خلال الأشهر القليلة الماضية، تصدرت مصر عناوين الأخبار حيث اكتشف علماء الآثار اكتشافات وأطلالاً جديدة رائعة لها أهمية مستقبلية هائلة لقطاعي الاقتصاد والسياحة.
اكتشافات رائعة
أحدث أعمال التنقيب في مصر هي تمثال حجري نادر عمره 4500 عام عثر عليه في أبريل/نيسان الماضي مزارع يعمل في أرضه في جنوب قطاع غزة. يُعتقد أن رأس الحجر الجيري الذي يبلغ ارتفاعه 22 سم (6.7 بوصة) يمثل الإلهة الكنعانية عنات ويقدر أنه يعود إلى حوالي 2500 قبل الميلاد.
قال جمال أبو ريدة، مدير وزارة السياحة والآثار: “كانت عنات بالنسبة لقدماء المصريين إلهة الحب والجمال والحرب في الأساطير الكنعانية”.
حدث اكتشاف مهم آخر في منتصف شهر مارس/آذار من هذا العام خلال أعمال التنقيب شمال غرب هرم ميرين في سقارة. نتج عن البحث اكتشاف خمسة مقابر ملونة ومحفوظة جيدًا تحتوي على العديد من المدافن والاكتشافات الأثرية من الدولة القديمة والفترة الانتقالية الأولى.
قال مصطفى الوزيري، رئيس المجلس الأعلى للآثار في مصر، إن المقابر مملوكة لكبار المسؤولين الملكيين.
تنتمي المقبرة الأولى لعضو في الديوان الملكي يُدعى Iry ، بينما تنتمي المقبرة الثانية إلى زوجته. أما القبر الثالث فكان لعضو رفيع في حين أن الرابع لكاهنة “مسؤولة عن تجميل الملك”. القبر الخامس لرجل حمل عدة ألقاب، بما في ذلك لقب الأمير.
ربما كان أهم اكتشاف هو اكتشاف مدينة عمرها 3000 عام، بومبي مصري يُعرف باسم آتون، ضاعت على الرمال منذ سنوات عديدة. اكتشفها العلماء لأول مرة في سبتمبر/ايلول 2020 ، ولكن لم يتم الإعلان عنها رسميًا حتى أبريل/نيسان 2021 . تركت هذه المستوطنة المصرية القديمة الخبراء مندهشين من الحفاظ على المباني والتحف. تقع في الضفة الغربية لمدينة الأقصر، وقد تم اختيارها من قبل صحيفة The “ذي صن” البريطانية المشهورة كأهم اكتشاف في عام 2021.
كشف حفر آتون عن عدد كبير من المجوهرات القيمة، والفخار الملون، وتمائم خنفساء الجعران، وطوب اللبن الذي يحمل أختامًا تعود إلى عهد أمنحتب الثالث.
وقالت عالمة المصريات والأستاذة الجامعية سليمة إكرام لـ”بي بي سي”: “يبدو أن المدينة بناها أمنحتب الثالث، الذي كان جد توت عنخ آمون الشهير وأحد أقوى فراعنة الأسرة الثامنة عشر.. عندما تتجول، يبدو الأمر كما لو كنت تمشي في الماضي وترى كل الفخار والحرف اليدوية وأشياء أخرى”.
بدأ حفر المدينة المفقودة في سبتمبر/أيلول 2020، لكن لم يتم الكشف حتى أبريل/نيسان 2021 عن عدة مناطق أو أحياء، منها مخبز وحي إداري ومنطقة سكنية. يأمل علماء المصريات أن يجيب المزيد من التحقيقات عن أسئلة مهمة حول طريقة الحياة في عهد أحد أقوى الفراعنة المصريين وأكثرهم ديمومة.
تساعد هذه الاكتشافات والأطلال المبهرة في ترسيخ مكانة مصر كجوهرة أثرية عالمية تعمل كموقع جذب سياحي وطني.
أرقام في السياحة
في الواقع، يمكن أن تشير هذه الحفريات إلى زيادة في قطاع السفر والسياحة في مصر والذي يشكل 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الوطني للبلاد. تلقى القطاع ضربة حادة خلال الوباء، حيث، وفقًا لمجلس السفر والسياحة العالمي، قضت قيود السفر وعمليات الإغلاق بسبب كوفيد على 17.6 مليار دولار من الاقتصاد المصري في عام 2020 ، بما في ذلك 844000 وظيفة في السفر والسياحة.
أيضًا وفقًا لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، انخفض عدد السياح الأجانب الوافدين إلى البلاد بنسبة 72 في المئة وانخفضت عائدات السياحة الدولية بنسبة 66 في المئة في نفس العام.
ومع ذلك ، بدأ القطاع انتعاشًا سريعًا في عام 2021 بعد رفع حظر السفر في جميع أنحاء العالم. وصلت عائدات السياحة إلى حوالي 3.1 مليارات دولار في النصف الأول من عام 2021 ، وبينما لا تتوفر بيانات عن النصف الثاني من ذلك العام، تقول المصادر إن الأرقام فاقت التوقعات الحكومية التي حددتها الوزارة في الصيف الماضي.
الآن، تحاول مصر الاستفادة من الحفريات الأخيرة التي أجرتها ويراهن المسؤولون على أن الاكتشافات القديمة الجديدة ستميزها في سوق السياحة في منتصف وبعد الوباء.
كجزء من خطة الإنعاش الاقتصادي، ستستضيف مصر قريبًا فعاليات سياحية وأثرية دولية، بما في ذلك افتتاح المتحف المصري الكبير (GEM)، الذي يتزامن مع الذكرى المئوية لاكتشاف قبر الملك توت عنخ آمون في 4 نوفمبر/تشرين الثاني.
هذه الاستراتيجيات السياحية ليست هي الخطة الرئيسية الوحيدة التي تلجأ إليها مصر في محاولة لإخراج اقتصادها من الركود الاقتصادي. كانت الدولة التي تغلب عليها الشمس قد طلبت من صندوق النقد الدولي مساعدة بقيمة 3.5 مليارات دولار حيث تضررت بشدة من الحرب الروسية – الأوكرانية، بالإضافة إلى تداعيات خفض قيمة العملة كجزء من الإصلاحات الموعودة. تشير التقديرات إلى أن البلاد تتحمل ديونًا ضخمة تبلغ 400 مليار دولار.
من الواضح أن مصر تكافح من أجل إنعاش قطاعها السياحي وبالتالي الاقتصادي، ومع خروج ماضيها اللامع من الرمال الذهبية الشاسعة للبلاد، فإن الوقت وحده هو الذي يمكن أن يكشف عن مدى نجاح هذه الجهود.