثمرين بالتفصيل في مقالات لاحقة بحسب القطاع والأهمية.

تستمر المملكة العربية السعودية في تحديث قوانينها المرتبطة بالاقتصاد تماشياً مع أهداف رؤيتها ٢٠٣٠ وخططها المستقبلية، حيث تعمل على استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية والاستثمارات المتنوعة بهدف تنويع اقتصادها ودعمه، وتوفير المزيد من فرص العمل داخل الدولة.

ولهذا، نرى قيادة المملكة تعمل على تأمين أماكن العمل بالإضافة إلى تمكين المرأة في قطاع الأعمال وإصدار قوانين تُعنى بالقطاعين المالي والاقتصادي، لجذب الإستثمارات الأجنبية الجادة بهدف زيادة مساهمة القطاع الخاص كشريك أساسي للحكومة في تحقيق رؤية المملكة.

وقد أعلنت الحكومة السعودية سابقاً عن خطة لتحفيز القطاع الخاص بـ72 مليار ريال سعودي (١٩،٢$ مليار دولار)، وذلك لرفع مساهمة القطاع الخاص من ٤٠٪ من الناتج المحلي إلى نسبة ٦٥٪ بحلول العام ٢٠٣٠.

تأتي هذه النهضة التشريعية المتسارعة منذ نحو ٥ سنوات لليوم في إطار توجه المملكة لدعم مكانتها على الصعيد العالمي وخصوصاً لناحية الاقتصاد، كونها ضمن أكبر وأقوى ٢٠ اقتصاداً حول العالم. فهي تحتل المرتبة الـ١٩ لناحية ناتجها المحلي الإجمالي الإسمي والذي يقدّره صندوق النقد الدولي بـ٨٤٣ مليار دولار، فيما تحتل المرتبة الـ١٧ كأقوى اقتصاد عالمي فيما لو تم احساب ناتجها الإجمالي المحلي على أساس قوتها الشرائية.

والسعودية تخطط لأن تكون قوة استثمارية عالمية ومركزاً رائداً للأعمال، كما تهدف لتكون عاصمتها الرياض من  أكبر ١٠ اقتصادات بين مدن العالم، ولهذا رأيناها تُدخل تعديلات قانونية واسعة على قوانين الاستثمار والعمل  والقضاء والسياحة والعقار. 

مركز الملك عبد الله المالي “كافد”

ومن جملة القوانين التي تؤسس لمرحلة جديدة من الأعمال في السعودية، الطلب من الشركات الأجنبية في المنطقة نقل مقارها الرئيسية إلى داخل المملكة ضمن مهلة زمنية محددة، فيما لو أرادت تلك الشركات الحصول على عقود حكومية. 

من هنا، جاء إعلان الحكومة السعودية منع التعاقد مع أي شركة أو مؤسسة تجارية أجنبية لها مقر رئيسي إقليمي خارج المملكة اعتبار من العام ٢٠٢٤.  

في المقابل، أعطت الحكومة السعودية حزمة تحفيزات للشركات الأجنبية للانتقال للمملكة، ومنها رفع حجم فرص الإستثمار للشركات الأجنبية خلال السنوات الأخيرة والتي بلغت خلال الربع الثاني من العام ٢٠٢١، نحو ١٣$ مليار دولار.

ومع دخول تشريعات تُسهّل الاستثمار في المملكة، مقارنة بالسنوات السابقة، أصبحت إجراءات طلب الحصول على ترخيص الإستثمار الأجنبي أسهل وأسرع. إذ تمّت أتمتة هذه العملية وباتت تتم إلكترونياً بالكامل وفي مدة زمنية تتراوح بين يوم الى ثلاثة أيام إذا كانت المستندات مكتملة وفقا للمتطلبات. 

كما يمكن للشركات الأجنبية تحديد شكل كيانها القانوني، بين أن تكون شركة ذات مسؤولية محدودة أو شركة مساهمة أو فرع للشركة الأجنبية.

ومن المهم للمستثمر الأجنبي الذي يرغب في الحصول على ترخيص إستثمار في السعودية، أن يختار النشاط بناءً على نشاطه الأساسي الذي يمارسه في الدولة التي يوجد فيها مقر شركته الرئيسي. ولهذا، نوصي دائماً أن يقوم المستثمر الأجنبي بالاطّلاع على التصنيف السعودي للأنشطة الإقتصادية(ISIC4)  لمساعدته في اختيار النشاط المناسب قبل التقديم على ترخيص الاستثمار.

