استحوذ الذكاء الاصطناعي في الإمارات على حصّة الأسد، من حجم سياسات التطوير الحكوميّة الموضوعة من قبل دولة الإمارات والاستثمارات الماليّة المخصّصة في مجال التطوير ودعم النشاطات الجديدة. حيث من المتوقع أن تصل قيمة قطاع الذكاء الاصطناعي إلى 118.6 مليار دولار بحلول عام 2025.
ويظهر مدى الاهتمام الضخم الذي توليه دولة الإمارات للذكاء الاصطناعي من خلال كونها الدولة الاولى والوحيدة حول العالم التي عيّنت وزيرا لقطاع الذكاء الاصطناعي وهو عمر بن سلطان العلماء، عن عمر 27 سنة، والذي صنّف من بين أهم صانعي مشهد الذكاء الاصطناعي في العالم، وفقاً لتصنيف مجلّة TIME لأهم 100 شخصية في مجال الذكاء الاصطناعي عالمياً.
وحلّت الإمارات في المركز الأول عربياً والـ 28 عالميا على مؤشر الذكاء الاصطناعي، الصادر عن شركة “تورتواز ميديا” المتخصصة في الذكاء الاصطناعي.
وفي التصنيفات الفرعية، حلّت الإمارات في المركز الرابع في معيار البنى التحتية المخصصة للذكاء الاصطناعي. والمركز الـ 24 في الاستراتيجيات الحكومية الداعمة للتكنولوجيا، والمركز ال 29 في معيار المشاريع التجارية، التي تركز على الذكاء الاصطناعي، والمركز الـ 34 في الأبحاث المتعلقة بالتكنولوجيا.
الحكومة الالكترونية
ويأتي الذكاء الاصطناعي من ضمن مستهدفات مئوية الإمارات 2071، وهي رؤية شاملة وطويلة الأمد تمتد خمسة عقود بعد رؤية 2021، وتشكّل خريطة واضحة للعمل الحكومي الطويل المدى، لتعزيز سمعة الدولة وقوتها الناعمة. توستند مئوية الإمارات 2071 على أربعة محاور رئيسية منها حكومة تستشرف المستقبل. وذلك عبر التحوّل الرقمي الذي تهدف دولة الإمارات إلى ريادته عالميّا.
وبدأت أولى خطوات الإمارات في دخول عالم التحوّل الرقمي، في عام 2001، بعد أن أطلق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء، الحكومة الإلكترونية. ومنذ ذلك الوقت، حققت دولة الإمارات العربية المتحدة تقدمًا سريعًا، حيث انتقلت من المركز 53 عالميًا في مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية للأمم المتحدة لعام 2003 إلى المركز السادس عشر اليوم.
وبذلك أصبحت 98 في المئة من الخدمات الحكوميذة محوّلة رقميا، فيما تمّ توفير اكثر من 7.5 مليار درهم على المتعاملين، وتمّ تقليل أكثر من 11 مليون زيارة للمتعاملين إلى الدوائر الرسميّة في الدولة.
الحكومة الذكية
وفي الثاني والعشرين من مايو/أيّار 2013، تمّ إطلاق مبادرة الحكومة الذكية من أجل توفير الخدمات للجمهور حيثما كانوا وعلى مدار الساعة، وحددت ملامح الحكومة الذكية في النقاط: حكومة تعمل 24 ساعة في اليوم، 365 يوماً في السنة، مضيافة كالفنادق، سريعة في معاملاتها، قوية في إجراءاتها، تستجيب بسرعة للمتغيرات، تبتكر حلولاً للتحديات، تسهل حياة الناس وتحقق لهم السعادة.
ولا تحل الحكومة الذكية محل الحكومة الإلكترونية، إنما تكملها وتشكل امتداداً لها، ويتعايش هذان المفهومان ويتضافران لتحقيق أهداف متكاملة تتمثل في إسعاد المواطن وتسهيل حياته وتعزيز الحيوية الاقتصادية والتنافسية، وتعمل هيئة تنظيم الاتصالات على تنفيذ مبادرة الحكومة الذكية، وتتولى صياغة وتنفيذ استراتيجية الحكومة الإلكترونية على المستوى الاتحادي.
