Share

انتخابات فرنسا: هل يجدّد الاقتصاد لماكرون ويُسقط لوبن؟

"ستاندرد آند بورز": رئاسة لوبن تهدد التوقعات بالنسبة للمصارف الفرنسية
انتخابات فرنسا: هل يجدّد الاقتصاد لماكرون ويُسقط لوبن؟
إيمانويل ماكرون

يتوجه الناخبون الفرنسيون مجدداً الى صناديق الإقتراع الأحد المقبل في 24 أبريل/نسيان الحالي لاختيار رئيس بين مرشحين تأهّلا للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، هما الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون ومنافسته من اليمين المتطرف مارين لوبن.

قبل أيام على حلول الجولة الثانية، لا يبدو أن النتائج محسومة سلفاً. في وقت أظهرت استطلاعات الراي أن ماكرون قد يتفوق على لوبن، بحيث سيحصل على نسبة أصوات تتراوح ما بين 53 في المئة و55.5 في المئة مقابل 44.5 في المئة الى 47 في المئة لمرشحة اليمين المتطرف. إلا أن الفارق بين المرشحين لا يجعل أياً منهما بمنأى عن مفاجأة غير مرتقبة.

من جهته، يأمل ماكرون أن يكون التعافي المتصاعد للاقتصاد الفرنسي، أحد أسباب تعزيز محاولاته نحو إعادة انتخابه لولاية ثانية. فهو يخاطب الناخبين متسلحاً بحجة أن الاصلاحات التي تمت في ولايته الأولى قد أدت الغرض منها، وهي أن اقتصاد فرنسا بات قوياً.

فالاقتصاد الفرنسي تعافى بشكل أسرع من المتوقع من أزمة فيروس كورونا. وتشير الأرقام إلى أن  أداء ماكرون كان جيدًا مقارنة بالاقتصادات الرئيسية الأخرى في العالم، وبالتأكيد أفضل بكثير مما كان متوقعًا في البداية عندما ضرب الوباء.

وقد وصل النمو الاقتصادي العام الماضي إلى أعلى مستوى له في 52 عامًا عند 7 في المئة، ومن المتوقع أن يبلغ 3.2 في المئة في النصف الأول من العام الحالي.

وهناك مؤشران اقتصاديان آخران مهمين بشكل خاص لفهم اقتصاد فرنسا في ظل حكم ماكرون: البطالة والتضخم. وكلاهما ملائم نسبيًا.

البطالة ومليون شركة جديدة

 

انخفض معدل البطالة الفرنسي إلى 7.4 في المئة في الربع الأخير من العام 2021 ، وهو مستوى لم تشهده البلاد منذ العام 2008. وهذا يأتي نتيجة إصلاحات اعتمدها ماكرون خلال فترة ولايته الأولى في منصبه، ومن أهمها خفض ضريبة الشركات من 33.3 في المئة إلى 25 في المئة، والضغط من أجل تغيير قانون العمل الفرنسي.

وقد عملت إصلاحات العمل هذه على خلق سوق عمل أكثر حيوية من خلال تشجيع الشركات على توظيف الأفراد على الرغم من أنها أدت الى زيادة انعدام الأمن الوظيفي للعمال في بعض الاماكن.

يشيد وزير الاقتصاد برونو لومير بالحقيقة التاريخية المتمثلة في إنشاء حوالي مليون شركة في فرنسا في العام 2021. علماً ان المعارضين يقللون من أهمية هذا الاجراء ويقولون إن غالبية هذه الشركات كانت في الواقع مشاريع صغيرة يعمل فيها موظف واحد فقط أو عدد قليل جدًا من الموظفين. لكن في كلتا الحالتين، يُنظر إلى رغبة الناس في إنشاء أعمال تجارية جديدة إلى حد كبير على أنها مؤشر على حيوية الاقتصاد.

ويرى خبراء أن استراتيجية ماكرون المسماة “مهما كان الثمن” قد سببت طفرة في القطاع، كما أنها قد ساعدتها خلال جائحة كورونا للإنفاق بشكل كبير على تمويل الشركات، كما ساعدتها على الاحتفاظ بموظفيها.

وبالنسبة لشركات التكنولووجيا، كان العام 2021 قياسياً، حيث جمعت 11.6 مليار يورو من الأموال، بزيادة قدرها 115 في المئة عن العام 2020.

يدفع ماكرون بهذا باعتباره أحد أكبر انتصاراته خلال فترة ولايته الأولى، وقد يكون أحد العوامل التي تجعله يتخطى الخط في 24 أبريل.

التضخم الاقتصادي

 

ارتفع التضخم الفرنسي إلى 4.5 في المئة في مارس/آذار، في منحى تصاعدي منذ الصيف الماضي. لكن هذا المعدل يبقى الأقل بين الدول الأوروبية – حيث يبلغ في ألمانيا مثلاً 7.3 في المئة و9.8 في المئة في إسبانيا.

