تدهورات جديدة تسجله العملة المحلية في لبنان.. المصارف التجارية مقفلة منذ أكثر من أسبوع.. التحويلات التي يعيش عليها معظم اللبنانيين متوقفة.. آلات الصرافة فارغة.. المودعون المحبطون يهاجمون فروع المصارف ويتظاهرون أمام منزل رئيس جمعية مصارف لبنان.
هذا المشهد المحزن هو الذي يعيشه لبنان في هذه الأيام، بعد أكثر من ثلاث سنوات على ازمة اقتصادية ومالية ونقدية مركبة افقرت اللبنانيين واذلتهم.
وعلى وقع هذه الصورة الحزينة، يأتي الحديث عن ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامه الذي تسعى بعض الجهات السياسية الى تحميله مسؤولية ما آل اليه لبنان اليوم.
ولاية سلامه تنتهي في يوليو تموز المقبل بعدما تم التجديد له مرات عدة. وهو كان تولى منصبه هذا عام 1993.
ووسط انتشار أخبار عن إمكانية التجديد له لولاية جديدة لست سنوات تفادياً للشغور، أراد سلامه أن يضع حداً لذلك معلناً انه لن يسعى لذلك وانه سيترك منصبه، وذلك بعدما كان وزير المالية يوسف الخليل قال إن استبدال حاكم مصرف لبنان سيكون صعباً وقد يتم تمديد ولايته رغم عدم التوصل إلى توافق بشأن ذلك حتى الآن. وليعود لاحقاً الى اصدار بيان توضيحي لتصريحه هذا.
المسألة اليوم ترتبط بأمر شديد الأهمية، فكيف سيتم تعيين شخصية جديدة لهذا المنصب الحساس في ظل عدم وجود حكومة فعلية وفاعلة. فلبنان يواجه تعطيلاً في عمل مؤسساته الدستورية منذ أشهر، إذ انه لم يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في حين ان الحكومة التي يرأسها نجيب ميقاتي هي عبارة عن حكومة تصريف أعمال بمعنى أن صلاحياتها محددة بالنطاق الضيق وفق الدستور.
تساؤلات كثيرة تطرح في هذه الأيام عن إمكانية حصول بعض الاجتهادات الدستورية لمعالجة المسألة كأن يطلب مجلس الوزراء من الحاكم الاستمرار في عمله لمدة إضافية، رغم ان هناك بعض القانونيين يعتبرون ان هذه الخطوة غير دستورية، أو أن يقوم مجلس النواب بتعديل قانون النقد والتسليف بغية تعديل مدة ولاية الحاكمية من 6 سنوات إلى 9. مع الإشارة الى انه في حال ترك سلامه منصبه، فان قانون النقد والتسليف واضح في هذا الاطار، اذ يتولى نائبه الأول هذه المهمة الى حين تعيين حاكم أصيل. وهنا قد يبدو من الصعب حصول ذلك في ظل رفض المسيحيين أن تتولى شخصية شيعية النائب الأول للحاكم) هذه المهمة.
يقول الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود في تصريح لوكالة “المركزية” في هذا الشأن إن “المصرف المركزي هو المسؤول الأول عن معالجة أزمة مالية ونقدية بهذا الحجم. وعلى الدولة أن تُدرك أنها لا تستطيع لا من خلال مجلس وزراء ولا وزير ماليّتها ولا عبر اللجنة المقترحة للكابيتال كونترول، أن تحل محل السلطة النقدية المتمثلة بمصرف لبنان ومجلسه المركزي. وإلا يصبح لبنان من دول العالم المتخلّف يُدير الأوضاع النقدية والمصرفية عبر لجنة وزارية تضمّ أقطاباً من خارج إطار السلطة النقدية بعدما كان لبنان سباقاً لكل الدول المحيطة به، في إنشاء مصرف مركزي وإعداد قانون النقد والتسليف في العام 1964 حيث تم إنشاء سلطة نقدية مستقلة.. فهل نستبدلها اليوم بسلطة سياسية عبر تشكيل لجنة كما هو مقترح في قانون الـكابيتال كونترول؟! لن نقبل بذلك، فنحن نتمسّك بالسلطة النقدية وباكتمال حوكمتها وحاكميّتها”.
ويُضيف: “إن لم يكن في الإمكان تعيين حاكم جديد وحتى لو كان لا يريد الحاكم الحالي التمديد أو التجديد له، فيجب ألا يبقى مصرف لبنان من دون حاكم صحيح. كما أننا لن نستطيع مواجهة مثل هذه الأزمة ومعالجتها عبر تعيين حاكم موقت مع كامل الاحترام والتقدير لنواب الحاكم كافة… فنحن لن نقبل بذلك إطلاقاً”.
لا شك ان اشتباكاً جديداً ستواجهه الساحة اللبنانية عما قريب لكنها بعيدة تماماً عن معالجة هموم الناس وشجونهم.