Share

بازل 3 يمثل إطاراً حاسماً لتفادي حدوث الأزمات المصرفية في المستقبل

المنظمون دعوا إلى التطبيق الكامل للتشريعات في ظل الفوضى الأخيرة
بازل 3 يمثل إطاراً حاسماً لتفادي حدوث الأزمات المصرفية في المستقبل
إيقاف تأثير الدومينو

لم تشفع التطمينات التي راحت السلطات المالية توزعها على المودعين المتضررين من اهتزازات المصارف، يميناً وشمالاً وفي كل مناسبة بأن القطاع المصرفي سليم ومتين، في وقف دومينو انهيار المصارف في الولايات المتحدة.

فبعد كل انهيار كل مصرف في الولايات المتحدة (وكانوا ثلاثة عند إعداد هذا التقرير، هي سيليكون فالي وسيغنتشر وفيرست ريبابليك) كان مسؤولو الاحتياطي الفدرالي، وبينهم رئيسه جيروم باول، يطلقون مواقف تؤكد متانة القطاع وبأن ما يحصل ليس إلا حالة فردية وليست عدوى تطال القطاع برمته.

وكان مصرف “كريدي سويس” السويسري مرّ بأزمة ثقة حادة أنهت وجوده بعد استحواذ منافسه “يو بي أس” عليه في صفقة تدخلت فيها السلطات السويسرية بشكل فوري منعاً لانتقال هذه الأزمة إلى مصارف أخرى في سويسرا أو في أوروبا.

الرسالة التي حاولت المصارف المركزية والمشرفون على القطاع المصرفي تمريرها في أكثر من مناسبة، أن ما يحصل للقطاع المصرفي ليس إعادة للأزمة المالية العالمية لعام 2008.

قد يكون هذا صحيحاً. فباستثناء مصرف “كريدي سويس” السويسري، نجت المصارف الأوروبية من الاضطرابات. يبدو أن المشكلة هي لمصارف أميركية محددة والتي عرّتها سياسة الاحتياطي الفدرالي المتشددة في رفع معدلات الفائدة.

ترى رئيسة المصرف المركزي الاوروبي كريستين لاغارد أن الأسباب المحددة لفشل المصارف الأميركية هي التطبيق الجزئي للبلاد لمتطلبات “بازل 3”. إذ تم رفع المتطلبات التنظيمية بشأن احتياطيات السيولة من المصارف الصغيرة والمتوسطة الحجم في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، بحيث لم يعد المنظمون يتوقعون أوضاع السيولة لدى المصارف في الوقت المناسب لتجنب الفشل.

وقالت لاغارد إنه نتيجة لهذا التطبيق الجزئي، فإن “14 مصرفاً فقط – نعم، 14 مصرفاً” خضعت لكامل معايير “بازل 3”. الرقم يقف عند 2200 مصرف بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وفقًا لتحليل المصرف المركزي الأوروبي نفسه.

وفقًا للبيانات الرسمية، يوجد في الولايات المتحدة أكثر من 4000 مصرف – بمعدل 80 لكل ولاية من الولايات الخمسين. انخفض الرقم بأكثر من الثلثين منذ بلوغ الذروة التي تجاوزت 14 ألفاً في أوائل الثمانينات.

إقرأ أيضاً: أزمة سقف الديون مستمرة.. هل تقع الولايات المتحدة في المحظور؟

مقرر الحزمة المصرفية (banking package) في الاتحاد الأوروبي، جوناس فيرنانديز، يرى في مقابلة صحافية أن هذه الأزمة يجب أن “تشجع المشرّعين على مراجعة طريقة تفكيرنا جميعاً في التنظيم المصرفي”، وتنفيذ بازل 3 بالكامل في أسرع وقت ممكن.

وهذا يعني مراجعة موقف كل من البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، حيث أدخل كلاهما استثناءات من أحكام “بازل 3 ” وخفّض بشكل فعال متطلبات رأس المال من المصارف مقارنة بالمبادئ المتفق عليها دولياً.

وفي مدونة للمصرف المركزي الأوروبي نُشرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، حذر ثلاثة مسؤولين رفيعي المستوى من المصرف المركزي الأوروبي، من أن المفاوضات البرلمانية حول الحزمة المصرفية “ستنحرف عن المعايير الدولية”.

