Share

الشارقة تجني ثمار تركيزها على إنشاء مجتمعات مستدامة

تستمر حركة العقارات المستدامة في اكتساب أرضية سريعة على مستوى العالم
الشارقة تجني ثمار تركيزها على إنشاء مجتمعات مستدامة
كارل عطا الله، مدير التسويق في مدينة الشارقة المستدامة

تستمر حركة العقارات المستدامة في اكتساب المزيد من الزخم على مستوى العالم، وتتخذّ الاستثمارات فيها أشكالًا لا تعدّ ولا تحصى؛ تتراوح من تعديل المباني القائمة، وصولًا إلى تصميم الأصول العقاريّة الشاملة وتطويرها حسب مخطّطات معتمدة.

وحاليًا، أصبح الحديث في منطقة الخليج والشرق الأوسط ، حول مدن المستقبل التي تنتج طاقة متكاملة ومجتمعات نابضة بالحياة ذات نمط حياة صديق للبيئة، أكثر حضورًا مع استعداد المنطقة لاستضافة مؤتمرين يشكّلان نقطة تحوّل هامة في القطاع على مدار الـ 18 شهرًا المقبلة، وهما مؤتمر الأطراف (COP27) في شرم الشيخ في مصر والذي سيعقد في شهر نوفمبر، ومؤتمر الأطراف (COP28) في دولة الإمارات العربية المتحدة العام المقبل.

وكإضافة كبيرة للأجندة الوطنية لدولة الإمارات، تقدّم هذه الاستضافة فرصة رائعة لدمج ثقافة التفكير المستدام حول الركائز الأساسية للاقتصاد، ولتحقيق توازن مثالي بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع الحفاظ على الموارد الطبيعية الثّمينة للأجيال القادمة، من خلال التعاون بشكل وثيق بين القطاعين العام والخاص.

كذلك يمكن قياس الأهمية المتزايدة للمجتمعات المستدامة في المزيج العقاري من خلال مساهماتها الكبيرة في تحفيز النمو الاقتصادي للقطاع، وسط بيئة تشريعية تفضل الأصول المستدامة بشكل متزايد.

وشهد أداء قطاع العقارات، في الشارقة، نموًا ملحوظًا في الربع الأول من عام 2022، حيث سُجِّلت أكثر من 21615 صفقة عقاريّة بلغت قيمتها الإجمالية حوالي 6.3 مليار درهم إماراتي. وبحسب البيانات التي قدمتها دائرة التسجيل العقاري بالشارقة، فقد تم تسجيل أعلى قيمة تداولات في شهر مارس الماضي، حيث بلغ إجمالي الصفقات 2.7 مليار درهم إماراتي، بزيادة قدرها 32.3% مقارنة بشهر فبراير من العام 2022.

وجاءت المشاريع الرائدة مثل “مدينة الشارقة المستدامة” في طليعة محفزات النمو المستدام لقدرات الإمارة في قطاع العقارات، لتدعم بذلك جهود الدائرة في تقديم الخدمات الرّقمية المستدامة والذكية والمبتكرة، منصة المطوّر الإلكتروني، لخدمة المستثمرين والمطورين العقاريين في إمارة الشارقة.

وفي الواقع، شكّلت جهود حكومة الشارقة لقيادة الإصلاحات والمبادرات الرائدة في السوق عاملًا هامًا في تشجيع وجذب الاستثمارات الأجنبيّة. وظهر ذلك جليًّا في الدّورة الأولى من قمّة “إنفستوبيا” للاستثمار في القمّة العالميّة للحكومات، في وقت سابق من هذا العام، فقد لعبت الشارقة دائمًا دورًا رائدًا في تضخيم القدرة التنافسيّة العالمية لدولة الإمارات كوجهة استثمارية مفضلة.

وتعدّ الشارقة واحدةً من أكثر إمارات الدّولة تنوّعًا، حيث يتركز ما يقرب من 96% من النشاط الاقتصادي فيها في القطاعات غير النفطية، وتلعب المشاريع المستدامة دورًا رئيسيًا في إنشاء بنية تحتية عالمية المستوى ودفع استعداد الإمارة للنمو المستقبلي.

الاستثمار المستدام

 

وفقًا لبحث أجرته نايت فرانك Knight Frank، فإنّ المستثمرين العالميين يديرون بالفعل أكثر من 120 تريليون دولار من الأصول المالية (بما في ذلك العقارات) بحسب الإفصاح الطوعي الخاص بتغير المناخ، في حين ينتشر ما لا يقلّ عن 120000 من الأصول العقارية ذات التصنيف الأخضر في جميع أنحاء العالم.

