Share

تحالف أوبك+، والتحديات العالمية التي تواجهه

الغرب يكيل بمكيالين في تعامله مع ملفيّ الطاقة والتغيّر المناخي
تحالف أوبك+، والتحديات العالمية التي تواجهه
مقر منظمة أوبك

تاريخياً، لم يمر على العالم تحالفٌ يضبط أداء أي سوق عالمية، كما هو الحال بالنسبة إلى تحالف أوبك+، والذي لم يمض على تشكيله أكثر من ثلاثة أعوام. بدايته لم تكن مشجعة. إذ دارت حرب سعرية بين كبار أعضائه، وهما روسيا والسعودية. لكن، ما لبث أن فهم جميع الاعضاء أنّ مصلحتهم هي في تعاونهم والتنسيق في ما بينهم لتحقيق استقرار سوق سلعة استراتيجية دولية ومهمة، وهي النفط.

لقد أثبت التحالف فعاليته في سحب تدريجي للفائض في المعروض العالمي من النفط في أوج أزمة جائحة كوفيد-١٩، التي أثّرت سلباً على حركة التجارة العالمية لفترة طويلة. وأدّت خطوة التحالف الى تحسن تدريجي في أسعار النفط مع تحقق التوازن بين العرض والطلب. كما وإن عودة الإنتاج النفطي الذي أطلقه التحالف تزامن مع التعافي التدريجي الذي شهده الطلب العالمي على النفط، نتيجة تعافي الاقتصاد العالمي نتيجة تعميم اللقاحات ضد فيروس كوفيد-١٩.

كما وتحسّنت درجة الالتزام باتفاقيات التحالف في الفترة الماضية بشكل كبير، نتيجة لحزم قيادة التحالف، ممثلةً بالسعودية وروسيا، والتي أوضحت صراحة بأنه لن يكون هناك مجال لراكبٍ مجاني لا يلتزم بما وافق عليه التحالف، بينما الآخرون ملتزمون به.

هذا التحالف مرشحٌ له أن يستمر طالما أنه توجد دول تصدّر النفط للعالم.
وصحيح أنّ عدد أعضاء التحالف الـ٢٣ قد يتقلص عما هو عليه حاليا، لكن ليس لعدم رغبة احد الأعضاء بالاستمرار في التحالف، بل بسبب تناقص قدرة الدولة العضو، الإنتاجية، وهو ما تعاني منه حاليا دولتان: أنغولا والغابون. وعلى هذا الأساس، قد  نشهد تزايدا تدريجيا في الانسحاب من التحالف.

كما أنّ الطريق أمام هذا التحالف ليس معبداً كما يظنّ البعض. 

فبالرغم من التجانس والتنسيق بين دُوله الأعضاء، إلّا أن هذا التحالف يواجه عدة عقبات، ومن جملتها ضغوط كبار مستهلكي النفط، وهي من الحدة التي ترقى إلى تهديدات مباشرة. أما عمليات السحب من الاحتياطي الاستراتيجي النفطي فهي تمثل خطوة غير مسبوقة تتعارض والهدف الرئيسي من وجوده. فهذا الاحتياطي لم يُستخدم على الإطلاق لخفض أسعار النفط، وإنما لمواجهة أزمات انقطاع الإمدادات النفطية عالميا.

لكن تم رفض جميع هذه التهديدات، وظلّ تأثير السحب من الاحتياطي الاستراتيجي، وسيظل، محدودا. واستمر التحالف في تحقيق المزيد من نجاحاته، معتمدًا على قراءاته الواضحة للأسواق والأساليب العلمية لرسم قراراته. 

حتى أنّ منتجي الغاز الطبيعي في العالم يتمنون لو كان لديهم تحالفاً مشابهاً يضمن للسوق توازنه واستقراره، في ظل التدخلات السياسية من دول غربية، ومثال على تلك التدخلات منع إمدادات آتية من دولة ما بسبب خلافات سياسية مع دولة أخرى.

أما التحدي الأكبر لتحالف أوبك+، وبقية الدول المنتجة والمصدّرة للنفط والغاز، فيتمثل في التغيير الهيكلي المفتعل – ــوالذي يطلق عليه مسمّى “تحول الطاقة“ــ بالانتقال الى الطاقة النظيفة، ومحاولات التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري المتمثل بالفحم والنفط والغاز، بحجة مواجهة تغير المناخ المحتمل. 

Modern building with a logo under a clear sky.
مقر منظمة أوبك – ڤيينا. المصدر: أوبك

صحيح أن مواجهة تغير المناخ المحتمل هو هدفٌ نبيل، لكنه اختلط بأجندة خبيثة من الدول الغربية التي أعلن بعض رؤسائها، في مختلف المؤتمرات الدولية، أنّ هذا الاتجاه العالمي هو فرصة للتخلص من استيراد النفط، من دون أن يتطرقوا إلى الفحم، والذي هو أكثر تلويثاً للمناخ من بقية أنواع الوقود الاحفوري.

