يتهافت اللبنانيون في هذه الأيام على الأفران لشراء الرغيف. تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي صور مخزية تظهر طوابير من الناس للحصول على ربطة أو ربطتين من الخبز. فيما توثق الفيديوهات المتداولة حوادث التعارك والتشابك بينهم في مناطق مختلفة من لبنان، حيث يتسابقون للحصول على هذه السلعة الحيوية.
في وقت تشهد البلاد شحاً غير مسبوق في الخبز منذ أسابيع، أقر مجلس النواب اللبناني أمس اتفاقية قرض مقدم من البنك الدولي بقيمة 150 مليون دولار، لتنفيذ مشروع الاستجابة الطارئة لتأمين إمدادات القمح.
فلبنان الذي يعيش أصلاً أزمة اقتصادية مركبة خطيرة جداً أدت الى تسجيل التضخم مستويات خيالية وصلت الى حديد الـ210 في المئة، تضرر كثيراً نتيجة الحرب الروسية – الاوكرانية. إذ يستورد حوالي 80 في المئة من حاجته لمادة القمح من هذين البلدين.
وكان الحصار الذي فرضه الكرملين على صادرات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، أدى إلى ارتفاع شديد في أسعار الخبز عالمياً. وقد تأمل المحللون خيراً من أن تساهم الاتفاقية التي وقعتها كل من روسيا وأوكرانيا في تركيا الأسبوع الماضي بدعم من الأمم المتحدة لاستئناف تصدير الحبوب عبر ممر بحري في البحر الأسود، في “فك الحصار” عن الحبوب. لكن الهجوم الروسي على ميناء أوديسا الأوكراني، بعد أقل من 24 ساعة من توقيع الاتفاقية، أثار تساؤلات حول مدى نجاح تنفيذ الصفقة، وأدى إلى ارتفاع أسعار القمح.
ولا يمكن ربط أزمة الرغيف التي يمر به اللبنانيون بالحرب الراهنة فقط. فهناك عوامل عدة كانت تؤشر الى ان لبنان مقبل على هذا المسار الخطير بعد الانخفاض الدراماتيكي في احتياطاته من العملات الاجنبية في ظل سياسة دعم عشوائية حرقت الدولارات وتسببت في عمليات تهريب واسعة عبر الحدود بالمليارات من الدولارات. ويدعم لبنان شراء مادة الطحين إلى اليوم، ويبدو أن إلغاء الدعم عنها باتت مسألة وقت فقط، وهو ما سيؤدي تلقائياً لارتفاع سعر ربطة الخبز والأرجح إلى مضاعفة سعرها.
هذا الامر أكد عليه وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام الذي قال إن “سياسة الدعم القديمة التي اعتمدتها الحكومة السابقة غير سليمة وتمت بطريقة عشوائية وبغياب للشفافية. فالدعم بنهاية المطاف في غياب الرقابة وفي ظل التهريب والحدود غير المضبوطة يتحول سرقة واستنزافاً لاحتياطي مصرف لبنان”. ولفت إلى أن سياسة جديدة تنتهجها الوزارة “ستؤدي لرفع الدعم تدريجياً عن الخبز على أن يترافق ذلك مع دعم مباشر للطبقات الأكثر فقراً عبر بطاقات تمويلية تمكنهم من الاستفادة من مبالغ مالية محددة”.
وبحسب سلام، فـ”إن 75 في المئة من الذين يصطفون في الطوابير هم من النازحين السوريين، في وقت تذهب 400 ألف ربطة خبز يومياً لهؤلاء النازحين الذين يستفيدون من 7 ملايين دولار كدعم شهري من الاحتياطي الإلزامي للخبز”.
في السابق، كان لبنان يدعم سنوياً 600 ألف طن من الطحين بمبلغ يتراوح ما بين 20 و22 مليون دولار شهرياً. لكن هذا المبلغ انخفض إلى نحو 17 مليون دولار بعد حصر وزارة الاقتصاد الدعم بالطحين المخصص لصناعة الخبز.
الاحتكار
أهداف تجارية تساهم أيضاً في تفاقم أزمة الرغيف في لبنان. اذ يقوم بعض التجار ببيع الطحين المدعوم (وفق سعر الصرف الرسمي البالغ 1500 ليرة) باسعار السوق الموازية (والتي تبلغ اليوم حدود الـ30 ألف ليرة لك دولار واحد) ما يحقق لهم أرباحا طائلة.
كما يضاف الى أسباب المعاناة عامل أساسي مهم أيضا وهو عدم وجود مخازن كافية لتخزين هذه المادة. وهذا الامر كان يدركه لبنان قبل الحرب الروسية – الاوكرانية وبعد انهيار الاهراءات في مرفأ بيروت بعد انفجار الرابع من أغسطس/آب 2020.
وكان مجلس الوزراء قرر هدم هذه الاهراءات ما اثار موجة غضب واسعة.
وتبحث الحكومة اللبنانية، وهي حكومة تصريف أعمال، عن تأمين مصادر لشراء القمح، بما في ذلك التحدث مباشرة إلى الروس. وتوزاياً، أبلغ سفير أوكرانيا في لبنان إيهور أوستاش وزير الخارجية عبدالله بو حبيب أنّ بلاده استحدثت مرفأً لضمان استمرار تسليم القمح إلى لبنان.
إضراب الموظفين
كما يؤدي إضراب موظفي القطاع العام الى تأخير توزيع كميات القمح التي سيحصل عليها لبنان. فمنذ أيام، أعلن سلام أن كمّيات من القمح ستدخل خلال 10 أيام وتكفي لشهر ونصف الشهر ويصل حجمها الى 50 ألف طن، على أن تخضع للفحوص المخبرية في وزارة الزراعة لتقوم بعدها لجنة بإدارة وزارة الاقتصاد بتنظيم وصول القمح الى المرفأ ومن ثم الى المطاحن، وبمساعدة جميع الأجهزة لمتابعة وصول القمح إلى الأفران.
وصلت الباخرة الأولى المحمّلة بالقمح الى لبنان بالفعل على أن تصل باخرة أخرى في الأيام المقبلة. ولكن مع استمرار إضراب موظفي الإدارة العامة وتحديداً موظفي المختبرات في وزارة الزراعة لا يمكمن إجراء الفحوص المخبرية على العيّنات المأخوذة من هذه البواخر، ما يؤخّر حتماً عملية تفريغها وتوزيعها.
قرض البنك الدولي
ويهدف القرض الذي أقره مجلس النواب هو “ضمان توافر القمح في لبنان، استجابة لاضطرابات سوق السلع العالمية، والحفاظ على وصول الخبز بأسعار معقولة للأسر الفقيرة والضعيفة” وفق توصيف الينك الدولي.
وذكر سلام عقب الاقرار، أن المال سيؤمن القمح لأكثر من 6 أشهر، إن استمرت الأسعار في التراجع، مكرراً بأن “معظم الخبز المنتج محلياً يذهب إلى غير اللبنانيين والجميع يعلم ذلك”.
وأفاد بأن “مسؤولي الحكومة والأمن شكلوا لجنة لمراقبة واردات وتوزيع القمح”.
ويعتبر قرض البنك الدولي بمثابة مرحلة انتقالية بين تأمين القمح على سعر 1500 ليرة وبين تحرير سعره، وبالتالي رفع سعر ربطة الخبز من 13 ألف ليرة حالياً إلى ما يصل إلى 40 أو 50 ألف ليرة بعد رفع الدعم.