ولا يعتبر الزّخم المتزايد على العقارات المستدامة أمرًا مفاجئًا من وجهة نظر المستثمرين، حيث قدّر تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي في وقت سابق من هذا العام أن الشهادات الخضراء تسفر عن زيادة إيجاريّة بنسبة 6% وزيادة في قسمة العقار عند البيع بنسبة 7.6% في المتوسط ​​على مستوى العالم. ويتخلل المحادثات حول العقارات اليوم الحديث بشكل متزايد عن “الأقساط الخضراء” و”الخصم البني”، أي المباني التي لا ترقى إلى مستويات أعلى من المعايير البيئية ويُنظر إليها على أنها أقل قيمة في المستقبل.

وتساهم “البيئة المبنية” في العالم بما يقدر بنحو 40% من انبعاثات الكربون على مستوى العالم، ووفقًا لتقديرات المنتدى الاقتصادي العالمي؛ فإنّ إزالة الكربون ستتطلب 5.2 تريليون دولار على مدى العقد المقبل وحده. لذلك، انتقل التركيز العالمي بشكل أكبر إلى إنشاء مجتمعات مستدامة تراعي الحد من الانبعاثات الكربونيّة، وتوفير حلول واقعية تتعلق بالأمن الغذائي وإدارة المياه والطاقة، فضلًا عن الحفاظ على الموارد الطبيعية.

وبالتالي، فإن فكرة المشروع العقاري “الأفضل في فئته” والتصوّرات حوله، قد نضجت من مجرد كونها تدور حول المناظر الخلابة وناطحات السّحاب الشّاهقة حتى أصبحت تناصر إنتاج الطاقة النظيفة صفريّة الانبعاثات الكربونيّة، وخلق نظام تنقّل مستدام ونظام غذائيّ بيئي، وتسعى إلى تعزيز الصحة والرفاهية ومقاومة التغيّر المناخي.

وهذا هو بالتحديد المفهوم الذي وضع مدينة الشارقة المستدامة على رأس قائمة الرّيادة في الإمارة، وهو المفهوم الذي وجد اعتمادًا متزايدًا بين المشاريع العقارية الأخرى منذ إنشائه.

ومع استمرار بقاء مشاريع التطوير العقاري المستدامة مفهومًا متخصصًا في دولة الإمارات، تعد مدينة الشارقة المستدامة ثالث مشروع من نوعه يتم الإعلان عنه في الدولة، بعد مدينة مصدر في أبوظبي، والمدينة المستدامة – دبي، وهو أوّل مشروع من نوعه في إمارة الشارقة.

ويضمّ المشروع فلل حديثة وذكية مدعومة بالطاقة الشمسية، ومبنية بمواد مستدامة وتصميمات هندسيّة دقيقة، وقدرة على إنتاج طاقة متجددة تقلّل من قيمة فواتير المرافق والتكاليف التشغيلية، ويتميز المشروع بقدرته على إعادة تدوير المياه والنفايات بنسبة 100%، بالإضافة إلى توفّر فرصة زراعة المنتجات الخضراء داخل المجتمع، كلّ هذه الميزات أصبحت متوفّرة للمستثمرين العقاريين وملّاك المنازل في المنطقة منذ بضع سنوات فقط.

ومع ظهور الاهتمام الكبير بمدينة الشارقة المستدامة، أدرك أصحاب المصلحة المزايا الاقتصادية الفورية التي يمكن أن توفرها المجتمعات المستدامة، حتى ظهرت مقترحات لإنشاء مشاريع مماثلة في كلّ من أستراليا والولايات المتحدة.

ومن المشجع أن نرى تزايد إدراك المستثمرين وملاك العقارات السّكنيّة وعامة الناس، للآثار الاجتماعية والبيئية الإيجابية لمثل هذه المشاريع وأهميتها لرفاهية أجيالنا القادمة.

ونتيجة للعمل الوثيق مع مبادرات حكومة الشارقة لتطوير البنية التحتية الاجتماعية، برزت مدينة الشارقة المستدامة كركيزة أساسية لتحقيق رؤية الإمارة لمستقبل مستدام ومزدهر، في الوقت الذي يكتسب فيه الحوار حول مجتمعات صفريّة الانبعاثات زخمًا عالميًا غير مسبوق.