أعلن مركز محمد بن راشد للفضاء أن رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي يستعد لمهمة تاريخية للسير في الفضاء خارج محطة الفضاء الدولية يوم 28 أبريل الجاري ليكون بذلك أول رائد فضاء عربي يقوم بالسير في الفضاء، وذلك ضمن مهام البعثة 69 المتواجدة على متن المحطة، في إنجاز جديد سيجعل دولة الإمارات العربية المتحدة العاشرة عالميًا في مهمات السير في الفضاء خارج محطة الفضاء الدولية.
وأوضح المركز أن رواد الفضاء الذين يتم اختيارهم للقيام بمهمة السير في الفضاء، يخضعون لعملية اختيار صارمة بناءً على مهاراتهم، وخبراتهم، وقدرتهم على التكيف مع بيئة الفضاء الصعبة. فضلا عن ضرورة إثبات كفاءة استثنائية في مجلات مختلفة، مثل الهندسة، والروبوتات، وأنظمة دعم الحياة، إضافة إلى اللياقة البدنية، والمرونة العقلية.
وتعتبر عمليات السير في الفضاء، والمعروفة أيضًا باسم النشاط خارج المركبة (EVA)، ضرورية للحفاظ على قدرات محطة الفضاء الدولية، وتطويرها. كما تسمح لرواد الفضاء بأداء مهام مختلفة؛ مثل صيانة الأنظمة الأساسية لمحطة الفضاء الدولية، وإصلاحها، وتركيب أجهزة تكنولوجية جديدة، وتجميع وإعادة بناء وحدات المحطة. وتُشير عمليات السير في الفضاء إلى مدى أهمية التعاون الدولي على متن محطة الفضاء الدولية، حيث يتعاون رواد الفضاء من مختلف البلدان، ويتبادلون المعرفة، والمصادر المختلفة.
تدريبات خاصة
ونظرًا للمخاطر العالية المرتبطة بمهمات السير في الفضاء، يتم اختيار رواد الفضاء المؤهلين فقط للقيام بأداء هذه المهمة. فهذه العملية لا تُشكل تحديًا على الصعيد البدني فقط؛ بسبب بدلات الضغط التي يرتديها رواد الفضاء، بل تتطلب أيضًا قدرات ذهنية كبيرة، حيث يتعيَّن على رواد الفضاء الجمع ما بين التركيز على المهام التي يقومون بها، والحفاظ على سلامتهم، كذلك التفاعل مع الطاقم المتواجد على متن المحطة، وفريق مركز التحكم بالمهمة على الأرض.
وأوضح مركز محمد بن راشد للفضاء أن سلطان النيادي خضع لتدريبات مكثفة لأكثر من 55 ساعة في مختبر الطفو المحايد التابع لناسا، في مركز جونسون للفضاء في هيوستن، بولاية تكساس؛ استعدادًا لمهمات السير في الفضاء. وخلال الفترة التي قضاها في مختبر الطفو المحايد، خضع النيادي لـ 9 جولات تدريبية، امتدت كل واحدة منها لنحو 6 ساعات، حيث قام بالتدرب على محاكاة السير في الفضاء تحت الماء باستخدام النموذج الكامل لمحطة الفضاء الدولية.
إنجازات ملهمة
وتعليقًا على هذه الخطوة وأهميتها، قال سعادة حمد عبيد المنصوري، رئيس مجلس إدارة مركز محمد بن راشد للفضاء: “المهمة التاريخية التي سيقوم بها سلطان النيادي بالسير في الفضاء، هي دليل جديد على مدى التزام دولة الإمارات بدعم جهود استكشاف الفضاء، وتعزيز التعاون الدولي في هذا المجال. وبصفته أول رائد فضاء عربي يقوم بمثل هذه المهمة، فإن النيادي يحمل اليوم تطلعات المنطقة بأكملها، وأضحت مهمته نموذجا حياً للفرص التي يقدمها العمل الجماعي. وتعدُّ هذه الخطوة، تجسيدًا لرؤيتنا الهادفة إلى تعزيز مكانة دولة الإمارات عالميًا في مجالات الفضاء، والعلوم، والتكنولوجيا، وإلهام الأجيال القادمة لتحقيق المزيد من الإنجازات في ميدان المعرفة والابتكار”.
من جانبه، قال سعادة سالم حميد المري، المدير العام لمركز محمد بن راشد للفضاء: “اختيار سلطان النيادي ليكون أول رائد فضاء عربي يخوض مهمة سير في الفضاء، هو ثمرة جديدة لعمل جاد ودؤوب هدفه إفساح مكانة ريادية لدولة الإمارات على المستوى العالمي في مجال استكشاف الفضاء، والإسهام بمزيد من الإنجازات التي تخدم المجتمع العلمي. هذا الحدث البارز، الذي ستشهده أطول مهمة فضائية في تاريخ العرب، لا يُعد إنجازًا لدولة الإمارات العربية المتحدة والمنطقة فحسب، بل تكريسًا لأهمية التعاون الدولي وقيمة التقدم العلمي الذي يتحقق من خلال محطة الفضاء الدولية”.