أحد الأسباب هو أن فرنسا تستمد معظم قوتها من أسطولها من محطات الطاقة النووية، لذلك كانت معزولة نسبيًا عن ارتفاع أسعار النفط والغاز التي تسببت في مشاكل في أماكن أخرى.

وارتفعت نسبة الدين العام الفرنسي إلى الناتج المحلي الإجمالي من 98 في المئة في عام 2019 إلى 116 في المئة في عام 2021 نتيجة الاجراءات التي قامت بها السلطات لمواجهة فيروس كورونا.

ويُعد ارتفاع التضخم إحدى الطرق لتقليل عبء الديون المتزايد هذا، على الرغم من أن مستويات ارتفاعات الأسعار التي تشهدها فرنسا ودول أوروبية أخرى في الوقت الحالي تتجاوز بكثير ما كان يخطط له محافظو المصارف المركزية.

ويبدو أيضًا أن التضخم من المرجح أن يزداد سوءًا قبل أن يتحسن، وهذا يتوقف أيضًا على تطور الحرب في أوكرانيا. وسيكون التعامل مع هذه المشكلة بمثابة تحدٍ آخر لمن يدير فرنسا على مدى السنوات الخمس المقبلة.

المصارف الفرنسية ولوبن

 

في تقرير لوكالة “ستاندرد آند بورز” أن رئاسة لوبن من اليمين المتطرف، تهدد التوقعات بالنسبة للمصارف الفرنسية

وقالت الوكالة إن الاحتمال الناشئ لرئاسة لوبن يثير مخاوف المستثمرين في المصارف الفرنسية، حيث انخفضت أسعار أسهم أكبر ثلاثة مصارف مدرجة من بين أكبر المقرضين وأكثرهم انتشارًا في أوروبا، وهي “بي أن بي باريبا” و”كريدي أغريكول” و”سوسييتيه جنرال” بمتوسط ​​يزيد عن 9 في المئة منذ الاول من أبريل/نيسان، مقارنة بانخفاض أقل من 2 في المئة لمؤشر S&P Europe BMI Banks .

وقال سام ثيودور، وهو كبير المستشارين في وكالة التصنيف الائتماني “سكوب غروب”، لـ”ستاندرد آند بورز غلوبال ماركت إنتليجنس”: “إن رئاسة لوبن ستجلب درجة من عدم اليقين والقلق في ما يتعلق بفرنسا، مما قد يؤثر على الأنشطة الأوروبية للمصارف الفرنسية.. نجح الرئيس ماكرون في تعزيز سمعة فرنسا الدولية وترسيخ دورها الريادي في أوروبا”.

ورأى تيودور إن المستثمرين استفادوا من موقع فرنسا المؤثر في الاتحاد الأوروبي و”سيترددون في رؤية أي تراجع في تكاملها الاقتصادي والمالي”.

لوبن تريد أن تتمتع فرنسا بقدر أكبر من الاستقلال الذاتي

 

تقول “ستاندرد آند بورز” إن لوبن تريد أن تتمتع فرنسا بقدر أكبر من الاستقلال الذاتي عن الاتحاد الأوروبي، وإن سياساتها تشمل خفض مساهمات فرنسا في موازنة الاتحاد الأوروبي، وأسبقية القانون الفرنسي على قواعد الاتحاد الأوروبي، وعودة الفحوصات الجمركية على البضائع التي تدخل إلى فرنسا من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، مما قد يقوض السوق الموحدة للكتلة.

وبحسب جيسيكا هيندز، وهي كبيرة الاقتصاديين في أوروبا في شركة الاستشارات البحثية المستقلة “كابيتال إيكونوميكس هيندز”، فإن حجم التحفيز المالي الذي تعرض لوبن توفيره يمكن أن يعزز نمو الناتج المحلي الإجمالي الفرنسي والإقراض المصرفي في بعض المجالات على المدى القصير. “إذا كان هناك دعم هائل لدخل الأسرة الذي تخطط له لوبن، فبإمكانك في الواقع أن ترى زيادة كبيرة في إنفاق المستهلكين”، قالت هيندز.

ومع ذلك، من المحتمل أن تعاني مناطق أخرى إذا تم انتخاب لوبان. وقالت هيندز: “قد نشهد صعوبات في الاستثمار الخاص.. عدم اليقين والمخاوف بشأن ما يخبئه المستقبل قد تثبط استثمارات الأعمال والقطاع الخاص قليلاً”.

ماكرون و”البيئة المثالية”

 

من جهته، قال أرنود جورنوه، نائب رئيس المؤسسات المالية في وكالة التصنيف الائتماني DBRS Morningstar ، إن فترة ولاية ثانية لماكرون ستوفر “البيئة المثالية” للمصارف الفرنسية. وأضاف أنه في حالة فوز لوبن، ستبدأ الآثار السلبية على المصارف الفرنسية في الظهور على الفور.

وختم قائلا: “إذا تم انتخابها، فسنرى على الأرجح بعض الاضطرابات في السوق، وتقلبات أعلى.. قد يكون لذلك تأثير على نتائج العمليات المالية للمصارف”.