استراتيجيّة الإمارات للذكاء الاصطناعي
في أكتوبر/تشرين الأوّل 2017، أطلقت حكومة الإمارات استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي (AI)، وتمثل هذه المبادرة المرحلة الجديدة بعد الحكومة الذكية. والتي تعتمد عليها الخدمات، والقطاعات، والبنية التحتية المستقبلية في الدولة بما ينسجم ومئوية الإمارات 2071، الساعية إلى أن تكون دولة الإمارات الأفضل بالعالم في المجالات كافة.
وتعد هذه الاستراتيجية الأولى من نوعها في المنطقة والعالم، وتهدف من خلالها إلى:
- تحقيق أهداف مئوية الإمارات 2071، وتعجيل تنفيذ البرامج والمشروعات التنموية لبلوغ المستقبل
- الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الخدمات وتحليل البيانات بمعدل 100 في المئة بحلول عام 2031
- الارتقاء بالأداء الحكومي وتسريع الإنجاز وخلق بيئات عمل مبتكرة
- أن تكون حكومة الإمارات الأولى في العالم، في استثمار الذكاء الاصطناعي بمختلف قطاعاتها الحيوية
- خلق سوق جديدة واعدة في المنطقة ذات قيمة اقتصادية عالية
- دعم مبادرات القطاع الخاص وزيادة الإنتاجية، بالإضافة إلى بناء قاعدة قوية في مجال البحث والتطوير
- استثمار أحدث تقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعي وتطبيقها في شتى ميادين العمل بكفاءة رفيعة المستوى
- استثمار كل الطاقات على النحو الأمثل، واستغلال الموارد والإمكانات البشرية والمادية المتوافرة بطريقة خلاقة.
القطاعات المستهدفة في الاستراتيجية
تستهدف استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي عدة قطاعات حيوية في الدولة، منها:
- قطاع النقل-من خلال تقليل الحوادث والتكاليف التشغيلية
- قطاع الصحة-من خلال تقليل نسبة الأمراض المزمنة والخطيرة
- قطاع الفضاء-بإجراء التجارب الدقيقة وتقليل نسب الأخطاء المكلفة
- قطاع الطاقة المتجددة-عبر إدارة المرافق والاستهلاك الذكي
- قطاع المياه-عبر إجراء التحليل والدراسات الدقيقة لتوفير الموارد
- قطاع التكنولوجيا-من خلال رفع نسبة الإنتاج والمساعدة في الصرف العام
- قطاع التعليم-من خلال التقليل من التكاليف وزيادة الرغبة في التعلم
- قطاع البيئة -عبر زيادة نسبة التشجير وزراعة النباتات المناسبة
- قطاع المرور-تطوير آليات وقائية كالتنبؤ بالحوادث والازدحام المروري، ووضع سياسات مرورية أكثر فاعلية.
اقرأ أيضا: غرفة دبي للاقتصاد الرقمي تطلق أولمبياد التطبيقات الذكية
نماذج لإدخال الذكاء الاصطناعي في الإمارات إلى بعض القطاعات
لا تنحصر الآثار الاقتصادية الايجابيّة للذكاء الاصطناعي على تقليل التكلفة وتغيير أنماط الاستهلاك والإنتاج وتحسين الإنتاجية فقط. بل تمتد إلى تحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة من خلال الاستثمار الذكي في مختلف القطاعات. وفيما يلي بعض القطاعات التي أدخل غليها الذكاء الاصطناعي في الإمارات:
الذكاء الاصطناعي في التخصصات الجامعية والمناهج التعليميّة
وإلى ذلك، فقد أنشأت جامعة الإمارات برنامج تخصص فرعي للذكاء الاصطناعي (Minor in Artificial Intelligence)، والذي يضم مواد في أساسيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات وتعلم الآلة والرؤية والذكاء الحسابي لإدارة البيانات والذي يُمكن طلبة الجامعة بالتعرف على هذا المجال المميز والتعمق فيه بغض النظر عن تخصصاتهم.
وتتميز هذه الخطوة بإعطاء الفرصة للطلبة في تخصصات مختلفة بربط مفاهيم وآليات الذكاء الاصطناعي بتخصصاتهم وإعطائهم الفرصة لدمج هذه المفاهيم في دراستهم سواء كانوا من طلبة الطب أو الهندسة أو العلوم أو حتى مجال الإدارة، حيث إن الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته تدخل حاليا في كافة القطاعات.
