في التّاسع عشر من شهر يوليو، أصدرت مجموعة أكسفورد للأعمال أوّل تقرير استخباراتيّ بنظام بيئيّ واجتماعيّ وحوكميّ من جزأيْه بالتّعاون مع شركة “جنرال موتورز”، مركّزًا على السّيّارات الكهربائيّة. وقد سعى موقع “إيكونومي ميدل إيست” إلى استكشاف الدّور الرّئيس الّذي قد يلعبه إنتاج السّيّارات الكهربائيّة في خفض انبعاثات الكربون وإيجاد حلول تنقّل مستدامة وقابلة للتّطبيق في جميع أنحاء إفريقيا والشّرق الأوسط.
للقيام بذلك، أجرى موقع “إيكونومي ميدل إيست” مقابلة مع باتريك كوك، مدير التّحرير في منطقة الشّرق الأوسط وآسيا ضمن مجموعة أكسفورد للأعمال، وقد سُئِل ما يلي:
1- هل صناعة السّيّارات مدفوعة حقًّا بنظام بيئيّ واجتماعيّ وحكوميّ لصالح الإنسان والكوكب، أم أنّها حريصة على إرضاء ما يتبنّاه المستهلك الّذي يرفض اليوم العلامات التّجاريّة الّتي لا تلتزم بهكذا نظام؟
على مدى عقديْن على الأقلّ، كانت الحكومات والمجتمعات تشكّل ضغطًا على صناعة السّيّارات لاتباع نموذج أكثر استدامة. إذ أدّى الضّرر البيئيّ النّاتج عن وسائل النّقل الّتي تعمل من خلال اشتعال الوقود إلى إعلان العديد من الحكومات عن تواريخ للتّخلّص التّدريجيّ من بيع السّيّارات الجديدة الّتي تعمل بواسطة الوقود.
وقد أجبر ذلك مصنّعي السّيّارات على الاستثمار بكثافة في البحث والتّطوير والتّعاون مع شركات ناشئة مبتكرة لتطوير السّيّارات الكهربائيّة المرغوبة والميسورة التّكلفة في الأسواق الاستهلاكيّة. ستكون صناعة السّيّارات دائمًا مدفوعة بالرّبح، في حين يوفّر قطاع السّيّارات الكهربائيّة فرصة إنشاء قيمة مستدامة لا تنطوي على مقايضة بين الرّبح والمحافظة على الكوكب.
2- كيف يمكن لشركات صناعة السّيّارات أن تبقى قادرة على المنافسة والرّبح في حين يتعيّن عليها الآن أن تأخذ بعين الاعتبار الآثار البيئيّة والاجتماعيّة للصّناعة في عناصر سلسلة القيمة؟
صحيح، إذ يكمن التّحدّي في جعل عناصر سلسلة قيمة السّيّارات بأكملها – بما في ذلك المصنّعين والتّجّار والموردين والخدمات وتجّار التّجزئة بعد البيع – تعمل معًا، نظرًا إلى أنّ للحلول الجيّدة تكاليف أوّليّة مرتفعة أكثر من تكاليف الحلول العالية الانبعاثات الكربونيّة، مع أنّ الأرباح على المدى الطّويل تستحق كلّ هذا العناء.
قد تظلّ صناعة السّيّارات مربحة من خلال تشجيع التّعاون عبر الصّناعة لتطوير حلول ناجحة طويلة الأمد واستخدام التّكنولوجيا المتقدّمة لزيادة الرّؤية عبر سلسلة الموردين. إذ يعدّ الحفاظ على سلسلة الموردين المستدامة أحد العوامل التّفاضليّة التّنافسيّة نظرًا إلى أنّ الشّركات المدرجة مطلوبة بشكل متزايد لقياس تأثيرات الكربون والإبلاغ عن أهداف الاستدامة وعن مؤشّرات الأداء الرّئيسة.
ويمكن أن يلعب كلّ من الاستثمار والحوافز الحكوميّة أيضًا دورًا في مساعدة شركات السّيّارات على الاستمرار في الرّبح ضمن هذا التّحوّل، من خلال بناء المزيد من نقاط الشّحن أو تقديم المنح أو الائتمان الضّريبيّ لشراء سيارات كهربائيّة جديدة على سبيل المثال. في نهاية المطاف، يجب أن تؤدّي التّكاليف الأوّليّة لهذا التّحوّل إلى أرباح مستدامة طويلة الأمد مع مرور الوقت.