وبدلاً من ذلك، دعا المنظمون إلى التطبيق الكامل لـ”بازل 3″، الذي يحدد “القواعد التي تم وضعها بعناية لضمان الحد الأدنى من شبكة الأمان في جميع أنحاء العالم ضد عدد كبير من المخاطر التي عانينا منها بشكل مؤلم خلال الأزمة المالية العالمية”.

وتعتبر “الحزمة المصرفية” أهم جزء من التشريع التحوطي المصرفي الذي تم اقتراحه في الاتحاد الأوروبي في العقد الماضي. وتتضمن مراجعات لتوجيهات وتنظيم متطلبات رأس المال والتي تنفذ إصلاحات “بازل “3.

Basel III

ولكن ما هي متطلبات “بازل 3″؟

“بازل 3” هو إطار تنظيمي عالمي طوعي بشأن كفاية رأس المال المصرفي واختبار الضغط ومخاطر سيولة السوق. وتم تطوير هذه الدفعة الثالثة من اتفاقيات بازل استجابة لأوجه القصور في التنظيم المالي التي كشفت عنها الأزمة المالية في 2007-2008.

تتمثل الركيزة الأولى من الإطار التنظيمي لاتفاقية “بازل 3” بالحد الأدنى لمتطلبات رأس المال التنظيمي التي يجب على المصارف الوفاء بها، ويعد معيار صافي التمويل المستقر (NSFR) ومعيار تغطية السيولة (LCR) جزءاً من هذه الركيزة.

وبحسب معيار تغطية السيولة، تجدر  المحافظة على نسبة 100 في المئة كحد أدنى، للتأكد من لدى المصرف ما يكفي من الأصول السائلة عالية الجودة لتغطية صافي التدفقات النقدية الخارجة على مدار 30 يوم مقبلة.

زبالتالي، فإن معيار “بازل 3” ويهدف إلى تعزيز متطلبات معيار “بازل 2” بشأن الحد الأدنى لنسب رأس المال للمصرف للتعامل مع الخسائر غير المتوقعة، ويقدم متطلبات بشأن حيازات الأصول السائلة عالية الجودة واستقرار التمويل، ويسعى إلى التخفيف من مخاطر التهافت على المصرف وتقليل رافعته المالية.

ورغم هذه الآلية الرادعة لانهيار المصارف والتي تشكل وسادة أمان للبقاء عليها، حدث ما حدث هذا العام مع مصارف أميركية عدة (ولن تنتهي المسرحية قريباً).

في حالة مصرف “سيليكون فالي” الاقليمي الذي كانت أعماله تركز على خدمة الشركات الناشئة المحفوفة بالمخاطر عادة، فهو رغم أنه كان المصرف السادس عشر في الولايات المتحدة، لم يكن يعتبر مهماً من الناحية النظامية. بمعنى آخر، كان أقل تنظيماً من المؤسسات المالية التي ينظر إليها المنظمون الفدراليون على أنها أكثر جوهرية.

بتفسير أوضح، كان “سيليكون فالي” يصنف بأنه من الفئة الرابعة (أصوله أقل من 250 مليار دولار)، وبالتالي لم يكن يخضع للاحتياطي الفدرالي في ما يتعلق بمتطلبات معيار صافي التمويل المستقر ومعيار تغطية السيولة.

لكن طبيعة الخدمات التي كان “سيليكون فالي” يوفرها للشركات الناشئة والتي غالباً ما تحتاج إلى تمويل مرتفع، كانت تحتم عليه الحفاظ على سيولة كافية والامتثال لقواعد “بازل” الخاصة بالسيولة ك تكون لديه أموال كافية للصمود في وقت الأزمات الاقتصادية كمثل التي واجهها، وذلك تجنباً لفقدان ثقة العملاء به والذين هرعوا لسحب ودائعهم في ساعات قليلة. فلم يجد المصرف لديه من النقد السائل ما يكفي لمواجهة عمليات السحب وتغطيتها، الامر الذي أدى الى انهياره.

مع الإشارة إلى ان المصرف كان قد استثمر القسم الأكبر من ودائعه في سندات الخزانة الاميركية طويلة الأجل والتي انخفضت قيمتها مع ارتفاع معدلات الفائدة، مما تسبب في انخفاض محفظته الاستثمارية.

في الختام، من المؤكد أن الامتثال للإطار التنظيمي لاتفاقية “بازل 3” أمر بالغ الأهمية لاستقرار القطاع المصرفي ولوضع حد لما يحصل، وإلا فسيكون.. حبل الانهيارات على الجرار.

أنقر هنا للاطلاع على المزيد من أخبار المصارف والتمويل.