تنتشر في السوق حالياً مجموعة من الدلائل المختلفة والإشارات المتضاربة والتي تسبب ضياع العديد من الفرص، لذا يدرك المستثمرون الناجحون في الشرق الأوسط أهمية تطبيق أفضل الإجراءات الاستراتيجية المخصصة لضمان تحقيق نتائج إيجابية في عمليات الاندماج والاستحواذ، إلى جانب تجاوز الخطوات المعقدة في كل صفقة. وتشكل صناديق الثروة السيادية الحصة الأكبر من سوق الصفقات في منطقة الشرق الأوسط بشكل مباشر وغير مباشر، من خلال الشركات والكيانات التابعة لها والأسهم الخاصة والمكاتب العائلية. وتصل قيمة الأصول التي تديرها صناديق الثروة السيادية في العالم إلى 11.2 تريليون دولار أمريكي، يتواجد أكثر من ثلثها في منطقة الشرق الأوسط.
وتمتلك صناديق الثروة السيادية في منطقة الشرقة الأوسط كل ما يلزمها للازدهار؛ حيث تحتضن المنطقة ستة مستثمرين من أصل أكثر عشرة مستثمرين في صناديق الثروة السيادية نشاطاً هذا العام، مع مشاركة معظمهم في إتمام صفقات ضخمة تزيد قيمتها عن مليار دولار أمريكي.
ولطالما شكلت تحليلات البيانات دوراً مهماً وأساسياً في قرارات البيع والشراء، إلا أن البيئة الحالية تتطلب اتباع نهجٍ واضح ودقيق لتحقيق أفضل قيمة من دورة حياة الصفقة. ونتوقع أن تشهد صناديق الأسهم الخاصة وشركات الاستثمار خلال العامين القادمين مزيداً من الصفقات، لاسيما في مجال مبادرات توفير القيمة وجهود الخبراء الاستثماريين الإدارية. كما من المرجح أن نشهد خلال الأعوام القليلة المقبلة موجةً جديدةً تعيد صياغة الهيكلية التشغيلية للقطاع.
وتتطلب إدارة العوائد، في ظل حالة عدم اليقين في السوق وتقلباته المستمرة، تطبيق إجراءات مخصصة بدقة متناهية من خلال توظيف التحليلات المفصلة للبيانات في الوقت الفعلي؛ مع ضرورة مراعاة العوامل التي تعزز الحاجة لاستخدام تحليلات البيانات، وأثرها على تحقيق أفضل النتائج من حيث عوائد الاستثمار.
ونلاحظ ثلاث نقاط رئيسية:
1- يتلقى جميع المشترين نفس البيانات والتوقيت لاتخاذ الإجراءات المخصصة، ويلعب تقديم أكبر عدد ممكن من التحليلات خلال أقصر فترة زمنية دوراً أساسياً في إتمام الصفقة أو إلغائها؛ لذا تبرز الحاجة إلى تلبية الطلب المتزايد على البيانات.
2- يفرض الوقت المحدود للإجراءات المخصصة توفير بيانات ضخمة ومعقدة، لذا لا بد من وجود خطط مسبقة ومحددة لإنجاز هذه الإجراءات وكسب الأفضلية في السوق.
3- يدفع المشهد التنافسي الحالي في عالم الصفقات المستثمرين للبحث عن أفضل قيمة، مما يسلط الضوء على أهمية توفير وصف دقيق لمحفظة الشركات ودعمها بالبيانات اللازمة لتوضيح أهميتها خلال عملية البيع.
التفاوت في التقييم في سوق الصفقات
تختلف التقييمات بشكل كبيرٍ بين البائعين والمشترين، مما يتيح للبيانات لعب دور رئيسي في مساعدة المستثمرين على تحديد المخاطر عند التركيز على الجوانب التقييمية. ويسبب عدم التوافق في التقييمات ازدياداً ملحوظاً في حالات إلغاء عمليات الاندماج والاستحواذ رغم قطع شوط كبير منها.
ويقوم البائعون والمشترون بإجراء تحليل محدد وواضح لتقييم المخاطر بشكل يعكس وجهات نظرهم وتخوفاتهم، حيث يعتمدون على نمذجة دقيقة للبيانات من أجل تضمين التحليلات الافتراضية في الإجراءات المخصصة ومواجهة معدلات التضخم غير المسبوقة.