ولو أردنا تلخيص طبيعة المطالبات بالتخلص التدريجي من النفط تحديداً، نجد أنها تتركز في التالي:

أولاً: إن رغبة الغرب في التخلص من النفط ليست بجديدة، فهي تعود الى السبعينات من القرن الماضي. والسبب في أنها لم تتحول عن استخدام مصادر الطاقة الاحفورية، هو عدم توفّر بدائل مجدية اقتصادياً من مصادر الطاقة الأخرى، بالرغم من التطورات التكنولوجية التي شهدناها في قطاع الطاقة البديلة.

ثانياً: إنّ التحيز الضريبي القائم ضد النفط في تلك الدول، حيث تتراوح نسب الضرائب ما بين ٢٠٪ و ٦٥٪ من اجمالي سعر البرميل المعادل من المنتجات النفطية. وكلما اقترحت حكومات هذه الدول فرض ضرائب إضافية، بما فيها ضريبة تُعتمد على أساس المحتوى الكربوني لكل مصدر من الوقود الاحفوري، نرى أنها تنتهي بضريبة على الغازولين فقط واستثناء البقية.
والمفارقة العجيبة في العديد من الدول الغربية التي تُنصّب نفسها في سدة محاربة التلوث الكربوني بسبب المشتقات النفطية، أنها عندما يتعلق الأمر بالمصدر الأكثر تلويثا وهو الفحم، نجدها مستمرة في تقديم الإعانات لهذا المنتج، كونها تمتلك احتياطات كبيرة منه. وهذا مثال بسيط على حجم النفاق والمعايير المزدوجة التي تتبعها الدول الغربية في هذا المجال.

ثالثاً: هنالك مقترحات قادمة سيتم تطبيقها، ومن ضمنها ما يُسمى بـ border tax adjustment والمتعلقة بفرض رسوم أو ضرائب على الواردات من السلع التي تحتوي على الكربون.

وتشمل هذه الرسوم والضرائب عدة قطاعات مثل البتروكيماويات والاسمنت وغيرها، وهو ما يضيف الى التحيز القائم ضد النفط الذي هو أساس المشتقات البتروكيماوية.

رابعاً: لو عدنا الى الاتفاقية الاطارية لتغير المناخ UNFCCC التي أُبرمت في العام ١٩٩٢، والتي تُعتبر المرجع الرئيس في كل الجهود اللاحقة، فهي تنص على شمولية إجراءات مواجهة تغيّر المناخ. لكن ما حدث في اتفاقية باريس للمناخ عام ٢٠١٥، أنه تم حصر الأمر بغاز ثاني أكسيد الكربون فقط دون غيره في حملة مواجهة تغير المناخ، كما تم التركيز على قطاع الطاقة دون غيره من القطاعات. و أتى الأمر بضغوط من دول الغرب، وهو ما يوضح جهوزية هذه الأخيرة لتفصيل وحياكة ما تريد لتحقيق أهدافها الاقتصادية من هذه الاتفاقيات.

كما وألغت الدول الغربية مبدأً أساسياً في الاتفاقية، وهو مبدأ “المسؤولية المشتركة والمتباينة” الذي يفرّق بين التزامات الدول الصناعية والدول النامية وفقا لمبدأ “الملوِّث يدفع”. فأصبحت اتفاقية باريس للمناخ لا تفرّق بين هاتين المجموعتين في محاولة لتمرير أعباء الاتفاقيات جميعها الى الدول النامية.

خامساً: نتيجة لكل هذا التغيير في الاتفاقية، فقدت الدول النامية الثقة في دول الغرب، وهو ما أدى بالتالي الى الفشل الذريع الذي واجه مؤتمر “غلاسكو للمناخ”، الذي انعقد بنهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مع اعتراف كبار السياسيين بعدم تحقيق نتائج ملموسة، والتخوف من أن جهود مواجهة المناخ الدولية قد تؤول الى الزوال تدريجيا.

سادساً: في ظل هذا التخبط الدولي، تطل علينا وكالة الطاقة الدولية بطلبها من شركات النفط والغاز العالمية بالتوقف عن الاستثمار في التنقيب عن النفط والغاز لتحقيق هدف صفر انبعاثات لغازات تتسبب بالاحتباس الحراري بحلول العام ٢٠٥٠، مما سيُحدث أزمة طاقة دولية وقد بدأت تباشيرها في الظهور. 

