Share

هل يفجر الدولار القوي أزمة ديون في العالم؟

يلين تعترف بتأثير قوة الدولار على معدلات التضخم في الاقتصادات الفقيرة
هل يفجر الدولار القوي أزمة ديون في العالم؟
بايدن ينفي مخاطر قوة الدولار الأميركي على العالم

لاشك أن الأولوية القصوى للولايات المتحدة هي كبح جماح التضخم، ومهما كلّف الثمن. صحيح أن هذا الهدف يعزز الدولار الأميركي ويجعله قوياً مقارنة بالعملات الأخرى. لكنه، وإن كان مناسباً للولايات المتحدة، إلا أنه سيرهق بالتأكيد الدول التي تتألم من قوة العملة الخضراء.

الدولار الاميركي في هذه الأيام هو الأقوى منذ عقدين مقارنة بالعملات الأخرى حين بلغ مستواه الأعلى منذ العام 2000. ارتفع بنسبة 22 في المئة مقابل الين، و13 في المئة مقابل اليورو و6 في المئة مقابل عملات الأسواق الناشئة.

فما هي الأسباب التي تدفع الدولار صعوداً؟

 

ببساطة، ارتفعت العملة الخضراء لأن مجلس الاحتياطي الفدرالي رفع أسعار الفائدة بشكل حاد لمكافحة التضخم. ويُتوقع أن تتعزز قيمة الدولار أكثر في المرحلة المقبلة حيث سيواصل الاحتياطي الفدرالي في تطبيق سياسته المتشددة.

هذا التدبير دفع إلى الجنوح نحو الاستثمارات الآمنة، حيث يتخارج المستثمرون من مراكزهم الاستثمارية في أوروبا والأسواق الصاعدة وأماكن أخرى ويبحثون عن ملاذ آمن في أدوات استثمارية مقومة بالدولار الأميركي وهو ما يتطلب قطعاً شراء دولارات.

قوة الدولار تمثل ضعفاً في العالم

 

باتت قوة الدولار تمثل الكثير من نقاط الضعف في العالم. فالدولار هو العملة الفعلية للتجارة العالمية، ويؤدي ارتفاعه الحاد إلى الضغط على عشرات الدول ذات الدخل المنخفض، خصوصاً تلك التي تعتمد بشكل كبير على واردات الغذاء والنفط وتقترض بالدولار لتمويلها.

بمعنى أوضح، فإن الدولار القوي يجبر الدول على استخدام المزيد من عملتها لشراء الكمية نفسها من السلع. ويعني هذا السعر المرتفع أنهم يستوردون، عن غير قصد، المزيد من التضخم إلى جانب استيرادهم الحبوب والوقود. ولأنهم يقترضون بالدولار، عليهم أن يدفعوا فائدة بالدولار، مما يزيد من ضائقهم المالية.

حتى أن الوضع الراهن دفع بالفعل بعض الدول الى إعلان التخلّف عن السداد (كسريلانكا مثلاً)، في حين أن دولاً أخرى تتأرجح على حافة الهاوية (كباكستان مثلاً).

حجم الديون العالمية

 

ووجد معهد التمويل الدولي أن نسبة الدين العالمي إلى الناتج المحلي الإجمالي – وهي مقياس مستخدم على نطاق واسع لقياس قدرة المقترض على سداد الديون – ارتفعت إلى 350 في المئة في أول زيادة في خمسة أرباع. وفي الأسواق الناشئة، ارتفعت تلك النسبة بنحو 3.5 نقطة مئوية لتصل إلى 252 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مما يعكس “الضربة الناجمة عن التباطؤ الحاد” في النمو الاقتصادي.

وجاء هذا الارتفاع رغم الانخفاض العام في الدين العالمي، الذي تقلص 5.5 تريليونات دولار إلى 300 تريليون دولار في الأشهر الثلاثة حتى نهاية يونيو/حزيران  بالدولار الأميركي – وهو أول انخفاض فصلي منذ 2018.

وانخفض الدين في الأسواق الناضجة 4.9 تريليونات دولار إلى ما يزيد قليلاً عن 201 تريليون دولار. في حين أن الانخفاض النسبي الأصغر بمقدار 0.6 تريليون دولار في الأسواق الناشئة جعل الدين الإجمالي في الاقتصادات النامية 99 تريليون دولار.

بين بايدن ويلين وانعكاس الدولار القوي على العالم

 

رغم انعكاسات الدولار القوي على اقتصادات العالم والمخاوف التي يبديها كبار القادة بشأن الكيفية التي يؤدي بها ارتفاع العملة الأميركية إلى زيادة التضخم في اقتصاداتهم، إلا أن الرئيس الأميركي جو بايدن يرفض هذا الاتهام وينفي مخاطر قوة الدولار الأميركي على العالم. ويلقي في المقابل، باللوم على النمو الهزيل وأخطاء السياسة في أجزاء أخرى من العالم، مشيراً إلى أنها السبب في تراجع الاقتصاد العالمي.

فبايدن قال للصحافيين السبت خلال جولة لحملته الانتخابية في بورتلاند بولاية أوريغون “لست قلقاً بشأن قوة الدولار .. أنا قلق بشأن بقية العالم”. وأضاف “اقتصادنا قوي بما يكفي”.