السير في الفضاء ضمن البعثة 69
وتحمل مهمة السير في الفضاء، وهي الخامسة لهذا العام خارج محطة الفضاء الدولية، أهمية كبيرة، حيث سيؤدي رائد الفضاء سلطان النيادي إلى جانب رائد الفضاء ستيفن بوين من ناسا، عدداً من المهام الأساسية. ومن المتوقع أن تستمر فترة تواجدهما خارج المركبة لمدة 6.5 ساعات تقريبًا، ما يوفر لرائدي الفضاء فرصة فريدة للتعرف أكثر إلى بيئة الفضاء، أثناء العمل على صيانة محطة الفضاء الدولية وتحديثها. وفي الوقت الذي تشكل فيه مهمة السير في الفضاء فرصة لإبراز المهارات الفردية لكل من رائدي الفضاء فقط، تعتبر المهمة كذلك نموذجاً ملموساً يجسّد أهمية التعاون الدولي في النهوض بمجال استكشاف الإنسان للفضاء.
ويتمثل الهدف الأساس لهذه المهمة في تغيير وحدة RFG الخاصة بترددات الراديو، وهي جزء من نظام الاتصالات S-Band الخاص بمحطة الفضاء الدولية، تمهيدًا لإعادتها إلى الأرض.
كما سيكمل النيادي والفريق سلسلة من المهام التحضيرية لتركيب ألواح شمسية، حيث سيتم تركيب هذه الألواح خلال مهمة لاحقة في يونيو المقبل، وستسهل هذه التحضيرات على رواد الفضاء العمل خلال المهمة المقبلة. وتقوم الألواح الشمسية بدور محوري في تشغيل محطة الفضاء الدولية، وتوفير طاقة نظيفة ومتجددة لدعم التجارب والأنظمة والعمليات اليومية على متنها.
شهر في الفضاء
وأمضى رائد الفضاء سلطان النيادي، فترة تزيد على الشهر على متن محطة الفضاء الدولية، بعد انطلاقه من قاعدة كيب كانافيرال في فلوريدا مع طاقم Crew-6 في الثاني من مارس الماضي، وتم التحام المركبة بمحطة الفضاء الدولية بعد رحلة استغرقت 25 ساعة.
ويعمل طاقم البعثة 69، منذ بدء مهمتهم رسميًا، على تنفيذ جدول مزدحم من الأبحاث العلمية على البشر، للقيام بها على متن محطة الفضاء الدولية، وتشمل الفحص بالموجات فوق الصوتية، وفحوصات الرؤية، واختبارات السمع. كما شارك النيادي في أنشطة مختلفة إلى جانب زملائه في الطاقم بهدف اكتساب رؤى علمية جديدة، حيث تتضمن الأجندة أبحاث حول أمراض القلب الناتجة عن اختلاق الأجواء بين الفضاء والأرض.
ومن بين تلك التجارب، قام رائد الفضاء ستيفن بوين بربط أقطاب كهربائية على نفسه، ووضع علامات على الأوردة من أجل التحقق من شيخوخة الأوعية الدموية. وفي جلسة أخرى، أجرى بوين، وفرانك روبيو، وديمتري بيتلين فحوصات الرؤية على زملائهم في الطاقم، بما فيهم النيادي، باستخدام معدات التصوير الطبي الموجودة في مكتب أخصائي البصريات على الأرض.
كما أن فيزياء الفضاء تشكل أيضًا جزءًا من أجندة الطاقم، حيث سعى العلماء والمهندسون إلى فهم كيفية تفاعل المواد التي تم إنتاجها على الأرض مع ظروف الجاذبية الصغرى. وعمل سلطان النيادي، خلال الفترة الماضية، على تفريغ الحمولة التي أرسلتها مركبة دراجون في 16 مارس، والتي ضمت أكثر من 2,800 كغ من الأدوات المستخدمة في التجارب، واللوازم الخاصة بالطاقم، ومعدات محطة الفضاء الدولية.
وسيُجري طاقم البعثة 69 على متن محطة الفضاء الدولية عددًا من التجارب العلمية، تتعلق بدراسة كيفية احتراق المواد في البيئة قليلة الجاذبية بهدف الحفاظ على سلامة المركبة، واختبار أداة لمراقبة الجهاز المناعي في المدار، واستكمال العمل على الطباعة ثلاثية الأبعاد لنسيج عضلة القلب، بهدف مراقبة عمل القلب في هذه البيئة، واختبار عينات للأحياء الدقيقة التي يتم إحضارها من الأرض. كما يُشارك النيادي في برنامج توعوي وتعليمي يشمل إجراء مكالمات مرئية مباشرة، والتفاعل مع الجمهور، بالإضافة إلى مهام الصيانة على متن محطة الفضاء الدولية.
يُذكر أن برنامج الإمارات لرواد الفضاء، الذي يتولى إدارته مركز محمد بن راشد للفضاء، يُعدّ أحد المشاريع التي يمولها صندوق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، التابع لهيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية، ويهدف إلى دعم البحث والتطوير في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.