Share

العملات الرقمية: تمشي واثقة الخطى في العالم العربي

تتردد معظم البنوك المركزية العربية في تنظيم سوق العملات المشفرة
العملات الرقمية: تمشي واثقة الخطى في العالم العربي
العملات الرقمية

لقد أصبح من الواضح بشكل لا لبس فيه أنه فيما يتعلق بالعملات الرقمية، فإن بعض الدول الإقليمية تسبق الآخرين بأميال عندما يتعلق الأمر بالاعتراف بالمزايا التي تقدمها البلوكتشاين.

لقد مر ما يقرب من عام منذ أن أصبحت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أول دولتين عربيتين تضعان حجر الأساس للإطلاق الرسمي الوشيك للعملات المشفرة برعاية مباشرة من البنك المركزي لكل منهما.

مشروع “عابر”

 

ويعتبر مشروع “عابر”، المبادرة الأولى من نوعها، ثمرة التعاون بين البنكين المركزيين السعودي والإماراتي.

ويبحث المشروع في إمكانية استخدام العملة الرقمية الصادرة عن البنكين المركزيين لتسوية المدفوعات، سواء داخل كل دولة منهما أو بينهما، وذلك من خلال الاعتماد على بنية تحتية قائمة على تقنية السجلات الموزعة.

وقد صرّح كل من البنكين المركزيين في بيان مشترك: “يهدف المشروع إلى استكشاف ما إذا كانت تقنية السجلات الموزعة يمكنها تمكين المدفوعات بين البلدين من خلال الاعتماد على عملة رقمية ثنائية الإصدار كوحدة تسوية بين البنوك التجارية في البلدين وكذلك داخل كل منهما”.

أما الغرض الآخر من استخدام البلوكتشاين، فهو تقليص التكاليف وتقليل وقت التحويل، والتي كانت مصدر قلق كبير لجميع البنوك التجارية في المنطقة.

وضمن مقال رأي نُشر في صحيفة الخليج تايمز التي تتخذ من دبي مقراً لها، كتب أنيل بادمانابان الصحفي المقيم في نيودلهي في 14 يناير(كانون الثاني) الماضي ما يلي: “سلّطت كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية مرة أخرى الأضواء على اتجاه جديد يجتاح القطاع المالي العالمي، وفي الوقت نفسه ساهمت في تعلّم المزيد عن عملات البنوك المركزية الرقمية. اليوم، تنضم الإمارات والسعودية إلى قائمة تزيد عن 90 دولة تشارك في مراحل مختلفة من طرح تلك العملات، والتي ليست سوى أموال افتراضية مدعومة من قبل البنك المركزي للبلد”.

وتعتبر هذه الخطوة جريئة وطموحة من جانب البلدين، على الرغم من أن الجهد لم يرق إلى مستوى الالتزام الكامل بالموافقة الرسمية على الحق في تداول العملات الرقمية بحرية تامة.

هواجس البنوك تجاه العملات الرقمية

 

في الواقع، تبدو معظم البنوك المركزية العربية حتى الآن، إن لم يكن كلها، متوجسة من فكرة تبنيها لسوق العملات المشفرة وتنظيمها بالكامل.

في حين أن مفهوم العملة الرقمية لم يتبنى بشكل كامل من قبل منظمي البنوك العربية، فإن عددًا كبيرًا من المواطنين العرب يستخدمون العملات المشفرة بشكل متزايد، حيث أنها تحظى بشعبية كبيرة بين الشباب على وجه الخصوص، وذلك بناءً لدراسات أجريت حديثاً. ويؤشر هذا الأمر أيضًا إلى أن العرب، مثلهم مثل الجنسيات الأخرى، يدركون تمامًا أهمية العملات الرقمية.

ويقول تقرير صادر عن شركة Triple A، وهي شركة تتعامل بالعملات المشفرة، إن مصر مع أكثر من 1.8 مليون مستخدم، تتصدر الترتيب في العالم العربي من حيث أكبر عدد من مالكي العملات المشفرة، تليها المغرب والمملكة العربية السعودية. وكذلك، يشير التقرير ذاته إلى أن حوالي 453 ألف مواطن سعودي يمتلكون عملات مشفرة.

