Share

حكّام المصارف المركزية في العالم يعلنون الحرب على التضخم

المصارف المركزية مهددة بفقدان ثقة بنتها على مدى عقود
حكّام المصارف المركزية في العالم يعلنون الحرب على التضخم
رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول

من “جاكسون هول” بولاية وايومينغ الأميركية، أعلن حكام المصارف المركزية  في العالم الحرب على التضخم. وهو ما سيترجم مزيداً من الألم في المستقبل.

فالرسالة التي أطلقها كبار المسؤولين الماليين في العالم من “جاكسون هول” كانت صاخبة وحاسمة: التضخم المتفشي موجود ليبقى، وترويضه يتطلب جهداً غير عادي، على الأرجح ركود مع فقدان الوظائف وموجات من الصدمة من خلال الأسواق الناشئة.

لقد كانت المصارف المركزية بحاجة الى أن تكون حاسمة، فهي أمضت عقوداً في بناء صدقيتها على “مهارات وفنون” مكافحة التضخم، وقد يؤدي خسارتها هذه المعركة إلى زعزعة أسس السياسة النقدية الحديثة.

من هنا، لم يعد هناك أدنى شك حول المسار الذي ستسير به أسعار الفائدة بعد خطاب رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول الذي استغل الندوة الاقتصادية السنوية لإعلان الحرب على التضخم، متعهداً أن يستخدم المصرف المركزي أدواته “بقوة” لمهاجمة ارتفاع الأسعار.

وكان خطاب باول شكّل مفاجأة للعديد من المحللين الذين كان يأملون في أن يرسم مساراً أقل حدة تجاه المزيد من الزيادات في الأسعار خوفاً من دفع الاقتصاد الهش إلى الركود. وبحسب هؤلاء، فان هناك دلائل على أن التضخم في الولايات المتحدة ربما بلغ ذروته وأنه آخذ في الانخفاض، وبالتالي يمكن عندها تخفيف التشدد كي لا يقع الاقتصاد في ركود وينعكس عالمياً.

الواضح أن وجهات نظر هؤلاء المحللين كانت خاطئة. إذ كان خطاب باول في الشكل الأكثر هجوماً منذ أشهر، مجادلاً بأن أسعار الفائدة المرتفعة ستستمر وأنه لن يتأثر بشهرين من البيانات. وقال إن “السجل التاريخي يحذر بشدة من سياسة التخفيف قبل الأوان”.

كل ما قاله باول في الندوق الاقتصادية السنوية يعني أنه من المرجح جداً أن يكون مصرف انكلترا أكثر عدوانية مع رفع أسعار الفائدة.

وهو ما يُستشف منه من خلال الرسالة الصارمة التي وجهها أيضا المصرف المركزي الاوروبي والمصارف المركزية الاخرى المتواجدة في “جاكسون هول” بشأن الحاجة إلى كبح جماح التضخم.

فعضو المجلس التنفيذي للمصرف المركزي الأوروبي، إيزابيل شنابل، قالت في كلمة انتظرها الجميع لمعرفة خطة المصرف المركزي المستقبلية، إن المصارف المركزية في جميع أنحاء العالم مهددة بفقدان ثقة الجمهور

ويجب عليها الآن أن تتصرف بقوة لمكافحة التضخم، “حتى لو دخلنا في حالة ركود، فلا خيار أمامنا سوى الاستمرار في هذا المسار”.

وأضافت شنابل “إذا توقع الجمهور أن تقلل المصارف المركزية من حذرها في مواجهة المخاطر التي يتعرض لها النمو الاقتصادي، أي إذا تخلت عن معركتها ضد التضخم قبل الأوان، فإننا نجازف برؤية تصحيح أكثر حدة في المستقبل”.

ويناقش مسؤولو المصرف المركزي الأوروبي في الثامن من سبتمبر/أيلول المقبل حجم الزيادة في سعر الفائدة الذي قد يكون مناسباً في إطار خططهم للجم التضخم. ويرى البعض منهم أن الزيادة بمقدار 75 نقطة أساس يجب أن تكون على الأقل جزءاً من النقاش. ورفع مجلس المحافظين أسعار الفائدة في يوليو/تموز الماضي بمقدار نصف نقطة مئوية.

من بعض النقاشات في “جاكسون هول”

 

كذلك، دار نقاش في الدوة الاقتصادية حول المدة التي قد يستمر فيها التضخم المرتفع. وقال رئيس المصرف الوطني السويسري توماس جوردان، إن العوامل الهيكلية في الاقتصاد قد تساهم في استمرار التضخم المرتفع لسنوات قادمة، وإنه سيصبح أكثر اتساعاً. وحذر من أن “هناك دلائل على أن التضخم ينتشر بشكل متزايد إلى السلع والخدمات التي لا تتأثر بشكل مباشر بالوباء أو الحرب في أوكرانيا”.

رئيس المصرف المركزي الألماني (البوندسبنك”) اعتبر أن “القصة واضحة جداً. فالتضخم مرتفع للغاية، وبالتالي فإن الإجابة في مثل هذه الحالة واضحة أيضاً. هذا ما يتعين على البنوك المركزية فعله في مثل هذا الموقف. علينا رفع أسعار الفائدة”.

محافظ مصرف كوريا الجنوبية، ري تشانغ يونغ، يرى أن هناك فرصة كبيرة لعودة كوريا والاقتصادات الناشئة الآسيوية الأخرى إلى بيئة التراجع في التضخم وعودة النمو الذي هيمن على فترة ما قبل الجائحة.

بينما قدم محافظ مصرف اليابان، هاروهيكو كورودا بالتفصيل وضعاً اقتصاديا في بلاده يختلف تماماً عما تعيشه أوروبا والولايات المتحدة، “نعيش وضعاً أشبه بمعجزة إلى حد ما، إذ نشهد حالياً تضخماً بـ2.4 في المئة. لكن ذلك يرجع كله تقريباً إلى الارتفاع العالمي في أسعار السلع الأساسية والطاقة والغذاء”.

وقالت غيتا غوبيناث، النائب الأول للمدير العام في صندوق النقد الدولي، إن التضخم في الولايات المتحدة سيستمر لمدة عام أو عامين آخرين على الأقل.

صحيح ان المصارف المركزية قد أعلنت الحرب على التضخم مهما كلف الثمن، لكن الواقع انها في بعض المطارح لا تتمتع بسيطرة كاملة لمكافة التضخم. على سبيل المثال، يؤدي ارتفاع أسعار الطاقة، نتيجة الحرب الروسية في أوكرانيا، إلى حدوث صدمة في العرض ليس للسياسة النقدية تأثير كبير عليها.

كما يؤدي الانفاق المتمادي الخارج أيضاً عن سيطرة المصارف المركزية، من قبل الحكومات الى تفاقم المشكلة.