وتتطلب الحاجة المتزايدة لاتخاذ معايير تخفيف المخاطر نمذجة السيناريوهات ضمن عمليات الإجراءات المخصصة، بشكل يتيح إمكانية تقييم أثر ارتفاع أسعار المواد والتغييرات في سعر البيع على الهامش الربحي والأرباح قبل اقتطاع الفوائد والضرائب والاستهلاك وإطفاء الدين. ويمكن من خلال تحليل الحساسية في الإجراءات المخصصة وضع التوقعات التي يمكن أن تسببها التغييرات المحتملة في كل من ديناميكيات السوق وسلسلة التوريد وتكاليف الشحن وتكاليف القوى العاملة على البيع والسلوك الشرائي للعملاء.
ويشكل أخذ جميع هذه النقاط بعين الاعتبار عنصراً أساسياً لتحقيق أعلى قدر ممكن من المكاسب والهوامش الربحية بشكل يعكس حقيقة الأسعار في السوق. وتساعد نمذجة السيناريوهات في ظروف محددة إلى تطبيق عشرات الملايين من التعديلات المبدئية على الأرباح قبل اقتطاع الفوائد والضرائب والاستهلاك وإطفاء الدين وتحقيق تغييرات جوهرية على التقييمات، عند أخذ مضاعفات هذه التعديلات بعين الاعتبار.
ويركز المشترون على هذه التحليلات الافتراضية ونمذجة جميع السيناريوهات التي قد تؤثر على قراراتهم بالشراء؛ كما تتيح لهم هذه الخطوات التعرف على جميع المخاوف العامة التي يفرضها القطاع، والتي من الممكن أن تشكل العامل الحاسم في اختيار المضي قدماً في الصفقة أو إيقافها.
وتشمل هذه السيناريوهات مثلاً: كيف ستؤثر حالة سوق اليد العاملة الإيجابية أو السلبية أو المستقرة على القطاع ككل؟ أو ما هو التأثير الذي تسببه زيادة أو انخفاض تكاليف السلع والمواد الخام والشحن وتكاليف الطاقة؟ أو كيف تؤثر التغييرات السلبية والإيجابية لسلسلة التوريد على وضع القطاع؟
استراتيجيات الخروج من سوق الصفقات
أشار استبيان ستاندرد آند بورز للأسهم الخاصة لعام 2022 إلى أن استراتيجية الخروج المفضلة لمستثمري الأسهم الخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتمثل في اللجوء إلى البيع التجاري، حيث يفضل كل من يفكر في تصفية الاستثمار اللجوء إلى البيع التجاري، يتبعه الاكتتابات العامة الأولية.
وتساعد التحليلات الأولية المستخلصة من البيانات على تحديد أنسب وقت للخروج في ظل التقلبات المستمرة للسوق، في حين تتطلب الاستفادة من مزايا البيانات مزيداً من المرونة لضمان تنفيذ الاستجابات المناسبة في الوقت المناسب بالاستناد إلى التحليلات. ويجب على البائعين أن يحددوا ما إذا كانوا يجدون في تعافي السوق أمراً ممكناً، أم أنه مقبل على ركود اقتصادي في حال توجه الاحتياطي الفدرالي لرفع أسعار الفائدة، كما يجب عليهم أن يدركوا أن التقييمات قابلة للتغير دوماً بحسب الظروف الراهنة.
ويجب على البائعين تحديد جاهزيتهم للخروج بشكل دقيق، وذلك من خلال تقييم أعمالهم من منظور المشتري وطريقة تفكيره. كما يجب عليهم إجراء تقييم مبكر للأعمال وآلية سيرها، نظراً لزيادة نسبة إلغاء الصفقات نتيجة مخاوف الأداء والعروض الأولية غير المناسبة؛ مما يؤكد على ضرورة معالجة جميع المشاكل التي قد يلاحظها المشترون المحتملون.
ويجب على البائعين أيضاً تطبيق الإجراءات المخصصة في أعمالهم في الوقت الفعلي بالاعتماد على معايير قياسية محددة، كما يجب عليهم تجهيز القيم المقترحة ليتمكنوا من بدء عملية جانب البيع بسرعة وفي التوقيت الأنسب. وتبرز أيضاً أهمية تطوير مواد تسويقية قادرة على وصف نمو الشركة بدقة وشمولية بالاعتماد على التحليلات الأساسية المأخوذة من البيانات، مع ضرورة تعزيز هذه المواد بشكل يواكب نمو تحليلات البيانات مع مرور الوقت.
وتلعب الإجراءات المخصصة والحاجة المتزايدة لتحليلات البيانات التفصيلية في الوقت الفعلي دوراً أساسياً في اتخاذ القرارات على صعيد البيع والشراء، كما تشكل المعرفة المستمدة من البيانات الدقيقة مفتاح تحقيق أعلى قيمة ممكنة.