من ناحية أخرى، تتربع باكستان التي تضم ما يصل إلى 9 ملايين مستخدم على عرش الصدارة من حيث مالكي العملات المشفرة بين الدول الإسلامية.

من نافذ القول أنه يوجد حاليًا ما لا يقل عن 90 دولة حول العالم تبنت العملات الرقمية، بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وبريطانيا واليابان ودول عدة في الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال لا الحصر. ومن المنطقي أن هذا الرقم سيستمر في التزايد مع إزدياد الوعي حول العملات المشفرة وفهم مزاياها.

في السياق عينه، يؤكد التقرير ذاته إلى أن الغالبية العظمى من مستخدمي العملات المشفرة على مستوى العالم هم من الرجال، بنسبة 71 في المائة، بينما تشكل النساء 29 في المائة فقط من المستخدمين. بالإضافة إلى ذلك، فإن حوالي 58 بالمائة من مستخدمي العملة الرقمية هم أشخاص تقل أعمارهم عن 34 عامًا.

لماذا تتباطأ الدول العربية في تبني العملات الرقمية؟

 

قد يكون صحيحًا أن العديد من الدول العربية لا تزال تقيّم بحذر إيجابيات وسلبيات استخدام العملات الرقمية، لكن لا شك في أن العديد من محافظي البنوك المركزية العربية يناقشون علانية هذا النوع من المدفوعات في المؤتمرات والمقابلات الصحفية التي تتناول موضوع الاستثمار.

وكان محافظ البنك المركزي السعودي فهد المبارك واحداً من العديد من المحافظين في العالم العربي الذين تناولوا هذه القضية خلال مؤتمر للاستثمار. ونفى المبارك الفكرة القائلة بأن العملات الرقمية ستدق ناقوس الخطر مهددة البنوك التقليدية في المنطقة، موضحًا أن “الأنظمة المصرفية التقليدية لن تتعرض للتدمير من خلال العملات الرقمية، بل من شأن ذلك تحقيق توسع في الأنظمة المركزية لتنظيم هذا الاتجاه”.

وقال المبارك إن المملكة العربية السعودية تدرس الآن إمكانية إنشاء بنك مركزي رقمي منخفض التكلفة يشجع العمليات الرقمية، “مما قد يكون له تحوط ضد السيولة الحقيقية الموجودة في البنوك المركزية”.

نشاط السلطات التنظيمية 

 

ومع ذلك، لم تتعهد السلطات التنظيمية في بعض الدول العربية حتى الآن بمصادقة البنوك المركزية على هذا النوع من العملات في أي وقت قريب، حيث يحرص العديد من المنظمين الماليين العرب على التأكد أولاً من أن التداول في العملات الرقمية لن يتسبب في إحداث فوضى في الأسواق المالية. كذلك، ينبغي التأكد تماماً ما إذا كانت العملات المشفرة متوافقة مع الشريعة الإسلامية الغرّاء.

وقد أكد البنك المركزي المصري أن التعامل في البلاد يقتصر حاليًا على العملات الرسمية المعتمدة من قبل البنك، حيث حث المتعاملين في السوق المصري على توخي الحذر الشديد في الانخراط في العملات غير الرسمية عالية المخاطر، في إشارة واضحة إلى العملات الرقمية.

لكن على الرغم من هذه المخاوف، يجادل بعض المصرفيين بأن اعتماد العملات الرقمية من قبل البنوك المركزية في المنطقة يمكن أن يعزز القدرة التنافسية في الكفاءة الانتقالية ويدعم الشمول المالي، لا سيما في الأسواق الناشئة.

ومن المرجح أن يستمر النقاش حول العملات الرقمية في الدول العربية على المدى المنظور، وسيظل تنظيم استخدام هذه العملات خطوة كبيرة لبنوكها المركزية. علاوة على ذلك، من المؤكد أن فوائد العملات المشفرة ستخضع للتدقيق عن كثب من أجل تأكد من أن المتعاملين في العملة الرقمية لا يتكبدون خسائر فادحة إذا ما أصبحت طريقة دفع شائعة.

حتى ذلك الحين، سيظل تداول العملات المشفرة حاملاً لمخاطرات معينة لأولئك الذين يودون التعامل بها قبل العموم.