اليوم تسدل الستارة عن ولاية طويلة جداً لرياض سلامه أمضاها في سدّة حاكمية مصرف لبنان، حيث عُدّ من أطول حكام المصارف المركزية ولاية في العالم والتي دامت ثلاثين عاماً.
لكن، هذه الستارة، وإن أقفلت، فانها ستبقى مفتوحة على مصراعيها بفعل الملفات التي ستبقى موضوع تداول، وهي لا تحصى ولا تعد.
إخفاقات كتيرة تم تسجيلها في السنوات الاخيرة، رغم الانجازات التي تحققت في العقد الماضي، حين ذاع صيته في وقت من الأوقات وصنّف أفضل حاكم مركزي في العالم، وكان أول حاكم مصرف مركزي عربي يقرع جرس افتتاح بورصة نيويورك في عام 2009.
لا شك أن ولاية سلامه في سدة حاكمية مصرف لبنان تقسم الى ثلاث مراحل، هي:
– المرحلة الأولى تمتد من سنة 1993 الى سنة 2014 ، حين كان مصرف لبنان يعتمد سياساة تثبيت لسعر الصرف، وحيث شهد لبنان استقراراً في سعر صرف الليرة كان مهماً في ظل حالة عدم الاستقرار السياسي والامني والاجتماعي التي كان يعيشها لبنان.
اقرأ أيضاً: المركزي اللبناني في حالة ضياع بعد فشل مجلس الوزراء في تعيين حاكم جديد
وبالتالي، فان الإستقرار النقدي حمل نوعاً من الإطمئنان سمح للبنان بجذب رساميل والإستثمار وتحقيق نمو وتكبير الاقتصاد.
وهذه المرحلة شكلت مرحلة نجاح لاقتصاد لبنان حيث تمكن من استقطاب الرساميل والاستثمارات الاجنبية المباشرة.
-المرحلة الثانية بين عامي 2015 و 2019 عندما بدأ خروج الرساميل من لبنان. عندها بدأت المصارف تشعر أنها باتت غير قادرة على تمويل العجز كما كانت تفعل في السابق عن طريق الاكتتاب في سندات الخزينة. اذ أصبح نمو الودائع أقل من نمو العجز، وحتى أن نمو الودائع كان نصفه يتأتى من الفوائد.
في عام 2015، قررت المصارف ألا تكتتب في سندات الخزينة لأنها لم يعد لديها ثقة بالحكومة اللبنانية وقدرتها على سداد ديونها. وهو ما ادى الى حصول خلاف بين المصارف والحكومة التي كانت تضغط على القطاع المصرفي للاكتتاب في سنداتها. وانتهى هذا الخلاف بأن تدخل حاكم مصرف لبنان حينها مقترحاً القيام بهندسات مالية تقضي بأن المصارف لا تحمل سندات الخزينة التي تصدرها وزراة المالية، إنما تضع أموالها في المصرف المركزي على أن يوقم هذا الأخير بإقراض الحكومة. وهنا كانت نقطة التحول في السياسة النقدية من سياسة نقدية محافظة إلى هندسات مالية غير تقليدية.
في الحقيقة، فإن هذه الهندسات ارجأت الأزمة ولم تحلها بدليل تفجرها في العام 2019.
-المرحلة الثالثة بدأت في عام 2019 حيث طرأ أمر جديد مع بدء طبع عملة محلية بشكل ضخم نتيجة عدم تطبيق الاصلاحات التي كانت مطلوبة من لبنان. بمعنى آخر، كان مصرف لبنان يطبع العملة المحلية للسداد للمصارف التي أودعت الجزء الأكبر من أموالها لديه، حيث كان مصرف لبنان يرد الأموال بالليرة اللبنانية للمصارف وزبائنها.
وشهدت هذه المرحلة تضخم كبير لكمية الليرة بالتداول وإنهياراً كبيراً في سعر صرف الليرة. وهذه المرحلة تحديداً هي التي يعيشها اللبنانيون حالياً.
ولكن ماذا عن الاتي؟
لا شيء واضحاً سوى أن النائب الاول لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري يرفض تولي مهمة الحاكم وفقا لما ينص عليه قانون النقد والتسليف سوف يقدم استقالته، في حين اعلن نائب الحاكم الثاني بشير يقظان انه مستعد لتسلم هذا المنصب اذا كان نائب الحاكم الاول متردداً وغير مقتنع بتسلم مكان الحاكم.
فيما اعلنت وزارة العدل انها “تتحضر للتقدم بطلب تسمية مدير موقت لدى قضاء العجلة الإداري أمام مجلس شورى الدولة، وذلك في ضوء ما يمكن ان يستجد من تطورات خلال اليومين المقبلين، وتفادياً لأي فراغ يصيب مركز حاكمية مصرف لبنان، وتأميناً لسير المرفق المالي والنقدي”.
وكان نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي شدّد يوم الخميس على أن “لا خيار أمام نواب حاكم مصرف لبنان إلا بتولّي مهامه بعد انتهاء ولايته هذا الشهر، وتعذّر تعيين بديل عنه في بلد تنهشه أزمات متعددة”.
وأكد الشامي في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية “الحاجة إلى تعيين حاكم لمصرف لبنان بالتشاور مع كل الأفرقاء السياسيين”، مشدّدا على أن هناك “صعوبة لأن الظروف غير مهيئة لتعيين حاكم جديد خلال أسبوع”.
تطورات المسرحية تشي بأن الفراغ سيبقى هو السيد في هذا الموقع في هذه المرحلة سيما وان مجلس الوزراء أخفق في الاجتماع لتعيين حاكم جديد، ليكون موازياً للفراغ الكبير الحاصل في موقع رئاسة الجمهورية.
انقر هنا للاطلاع على المزيد من أخبار لبنان.