إذا لم تحدث مفاجآت غير مستحبة، من المفترض أن يوقع لبنان على الصيغة النهائية لاتفاق ترسيم الحدود البحرية مع الجانب الاسرائيلي بوساطة أميركة. إذ من المقرر أن يزور بيروت الوسيط الاميركي آموس هوكشتين الأسبوع المقبل حاملاً معه نسخة من اتفاق الترسيم ليوقعّه المسؤولون في لبنان.
لا يملك لبنان واسرائيل ترف الوقت اصلاً. فولاية رئيس الجمهورية في لبنان تنتهي في الحادي والثلاثين من الشهر الحالي، والرئيس وفق الدستور هو من يملك صلاحية التوقيع على هكذا معاهدات. ولا يبدو أن الامور ذاهبة نحو انتخاب رئيس جديد قريباً، حيث سيكون الشغور الرئاسي سيد الموقف. وبالتالي، فإن هذا الأمر المرجح جداً من شأنه أن يعيق مسار الاتفاق ويؤخره.
ومن الجانب الإسرائيلي، تجري انتخابات تشريعية في الاول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وهو ما يستدعي الاسراع في التوقيع على هذا الاتفاق في ولاية حكومة يائير لابيد. ويعارض البعض في إسرائيل الاتفاق، بينهم منتدى “كوهوليت” للسياسات الذي قدم شكوى أمام القضاء مطالباً بإجراء استفتاء عليه.
ويسمح للاتفاق الذي وصفه الطرفان بانه “تاريخي“، لكل من لبنان وإسرائيل بالتنقيب عن الغاز والنفط في المنطقة المتنازع عنها التابعة لمياههما الإقليمية.
وبموجب الاتفاق الجديد، يصبح حقل كاريش بالكامل في الجانب الإسرائيلي، فيما يضمن الاتفاق للبنان كامل حقل قانا الذي يتجاوز خط الترسيم الفاصل بين الطرفين.
وسيشكل البلوك رقم 9 حيث يقع حقل قانا منطقة رئيسية للتنقيب من قبل شركتي “توتال إنرجيز” الفرنسية و”إيني” الإيطالية، اللتين حصلتا في العام 2018 مع شركة “نوفاتك” الروسية على عقود للتنقيب عن النفط والغاز، قبل أن تنسحب الأخيرة خلال العام الجاري. وتحدث وزير الطاقة اللبناني في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض عن “رغبة قطرية” في الدخول إلى التحالف والحصول على حصة “نوفاتك” البالغة 20 في المئة.
وكانت الشركة الفرنسية حاضرة بقوة في المفاوضات التي سبقت موافقة الطرفين على صيغة نهائية للاتفاق.
ومنذ أيام، كان وفد من الشركة الفرنسية متواجداً في لبنان، حيث أُعلن توازياً ان أعمال التنقيب في البلوك رقم 9 ستبدأ في العام 2023.
فقد اطلع وفد الشركة من التقاهم في بيروت، ولاسيما رئيس الجمهورية ميشال عون، على الاستعدادات التي تجريها في لبنان، تمهيداً لبدء التنقيب في البلوك رقم 9 بعد إنجاز المعاملات والإجراءات الإدارية اللازمة.
ومن دون تحديد موعد، أشار الوفد إلى أن “منصة الحفر ستستقدم ابتداءً من العام 2023 لبدء الاستكشاف والتنقيب وفق النصوص الواردة في الاتفاق مع هيئة قطاع البترول في لبنان والتي تتلقى تباعاً المعطيات التي تتوافر خلال عمليات التنقيب”.
من جهته، أعرب عون عن أمله في أن يبدأ التنقيب في البلوك رقم 9 “سريعاً” للتعويض عن الوقت الذي انقضى بفعل المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان وإسرائيل.
متى يستفيد لبنان من التنقيب؟
ويعاني لبنان أزمة اقتصادية مركبة حادة وصفها البنك الدولي بانها من بين اسوأ ثلاث أزمات في العالم. وقد عزز التوصل الى اتفاق في هذا الخصوص الآمال بأن تنشل عائدات النفط والغاز المتوقع استخراجها، لبنان من القعر الذي بلغه.
تقول وكالة “فيتش سولييوشن” إن “اكتشافات الغاز ستنتج فوائد اقتصادية للبنان، أولاً من خلال جذب الاستثمار الاجنبي، ومن ثم من خلال تعزيز الإيرادات الحكومية اذا ما تم التأكد ان الكميات ستكون تجارية”.
“لكن، حتى ولو كانت الكميات الموجودة ستكون تجارية، فلن يبدأ لبنان من الحصول على ايرادات مهمة قبل ان تبدأ مرحلة الانتاج. وهذه بالتأكيد عملية تستمر لسنوات، كون الانتاج يجب أن يسبقه مسار طويل يمر بمراحل عديدة، منها التنقيب، والتقييم وتطوير البنية التحتية المطلوبة. وهذا يتطلب وقتاً (أقله عشر سنوات وفق إدارة هيئة البترول في لبنان) لكي تنجز”.
من جهته، نائب رئيس حكومة تصريف الأعمال، سعادة الشامي، المكلف التفاوض مع صندوق النقد الدولي على برنامج تمويلي، شدد على أنّ اتفاق ترسيم الحدود البحرية لا يغني عن ضرورة المضيّ قدماً بالإصلاحات التي على لبنان القيام بها في أسرع وقت ممكن، معتبراً أنّ “مساعدة لبنان من قبل الدول المانحة ومنها الدول العربية الشقيقة في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية تُساهم أيضاً في إنجاز الإصلاح السياسي المطلوب من قبل كثير من اللبنانيين وأصدقاء لبنان”.