نيوم – السعودية

ويختلف ترخيص الاستثمار بحسب نوع النشاط، ومن ذلك: ترخيص استثمار خدمي، ترخيص استثمار صناعي، ترخيص استثمار تجاري، ترخيص استثمار عقاري، وترخيص استثمار مهني. 

وتجدر الاشارة هنا إلى أن السعودية سمحت للمستثمر الأجنبي في السنوات الأخيرة بالحصول على ترخيص استثمار لممارسة التجارة بنسبة ١٠٠٪ من دون الحاجة إلى وجود شريك سعودي، بشرط أن لا يقل رأس المال عن ٣٠ مليون ريال (٨$ ملايين).

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمستثمر الأجنبي الحصول على شهادة مؤقته مدتها سنة بلا رسوم، للمشاركة في منافسات المشاريع الحكومية (كالمناقصات و العطاءات). وفي حال رسى المشروع عليه، يستطيع الحصول على ترخيص استثمار اجنبي.

ومن التسهيلات التي قدمتها السعودية في قوانين الاستثمار الأجنبي، الحصول على الإقامة المميزة والتي تمكّن المستثمر الأجنبي الحصول على ترخيص الإستثمار مباشرة من دون الحاجة إلى وجود نشاط كيان قانوني خارج المملكة.  

وفي المجال العقاري، تم فتح المجال للمستثمر الأجنبي لمزاولة نشاط التطوير العقاري، ويستطيع بذلك التملك والانتفاع من العقارات للقيام بنشاطه المرخص له بالسعودية، بالاضافة الى امكانية تملّك المسكن الخاص به.

ويوفر نظام العمل السعودي حماية قانونية للعامل الأجنبي مقارنة بقوانين المنطقة، لاسيما بعد التعديلات الأخيرة لناحية ضرورة توثيق عقد العمل إلكترونياً، واشتراط موافقة العامل على العقد عبر نظام أبشر، حيث يستطيع العامل الإطلاع على نسخة العقد وقبوله أو رفضه العقد الكترونياً. وبذلك، يضمن الموافقة على البنود التي اتفق عليها مع صاحب العمل ويحصل على نسخة العقد الكترونياً من دون الحاجة لطلبها من صاحب العمل.

وتعزيزاً للثقة في الاستثمار داخل السعودية، تم تطوير نظام التحكيم السعودي من أجل إنشاء مركز التحكيم التجاري السعودي. وبذلك يستطيع المستثمر الاجنبي، في حالات النزاعات، اختيار المحكّم من أي دولة واختيار القانون واللغة التي يرغب بتطبيقها في النظر بالنزاع الحاصل من دون تكاليف إضافية.

كما تم استحداث قوانين جديدة تعزز حماية الحقوق والحريات داخل السعودية، ومن أهمها نظام الجرائم الإلكترونية anti-cyber crime law. ويعنى هذا النظام بتحقيق الأمن المعلوماتي وحماية الحقوق والمصالح الخاصة ومصالح الشركات من خلال استخدام الانترنت والكمبيوتر. 

وفي العام ٢٠٢١، أصدرت السعودية قانوناً مهماً لحماية المعلومات الشخصية يستفيد منه الأفراد والكيانات التجارية على حد سواء، وهو قانون حماية البيانات الشخصية Personal Data Protection. ويهدف هذا النظام الى حماية وتنظيم استخدام البيانات الشخصية بجميع أنواعها ومنع إساءة استخدامها، سواء كانت هذه البيانات تتعلق بالعنوان الشخصي أو الصور الشخصية أو الاسم أو رقم الهوية أو ارقام الحسابات المصرفية، وهو ما يوفر حماية إضافية للمستثمرين وللشركات المستثمرة في المملكة عبر تأمين حماية بياناتهم وبالقانون.

ونتوقع خلال السنوات المقبلة أن تشهد المملكة استمرارية في تطوير تشريعاتها التي تساعد في دعم اقتصادها وقطاعها المالي، لتواكب المتغيرات العالمية وبطريقة تحفظ مكانة الدولة وتساهم في تحقيق رؤيتها المستقبلية.

——-

 * الأستاذ محمد العتيبي، خبير قانوني متخصص في مواضيع الاستثمار الاجنبي و عقود تأسيس الشركات والمشاريع المشتركة Joint ventures، بالإضافة للعقود التجارية وعقود العمل.