إلا أن وزيرة الخزانة الأميركية، الرئيسة السابقة للاحتياطي الفدرالي، جانيت يلين أقرت بانعكاس الدولار القوي على البلدان النامية، حين قالت خلال اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين حيث كان تأثير ارتفاع الدولار موضوعاً رئيسياً، “هناك انعاكسات غير مباشرة على الاقتصادات النامية جراء تشديد السياسة النقدية في الدول المتقدمة التي تتصدى للتضخم، مما فاقم مشكلات الديون لديها”.

ولا يحتاج تصريح يلين الى الكثير من التحليل للوصول إلى استناج بأن الدولار القوي يعيث الخراب في الأسواق الناشئة. وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول الأزمة التالية وما اذا ستكون أزمة ديون.

وهو أتى بعد يومين على صدور بيانات التضخم في الولايات المتحدة التي أظهرت ارتفاعاً غير متوقع لمعدل التضخم السنوي. إذ بلغ 8.2 في المئة، رغم السياسات المتشددة التي يقررها المصرف المركزي والتي لا يبدو الى الآن أنّ مفعولها ناجع.

وتعني معدلات التضخم المعلنة أن اللجنة الفدرالية للأسواق المفتوحة التي يرأسها رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول، ستُقدم على المزيد من الزيادات الكبيرة في الاجتماعيين المتبقيين لهذا العام في نوفمبر/تشرين الثاني (يتوقع اقرار زيادة 75 نقطة اساس في أسعار الفائدة) وديمسبر/كانون الاول (بين 50 نقطة أساس و75).

صندوق النقد الدولي

 

من هنا، كان التنبيه الذي أطلقه صندوق النقد الدولي. إذ حذر في تقريره الأخير الصادر منذ أيام حول “آفاق الاقتصاد العالمي” من إن اتساع نطاق أزمة الديون في الاقتصادات الناشئة من شأنه أن يثقل كاهل النمو العالمي وقد يؤدي إلى حدوث ركود عالمي. “زيادة قوة الدولار الأميركي لن تؤدي إلا إلى تفاقم احتمال أزمة الديون” وفق ما جاء في التقرير.

ولدى سؤالها عن وضع الاقتصاد العالمي راهناً وما تعانيه الدول في ظل الدولار القوي، ردت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا خلال اجتماعات الصندوق قائلة: “يجب علينا دعم الأسواق الناشئة الضعيفة والبلدان النامية. إنه أمر صعب على الجميع، ولكنه أكثر قسوة بالنسبة للبلدان التي تعاني الآن من ارتفاع الدولار، وارتفاع تكاليف الاقتراض، وتدفقات رأس المال الخارجة – وهي ضربة ثلاثية تكون ثقيلة بشكل خاص على البلدان التي تعاني من مستوى مرتفع من الديون”.

ورأت النائبة الأولى للمدير العام لصندوق النقد الدولي غيتا غوبيناث من على المنبر نفسه، أن الدول في طريقها إلى “رحلة صعبة” مع تكيفها مع قوة الدولار.

وفي ورقة أعدتها مع زميلها في الصندوق بيار أوليفييه غورنشاس، فإن “مثل هذا الارتفاع الحاد في قيمة الدولار في غضون أشهر له تداعيات كبيرة على الاقتصاد الكلي لجميع البلدان تقريباً، نظراً إلى هيمنة الدولار على التجارة والتمويل الدوليين”، كما جاء

أضافا “في حين أن حصة الولايات المتحدة في صادرات البضائع العالمية انخفضت من 12 في المئة إلى 8 في المئة منذ عام 2000، فقد احتفظت حصة الدولار في الصادرات العالمية بحوالي 40 في المئة. بالنسبة للعديد من البلدان التي تكافح لخفض التضخم، فإن ضعف عملاتها مقارنة بالدولار جعل المعركة أكثر صعوبة”.

وشرحا أنه في المتوسط، فإن الممر المقدر لارتفاع قيمة الدولار بنسبة 10 في المئة في التضخم هو 1 في المئة. علماً ان هذه الضغوط تشتد حكماً في الأسواق الناشئة، مما يعكس زيادة اعتمادها على الواردات وزيادة نصيبها من الواردات المفوترة بالدولار مقارنة بالاقتصادات المتقدمة.

ومنذ أيام، حذر رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس من أن العالم يواجه “موجة خامسة من أزمة الديون”. وشرح أنه “في عام 2022 وحده، أصبحت حوالى 44 مليار دولار من مدفوعات خدمة الدين الثنائية والخاصة مستحقة” في بعض الدول الفقيرة، أعلى من تدفق المساعدات الأجنبية التي يمكن أن تأمل بها تلك الدول.

وفق كل ما تقدم، هل سنشهد في المرحلة المقبلة تفجر أزمة جديدة تضاف الى الأزمات المتعددة والمتشعبة التي يعانيها الإقتصاد العالمي؟ وهل سيكون الدولار السلاح الذي تستخدمه الولايات المتحدة لمقارعة الصين؟