ودعماً للجهود البحثية فقد أنشأت الجامعة مركز تحليل البيانات الضخمة وهو مركز بحثي متخصص في معالجة البيانات الضخمة، والذي يهدف إلى رفع مستوى الأبحاث المتخصصة في مجال البيانات الضخمة لتعود بالنفع على المجتمع. كما أسست الجامعة مختبر الذكاء الاصطناعي والروبوتات والذي يساهم ليس فقط في إنشاء بيئة توعوية وملموسة للطلبة عن معنى الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته ويهيئهم للخوض والتنافس في هذا المجال بل يسهل دمج مشاريع الطلبة وأبحاثهم بمفاهيم وتطبيقات الذكاء الاصطناعي وأنظمة الأتمتة والتي لاقت نجاحات في الآونه الأخيرة تضمنت الفوز في مسابقات دولية ومحلية وساهمت في جذب التمويلات والمشاريع الخارجية.
وتعمل جامعة الإمارات على تعزيز التعاون مع الجهات الحكومية والشركات الخاصة. من أجل تطوير مشاريع مشتركة في مجال الذكاء الصناعي. ويشمل ذلك المشاريع التي تهدف إلى تطوير الممارسات الحكومية والمدن الذكية والبيئة.
كما توفر العديد من الجامعات في الامارات برامج دراسية مرتبطة بالذكاء الاصطناعي لمختلف الدرجات الدراسية.
وكانت قد كشفت جميلة المهيري، وزيرة الدولة لشؤون التعليم العام في الإمارات، في حديثها في الجلسة الحوارية الرئيسة، والأولى في ملتقى العلوم الذي يأتي ضمن أعمال اليوم الثالث للمهرجان الوطني للعلوم والتكنولوجيا والابتكار، والذي عقد في مايو/أيّار من العام الجاري، أنّ “الإمارات بصدد توفير مناهج خاصة بالذكاء الاصطناعي بالتعاون مع وزير الدولة للذكاء الاصطناعي”.
الذكاء الاصطناعي في القطاع الطبي
والأسبوع الفائت، أعلنت شركة M42، شركة الرعاية الصحية العالمية القائمة على التقنيات الحديثة، عن إطلاق النموذج اللغوي (ميد 42) الضخم الخاص بالحالات السريرية. والذي يشكل نقلة نوعية في التقنيات المستخدمة في قطاع الرعاية الصحية.
وينطوي نموذج الذكاء الاصطناعي التوليدي الجديد والمتاح للجميع على 70 مليار نموذج معياري. ويهدف إلى الارتقاء بمستقبل الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية وتحسين نتائج المرضى.
ويوفر النموذج الجديد إجابات دقيقة للأسئلة الطبية من النمطين القصير والطويل، ويهدف تطويره إلى تعزيز عملية اتخاذ القرارات السريرية وتسهيل الوصول إلى المعرفة الطبية لمتخصصي الرعاية الصحية والمرضى والباحثين الطبيين والجهات التنظيمية.
وأشرف على تطوير النموذج فريق M42 في أبوظبي. حيث تم تدريب النموذج وضبطه من قبل شركة (سيريبراس) بالتعاون مع (كور 42). وهي إحدى شركات جي 42، التي تركز على تسهيل تقديم أنظمة ذكاء اصطناعي على المستوى الوطني وبرامج ذكاء اصطناعي للمؤسسات. كما قام فريق من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي بتقييم دقة النموذج.
الذكاء الاصطناعي في قطاع الطيران
أعلن عادل الرضا، الرئيس التنفيذي للعمليات في “طيران الإمارات”، في اليوم الأول من “ملتقى دبي للذكاء الاصطناع” أن “طيران الإمارات ستعرض في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل التحول النوعي الذي حققته في تدريب كوادرها باستخدام الذكاء الاصطناعي ومقاربة الاحتياجات المختلفة لكل منهم بالاستفادة من تطبيقاته”.
وأوضح أنّ “الذكاء الاصطناعي التوليدي يساعد الناقلة العملاقة في توفير حلول نوعية لترشيد استهلاك الوقود. واختيار أفضل مسارات الطيران التي تخفض فترات التحليق فوق المدن. وتتجنب مزيداً من الانبعاثات، بما يعزز استدامة قطاع الطيران”.
