“المصارف العربية اليوم لا تتمتع بالمرونة الكافية لاستيعاب والتصدي للتحديات المتتالية التي تواجهها يومياً سواء من آثار الحروب أو الوباء أو مخاطر الركود الاقتصادي أو التضخم”.
هذا الكلام للأمين العام لاتحاد المصارف العربية وسام فتوح في حديث الى “إيكونومي ميدل إيست” تزامناً مع إصدار الاتحاد دراسة تناولت “الركود التضخمي في العالم” وتوقعه بألا تستمر هذه الطفرة التضخمية لأكثر من عامين، اذا ما نشأت أزمات غير متوقعة.
ويرى اتحاد المصارف العربية أن توقف الركود التضخمي الحالي يعتمد على عاملين أساسيين: الأول، التفاعل بين استمرار ضيق الأوضاع في أسواق العمل واختناقات سلاسل الإمداد وطبيعة استجابة المصارف المركزية لمعدلات التضخم المرتفعة من خلال رفع الفائدة الذي اعتمدته كسلاح اساسي في مواجهة التضخم. وثانياً، مدة الأزمة الروسية – الأوكرانية وتداعياتها على أسعار الطاقة وامدادات الغذاء والنمو العالمي.
إزاء هذا الواقع، يحض فتوح المصارف العربية رفع مرونتها بسرعة فائقة من أجل امتصاص الانعكاسات السلبية والاستفادة من تلك الإيجابية.
وكان اتحاد المصارف العربية عقد مؤخراً مؤتمره السنوي في القاهرة تحت عنوان “تداعيات الأزمة الدولية وتأثيرها على الأوضاع الإقتصادية في المنطقة العربية”، ناقش تداعيات أسعار النفط والغاز عالمياً والبدائل المطروحة، وتفاعل الأسواق المالية العربية مع الأزمة وآفاق التحويلات، وتداعيات الأزمة الدولية وتأثيرها على الأوضاع الاقتصادية في المنطقة العربية.
وكان لـ”إيكونومي ميدل إيست” الحوار التالي مع فتوح:
برأيكم ما هي أبرز التحديات التي تواجه مصارفنا العربية جراء التطورات المتسارعة عالمياً؟
عدم المرونة هي أبرز التحديات التي تواجه مصارفنا العربية حاليأً. إن مصارفنا اليوم في العالم العربي لا تتمتع بالمرونة الكافية لاستيعاب والتصدي للتحديات المتتالية التي نواجهها يومياً سواء من آثار الحروب أو الوباء أو مخاطر الركود الاقتصادي أو التضخم. إن المرونة تحتاج الى استراتيجيات وسياسات وتقنيات مبتكرة لدعم استمرارية واستدامة المصارف ورفع قدرتها على المنافسة مع المؤسسات غير المصرفية التي تقدم الخدمات المصرفية لربما بجودة ومرونة وسرعة أكبر وتكلفة أقل. لا يمكننا التغاضي عن المؤسسات غير المصرفية التي تأخذ دور المصارف وذلك بسبب مرونتها وسرعتها في الابتكار وهيكليتها الرشيقة agile structure وإعتمادها على أحدث التقنيات بسرعة فائقة وتطويرها أيضاً. لقد أصبحت مصارفنا العربية مثل الرجل المريض أمام التحديات التي نواجهها.
كيف يمكن لأسعار النفط أن تساهم في تحسين وضعية المصارف العربية وتعزيز سيولتها؟
كما نسمع يومياً، إن الحرب الروسية – الأوكرانية وتقلبات سعر النفط ستزيد الدول الفقيرة فقراً وستزيد الدول الغنية غنىً، وذلك سينعكس على المصارف في الدول الغنية والدول الفقيرة. ففي الدول المنتجة للنفط سترتفع سيولة المصارف، وسوف تتمكن من تطوير بنيتها التحتية ومواكبة التطور التكنولوجي والاستثمار في الابتكار التكنولوجي. أما في الدول غير المنتجة للنفط، فإن وضعها سيزداد سوءاً ولربما تفتقد القدرة على الاستدامة والاستمرار. وسوف تسعى السلطات في الدول الفقيرة الى دمج وإعادة هيكلة المصارف الصغيرة. المصارف القوية ستصبح أقوى والمصارف الضعيفة سوف تنقرض.
طالبتم في اختتام مؤتمركم بوجوب تعزيز دور المصارف المركزية في امتصاص الصدمات الناتجة عن تداعيات الأزمة الدولية. كيف برأيكم يمكن أن يكون ذلك؟
من خلال وضع السياسات النقدية المرنة والرشيدة resilient and wise monetary policy. على سبيل المثال، عانى لبنان من سياسات نقدية غير مرنة. ولو أدرك المصرف المركزي في لبنان خطورة السياسة النقدية المتبعة وقام بتعديلها بمرونة فائقة لربما استطعنا أن نتجنب الكارثة المالية. وعليه أدعو المصارف المركزية الى رفع مرونة وترشيد السياسات النقدية. ولا يمكن التغافل عن دور العملة الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية central bank digital currency . على المصارف العربية رفع الكفاءات التقنية والتعاون لمواكب التطور التكنولوجي في العملات الرقمية.
سيقوم الاحتياطي الفدرالي بالمزيد من الارتفاعات في سعر الفائدة هذا العام، كيف ينعكس هذا الامر على المصارف العربية؟
كما ذكرت آنفاً، إذا رفعت المصارف العربية مرونتها وذلك برفع مرونة كل أنظمتها وبنيتها التحتية سوف تتمكن من امتصاص الانعكاسات السلبية والاستفادة من الانعكاسات الإيجابية. على المصارف في الدول العربية رفع مهارتها لكسب مرونة أكبر بسرعة فائقة.
كيف يمكن للمنطقة العربية ان تواجه المعدلات المرتفعة للتضخم؟
نعاني يومياً من مشكلة التضخم سواء على الصعيد الفردي أو العائلي أو المجتمع ككل و المؤسسات. يمكن للمؤسسات رفع مرونتها إنما تكمن المشكلة في رفع مرونة قدرات الافراد والعائلات والمجتمعات التي باتت تعاني من الجوع وفقدان الطاقة الـ2F Food and Fuel . المشكلة تتعدى نطاق القطاع المصرفي، والحل يكمن في التعاون بين القطاعات والافراد والمؤسسات سواء عبر تحالفات أو إتفاقيات أو علاقات ودية.