3- ما مدى نضج سوق الشّرق الأوسط/ دول مجلس التّعاون الخليجيّ أو جهوزيّته من حيث الوعي بالنّظام البيئيّ والاجتماعيّ والحكوميّ، واستعداده/ توفيره الميزانيّة لإنفاق المزيد على السّيّارات الكهربائيّة ومحطات إعادة الشّحن/ البنية التّحتيّة واللّوائح المستقلّة وما شابه ذلك؟
في حين أنّ اعتماد السّيّارات الكهربائيّة والبنية التّحتيّة للشّحن في الشّرق الأوسط لا يزال متخلفًّا عن الصّين والولايات المتّحدة وأوروبا، تساعد الأهداف الحكوميّة الطّموحة المتعلّقة بإنشاء اقتصادات مستدامة وقائمة على المعرفة على جلب المزيد من نماذج السّيّارات الكهربائيّة إلى السّوق. وفي هذا الصّدد، عقد مؤتمر الأمم المتّحدة حول تغيّر المناخ عام 2022 وآخر عام 2023 في كلّ من مصر والإمارات (CO27 & COP28) مسلّطيْن الضّوء على الوعي بالاستدامة في الشّرق الأوسط.
وفي المنطقة الّتي تضمّ دول مجلس التّعاون الخليجيّ، تتماشى كهربة النّقل بشكل وثيق مع الجهود المبذولة لاستخدام التّكنولوجيا المتقدّمة بهدف تعزيز النّموّ الاقتصاديّ كجزء من استراتيجيّات الرّؤية البلاد. ويوفّر النّشر المتزايد للسّيّارات المستقلّة الذّاتيّة القيادة دفعة إضافيّة لاعتماد السّيّارات الكهربائيّة.
تضمّنت بعض الأهداف الحكوميّة الطّموحة تعهّد المملكة العربية السّعوديّة بأن تشكّل السّيّارات الكهربائيّة نسبة 30٪ من المركبات على طريق الرّياض بحلول عام 2030، لتصل هذه النّسبة إلى 100٪ بحلول عام 2060. إذ قامت المملكة باستثمارات كبيرة في شراكات تكنولوجيا السّيّارات الكهربائيّة، كما أعلنت عن خطّة طويلة الأمد لبناء أولى مصانعها العالميّة مستهدفةً إنتاج 150 ألف سيّارة كهربائيّة سنويًّا.
وبالمثل، تسعى دبي إلى رفع نسبة سيّارات الأجرة الهايبرد والكهربائيّة في الشّوارع من نسبة 50٪ حاليًا إلى نسبة 80٪ بحلول عام 2025، لتحقيق الهدف النّهائيّ أي ما يعادل نسبة 100٪ بحلول عام 2027. ولدعم الطّلب على وسائل النّقل الصّديقة للبيئة، افتتحت الإمارات أولى منشآتها لتصنيع السّيّارات الكهربائيّة في العام الجاري في مدينة دبي الصّناعيّة، والّتي من المتوقّع أن تنتج 55000 سيّارة سنويًّا. يتمثّل أحد التّحدّيات الرّئيسة في الشّرق الأوسط في تلبية توقّعات المستهلكين واحتياجات نمط الحياة، حيث ثمّة طلب قويّ على مركبات الخدمات الصّحراويّة طويلة الأمد في المنطقة. لذلك، فإنّ الأمر بيدّ المصنّعين لإنتاج نماذج للسّيارات الكهربائيّة الّتي تناسب الأذواق المحلّيّة.
4- كيف ترون التّحوّل إلى كلّ ما هو خال من الكربون من جهة منتجي الهيدروكربون الثّقيل في دول مجلس التّعاون الخليجيّ كالسّعوديّة والإمارات وغيرهما؟
تعدّ الطّريق الخالية من الكربون معقّدة بالنّسبة إلى دول مجلس التّعاون الخليجيّ، حيث لا تزال البلدان تعتمد بشكل كبير على صناعة الهيدروكربون. وفي حين أنّ معظم هذه البلدان أطلقت برامج طويلة الأمد تهدف إلى تقليل اعتمادها على النّفط وتنويع اقتصاداتها وعائداتها، تبقى الهيدروكربونات مكوّنًا حيويًّا في نموذجها الاقتصاديّ.
