نظمت وحدة المعلومات الاقتصادية ندوة عبر الإنترنت في الخامس عشر من ديسمبر/كانون الأول الماضي لمناقشة أحدث النتائج/التصنيفات لتقرير تكلفة المعيشة العالمية للعام 2022. أشار المسح، الذي يرصد أسعار أكثر من 200 سلعة وخدمة في 172 مدينة حول العالم، باستثناء كييف الممزقة بسبب الحرب، إلى ارتفاع الأسعار العالمية في العام 2022 بنسبة 8.1 في المئة على أساس سنوي، مما يشكل أعلى معدل تضخم تسجيله في أكثر من 20 عاماً.
وفي التفاصيل، ارتفعت أسعار المرافق والأغذية بشكل حاد، وشهدت أسعار البنزين ارتفاعًا مذهلًا بنسبة 22 في المئة، بينما ظلت أسعار السلع والخدمات الترفيهية تحت السيطرة في ظل تحوّل المستهلكين بصورة رئيسية نحو شراء السلع الأساسية.
واعتبر المشاركون في الدراسة أن التشديد النقدي القوي من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أدى إلى ارتفاع قوي في قيمة الدولار مقابل معظم العملات. وهكذا تأثرت تصنيفات تقرير تكلفة المعيشة العالمية، بالنظر إلى أن المؤشر يقارن الأسعار العالمية باستخدام الدولار الأميركي.
وأوضحت أوبَاسانا دوت، المسؤولة المشرفة على التقرير، أنه مع انتهاء وباء كوفيد-19، ارتفع الطلب بشكل حاد قبل السماح لسلاسل التوريد بالتكيف مع مستويات ما قبل الوباء، مما تسبب في ارتفاع الأسعار. كما ساهمت سياسة عدم انتشار فيروس كورونا في الصين وما تلاها من اضطرابات في سلاسل التوريد في زيادة الأسعار العالمية، إلا أن الحرب الأوكرانية وانعكاساتها على أسعار الطاقة العالمية ازدادت تفاقماً.
إقرأ المزيد: ما هي الدولة الأكثر أمانًا في العالم لهذا العام؟
الشرق الأوسط وأفريقيا
لا تزال منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا موطنًا لِأرخص المدن في العالم، حيث غالباً جاءت طرابلس ودمشق في أسفل المؤشر، محتلّتين المرتبتين 171 و 172 على التوالي، وفقًا لِـ”ريشابه أوبدهياي”، مدير التسليم في الوحدة الاقتصادية التابعة لـ”إيكونوميست“. وجاءت تكلفة المعيشة في المدن المذكورة أعلاه، والتي جري احتسابها بالدولار الأميركي، منخفضة مقارنة بمعظم مدن العالم.
ويضيف أوبدهياي أن معدل التضخم في مدن الشرق الأوسط وصل إلى مستوى منخفض نسبيًا بلغ 4.7 في المئة، بسبب سياسات الدعم التي تنفذها الحكومات في المنطقة. فعلى سبيل المثال، منعت الإعانات وضوابط الأسعار المنفذة في دولة الإمارات ارتفاع أسعار العديد من السلع، مشيرة إلى أن مستويات التضخم في أبوظبي ودبي لم تصل إلا إلى 2.1 في المئة و 3.7 في المئة على التوالي. وعلى خلاف أجزاء أخرى من العالم، أظهر المؤشر أن منطقة الشرق الأوسط بشكل عام كانت أقل تأثراً بالحرب الدائرة في أوكرانيا.
وفيما يتعلق بترتيب الدول بِحسب تكلفة المعيشة العالمية، صعدت بعض البلدان مثل السعودية والإمارات والأردن إلى مراتب عليا المؤشر، مما يعكس زيادة في تكلفة المعيشة في هذه البلدان، نظرًا لأن عملاتها مرتبطة بالدولار الأميركي، يوضح أوبدهياي. وفقًا لمنهجية البحث، يتم تحويل أسعار العملات المحلية إلى الدولار الأميركي لاحتساب مؤشر كل مدينة على حدة، مما يجعل التصنيفات متطرفة بسبب تقلبات أسعار الصرف مقابل الدولار. على هذا النحو، فإن أي ارتفاع في قيمة الدولار الأميركي من شأنه أن يؤدي إلى زيادة ضغوط التكاليف المعيشية على البلدان المرتبطة بالدولار.
وبشكل عام، تتماشى تقديرات معدل التضخم في الشرق الأوسط الصادرة عن وحدة الاستخبارات الاقتصادية مع توقعات صندوق النقد الدولي. إذ كان توقع الأخير في أحدث تقاريره حول آفاق الاقتصاد العالمي اعتدال معدلات التضخم في البلدان المصدّرة للنفط في دول الشرق الأوسط خلال العام الحالي. وتشير التقديرات إلى أن معدلات التضخم في السعودية ستصل إلى 3.7 في المئة في العام 2023، انخفاضًا من 7.6 في المئة في العام 2022. كما من المتوقع أن تصل معدلات التضخم في الإمارات وقطر إلى 4.2 في المئة و 2.4 في المئة في العام 2023 على التوالي، انخفاضًا من 5.1 في المئة و 3.4 في المئة في العام السابق.
في موازاة ذلك، شهدت المدن الأفريقية معدل تضخم أعلى بلغ 7.8 في المئة، مدفوعًا بانخفاض قيمة العملة مما أدى إلى انخفاض مرتبتها في تقرير تكلفة المعيشة العالمية.
بشرى سارة في 2023؟
على الرغم من الصورة الأكثر قتامة في العام 2022، تتوقع وحدة المعلومات الاقتصادية أن تنخفض الأسعار في 2023 بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، والتي يتم تنفيذها كجزء من سياسات الانكماش للمصارف المركزية الأميركية، كما بسبب تباطؤ النشاط الاقتصادي. وتتوقع أن تخفف اضطرابات سلاسل التوريد في ظل انخفاض أسعار الشحن وانخفاض الطلب. في حالة عدم تصعيد الحرب في أوكرانيا، تقدر وحدة المعلومات الاقتصادية أن أسعار السلع الأساسية للطاقة والغذاء والإمدادات، بما في ذلك المعادن، ستنخفض إلى حدّ كبير على أساس سنوي.
نظرًا لأن ارتفاع مستويات الأسعار يشكل التهديد الأكثر إلحاحًا لمستويات المعيشة الحالية والمستقبلية من خلال تقليص الدخل الحقيقي وتشويه استقرار الاقتصاد الكلي، فقد أصبح اعتماد سياسات مالية مواتية، مع مراعاة تكاليف المعيشة وأزمات الطاقة والغذاء، يمثل تحديًا بالغ الأهمية للعديد من البلدان.
ويوصي صندوق النقد الدولي: “يجب أن تستمر السياسة النقدية في مسار استعادة استقرار الأسعار، ويجب أن تهدف السياسة المالية إلى تخفيف ضغوط تكلفة المعيشة مع الحفاظ على موقف متشدد بما فيه الكفاية يتماشى مع السياسة النقدية”. وأضاف: “يمكن للإصلاحات الهيكلية أن تزيد من دعم مكافحة التضخم من خلال تحسين الإنتاجية وتخفيف قيود العرض”.
إلى ذلك، تتوقع الوحدة الاقتصادية انخفاض التضخم العالمي إلى 6.5 في المئة من 9.4 في المئة في العام 2022، وهو ما من شأنه أن يخفف الأعباء على العديد من الأسر في جميع أنحاء العالم.
أنقر هنا للاطلاع على المزيد من الأخبار الاقتصادية