الذكاء الاصطناعي في مجال النماذج اللغويّة
وكشف معهد الابتكار التكنولوجي في الإمارات عن فالكون 180B. وهو نموذج لغوي رائد مفتوح المصدر يضم 180 مليار معلمة شبكية. يضع هذا الإنجاز اللافت الدولة الخليجية كمنافس جاد في مجال الذكاء الاصطناعي. مما قد ينافس هيمنة نماذج GPT من OpenAI.
وتم تصنيف Falcon 180B، الذي تم تدريبه على 3.5 تريليون رمز عبر 4096 وحدة معالجة الرسومات باستخدام Amazon SageMaker، خلف GPT-4 OpenAI من حيث الحجم. ويؤدي على قدم المساواة مع PaLM 2 من Google. حجم النموذج أكبر 2.5 مرة من Llama 2 ويتطلب أربعة أضعاف القوة الحسابية للتدريب.
الذكاء الاصطناعي في المجال المالي
ووقع مؤخراً مكتب الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بُعد في دولة الإمارات مذكرة تفاهم مع شركة ماستركارد العالمية، لتعزيز التعاون الثنائي في تسريع تبني حلول وأدوات الذكاء الاصطناعي، وترسيخ الجاهزية الرقمية، بما يسهم في توظيف الدور التحولي للذكاء الاصطناعي في دعم مختلف القطاعات واستراتيجيات الدولة وخططها المبتكرة.
وتركز الاتفاقية على تعزيز الجهود لمكافحة التحديات المالية. كما تهدف لضمان أمن النظام الرقمي وتحفيز النمو الشامل في دولة الإمارات. فضلاً عن تنسيق التعاون مع القطاع الخاص لتشجيع الابتكارات التي تضمن الحد من الاحتيال وإشراك كافة أفراد المجتمع في رحلة تطوير اقتصاد قائم على الأنظمة الرقمية.
العائدات الاقتصاديّة لاستراتيجيّة الإمارات للذكاء الاصطناعي
وطبقاً لتقديرات بعض الدراسات العالمية فان تقنيات الذكاء الاصطناعي ستكون قادرة على تحفيز النمو في الناتج المحلي الإجمالي للدولة بواقع 35 في المئة حتى عام 2031. وخفض النفقات الحكومية بنسبة 50 في المئة سنويا سواء في ما يتعلق بخفض الهدر في عدد المعاملات الورقية أو توفير ملايين الساعات التي يتم إهدارها سنوياً في إنجاز تلك المعاملات. وإنّ دولة الإمارات ستصبح مركز الذكاء الاصطناعي في العالم بحلول عام 2030.
ومن المتوقع أن تحقق استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي طبقا للتقديرات، عائدات اقتصادية سنوية في العديد من القطاعات. وتصل إلى نحو 22 مليار درهم. عن طريق رفع إنتاجية الأفراد بنسبة 13 في المئة. وتجنب هدر 396 مليون ساعة في وسائل النقل التقليدية وعلى الطرقات سنوياً. وخفض تكاليف النقل بنسبة 44 في المئة بما يوازي 900 مليون درهم. والحد من انبعاثات الكربون والتلوث البيئي بنسبة 12 في المئة بما يوازي 1.5 مليار درهم. والحد من الحوادث المرورية والخسائر الناجمة عنها بنسبة 12 في المئة بما يحقق وفر قدره ملياري درهم سنوياً. وتقليل الحاجة إلى المواقف بنسبة تصل إلى 20 في المئة. إضافة إلى توفير 18 مليار درهم عبر رفع كفاءة قطاع النقل في دبي بحلول عام 2030.
مصير الوظائف في الإمارات
وبحسب دراسة حديثة أخرى أجرتها مؤسسة ماكنزي، هناك توقعات باستبدال 1.9 مليون وظيفة بوظائف أخرى في الإمارات من جراء تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي. وبحسب بعض الدراسات العالمية أيضا فإن 65 في المئة من الطلبة الحاليين بمراحل التعليم الأساسي بالدولة لن يجدوا الوظائف الموجودة اليوم. حيث ستختفي مهارات تقليدية عديدة لمصلحة مهارات جديدة يتعين اكتسابها لتتناسب مع تقنيات الثورة الصناعية الرابعة.
أنقر هنا للاطلاع على المزيد من أخبار التكنولوجيا.