ومن بين دول مجلس التّعاون الخليجيّ الثّلاثة الّتي قدّمت التزامات رسميّة خالية من الكربون – الإمارات العربيّة المتّحدة والمملكة العربيّة السّعوديّة والبحرين – ستسلك مسارًا عامًّا لاستثمارات ضخمة في الطّاقة المتجدّدة وتقنيّات التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه، والّتي تأمل هذه البلدان في تمكينها لتصبح أقرب إلى حياد الكربون مع الاستمرار في جني الإيرادات من الموارد الهيدروكربونيّة. في حين أنّ التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه يشكّل أمرًا يبشّر بالكثير، إلّا أنّ ثمّة حاجة إلى مزيد من الاستثمار في البحث والتّطوير لتمكين هذه التّكنولوجيا من الوجود في نطاق قد تؤثّر إيجابيًّا في تغيّر المناخ، ولا يمكن أن تكون فعّالة إلّا مع الجهود المبذولة للانتقال نحو مصادر طاقة أكثر استدامة. أحد الحلول المثيرة للاهتمام بهذا الصّدد هو الهيدروجين الأخضر، حيث تستثمر العديد من دول مجلس التّعاون الخليجيّ بنشاط في منشآت الهيدروجين كونها تسعى إلى الحصول على ميزة المحرّك الأوّل في هذا المجال الواعد.
5- هل يمكن تحديد التّحدّيّات الرّئيسة الّتي تواجه تنفيذ استراتيجيّات التّنقّل الإلكترونيّ في الإمارات والمملكة ومصر؟
في الإمارات العربيّة المتّحدة، يتمثّل العائق الرّئيس أمام العملاء الّذين يشترون السّيّارات الكهربائيّة في “القلق بشأن مدى الاستخدام” – بعبارة أخرى، القلق من عدم تمكّنهم من العثور على مكان لشحن سيّاراتهم الكهربائيّة عند استخدامها بعيدًا عن المنزل. توجد حاليًّا العديد من نقاط الشّحن في المباني الحكوميّة والفنادق، إلّا أنّ الجهود جارية لتوفير المزيد منها.
وفي المملكة العربيّة السّعوديّة، يتمثّل أحد التّحدّيّات الرّئيسة في أنّ السّيّارات الكهربائيّة قد تشكّل ضغطًا إضافيًّا على شبكة الكهرباء، لا سيّما في المناطق الوسطى والجنوبيّة.
يتعلّق التّحدّي الرّئيس الّذي تواجهه مصر بالقدرة على تحمّل التّكاليف، حيث يتمتّع المستهلكون هناك عمومًا يقدرة شرائيّة أقلّ بكثير من تلك الموجودة في الخليج، وتكلفة الشّراء الأوّليّة لسيّارة كهربائيّة جديدة أعلى بكثير من تكلفة السّيّارة الّتي تعمل بواسطة الوقود. لذا، يشكّل مستوردو السّيّارات الكهربائيّة مجموعة صغيرة غير قادرة على إمداد السّوق المصريّ بأكمله بمجموعة متنوّعة من السّيّارات أو خدمة ما بعد البيع لقطع الغيار والصّيانة. فلا يزال سوق السّيّارات الكهربائيّة في مصر محدودًا ويتطلّب الكثير من الحوافز.
6- في ظلّ وجود السّيّارات الكهربائيّة والمستقلّة الذّاتيّة القيادة المهمّة من النّاحية التّكنولوجيّة والرّقميّة مقارنة بسيّارات الوقود، ما هي المخاطر الّتي تنطوي عليها من وجهة نظر السّلامة؟
ثمّة عدد من المخاطر الّتي يجب مراعاتها، بما في ذلك مخاطر نشوب حريق عند شحن السّيّارات الكهربائيّة، لا سيّما في الأماكن الضّيّقة كمواقف السّيّارات تحت الأرض أو المتعدّدة الطّوابق وكالمرآب.
ونظرًا إلى أنّ السّيّارات الكهربائيّة والمستقلّة الذّاتيّة القيادة أصبحت تعتمد بشكل أكبر على البرامج واتّصال البيانات والذّكاء الاصطناعيّ، فإنّ ذلك سيتيح خطرًا إضافيًّا يتمثّل في التّعرّض البرامج للخلل أو فشل النّظام أو حتّى الهجمات الإلكترونيّة الخبيثة لسرقة البيانات وإلحاق الضّرر بالسّائقين وإخضاعهم للفدية.
بالإضافة إلى ذلك، عند تحديد موقع نقاط الشّحن، يجب أن يكون الموقع آمنًا ومضمونًا لتقليل مخاطر الاستخدام غير المشروع أو التّخريب أو السّرقة.