ومثلما ذكر وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، فان العالم سيفقد أكثر من ٣٠٪ من إنتاج النفط خلال العقد الحالي، نتيجة لدعوة وكالة الطاقة وقف الاستثمارات في هذا المنتج الحيوي. وفي المقابل، لم تُطالب الوكالة بوقف استثمارات الفحم، مما يدل على التحيز التام الذي تنتهجه، وعدائها العلني للنفط والغاز. لكنها، ومن الغرابة بمكان، أنها في نفس الوقت الذي تريد فيه خفض الاستثمارات في النفط، تُطالب الوكالة تحالف أوبك+ بزيادة الإنتاج لخفض أسعار الوقود. كل هذا أفقد الثقة -إن كانت موجودة- بين الدول المنتجة للنفط ووكالة الطاقة الدولية.

Large mining machine excavating coal in an open-pit mine.
عملية استخراج الفحم الحجري في وايومينغ – الولايات المتحدة: المصدر: ارشيف الحكومة الفيدرالية الاميركية

وما هو أسوأ من ذلك، تراجع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عن مطالبة منتجي النفط الأميركي التقليدي والصخري، بالتوقف عن زيادة الإنتاج والاستثمار فيه، فيما تُطالب، في الوقت عينه، الآخرين بالتوقف عن الاستثمار في إنتاج النفط والغاز خارج الولايات المتحدة، وهو ما يشكّل مجددا معايير مزدوجة، ونفاقاً صارخاً، يؤسس لخلق أزمة طاقة حقيقية مي السنوات المقبلة. 

سابعاً: لقد أقدمت الدول الغربية على تسييس إمدادات الطاقة. فالولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، تطالب بوقف التصريح لإمدادات الغاز الروسي عبر خط  نوردستريم-٢، وهو ما سيشعل أسعار الغاز العالمية في الربع الأول من العام ٢٠٢٢، نتيجة لنقص الإمدادات العالمية من الغاز واتجاه مختلف الدول نحو الفحم والنفط لتعويض هذا النقص في أحد مصادر توليد الكهرباء.

كل هذا التخبط الغربي تجاه إدارة ملف الطاقة، ساهم في ارتفاع أسعار كلّ من الغاز الطبيعي والنفط والفحم، ليكشف زيف تصور أصحاب نظرية ”التخلص من النفط بحجة مواجهة المناخ،“ وأنّ المسألة أعقد بكثير من ذلك، وأنّ النقص في الاستثمارات في الوقود الاحفوري، ومنع الشركات العالمية من القيام بذلك سيؤدي الى أزمة طاقة تلو أخرى.

إنّ الدول الغربية تستطيع أن تتحكم من خلال إصدار تشريعات في منع شركات النفط العالمية من الاستثمار في التنقيب عن النفط، لكنها لن تستطيع إيقاف الشركات الوطنية المملوكة بأغلبها لدول ذات سيادة، ولا تستمع للدعوات الغربية المتحيزة  ضد النفط، من القيام بذلك. وبالتالي، فمن يبقى في الساحة هي هذه الشركات الوطنية مثل أرامكو وغيرها، لتستفيد من الارتفاعات المتتابعة والمتوقعة في أسعار النفط العالمية.

وختاما، على العالم أن يُدرك أنّ ما يسميه التحوّل في الطاقة نحو طاقة نظيفة لكن تظل غير جاهزة تماماً لتعويض النقص في الطاقة من مصادرها التقليدية (تقنياً واقتصاديا)، والخلط بين الأماني والأحلام وبين الحقائق على الأرض، سيؤدي الى الإخلال بـ “أمن الطاقة” الذي يتشدق به. كما وسيؤدي الى أزمة عالمية في قطاع طاقة لتنسحب بآثارها السلبية على الاقتصاد العالمي وليتجه العالم نحو ركود اقتصادي وشتاء قارس لا يمكن الخروج من تبعاته بسرعة. والنتيجة العكسية لما يريده الغرب هو أن هذه الأزمة ستعزز من دور الدول المنتجة للنفط والغاز لتتحكم بشكل أكبر في أسواق الطاقة العالمية.

وعلى العالم الغربي أن يبحث عن “حيلة” أخرى، غير “تغيّر المناخ” لتحقيق أحلامهم في التخلص من النفط، ولن يجدوا بديلا. لذا، عليهم التعامل مع الواقع وبناء علاقة أقوى مع الدول المصدّرة للنفط والغاز في عالم يعتمد كل منّا على الآخر.

——-

Man in traditional attire seated with arms crossed on a white background.(*) د. محمد سالم الصبّان، مستشار اقتصادي ونفطي دولي، ورئيس وفد السعودية السابق الى مفاوضات الامم المتحدة لتغير المناخ، وكبير مستشاري وزير النفط السعودي سابقا.