في محصّلة أكثر من أسبوعين من المناقشات والخلافات، خرجت الدول الفقيرة والنامية الأكثر تضرراً من التغيرات المناخية التي تتسبب بها الدول الغنية، من مؤتمر الأطراف حول المناخ (كوب27) بإتفاق أقل ما يمكن وصفه بانه تاريخي عبر إقرار إنشاء “صندوق للخسائر والاضرار” التي تتكبدها. لكن هذا الاجراء غير المسبوق لا يعني أنها كسبت الحرب. بل هي جولة على مسار طويل مقبل من الكباشات بعد طوي صفحة المؤتر الذي أقر أيضاً خفضاً “سريعاً” للانبعاثات الدفيئة ولكن من دون تحديد أهداف جديدة، وهو ما أثار امتاض الكثيرين.
والسؤال الذي يطرح اليوم بقوة: ماذا بعد “كوب 27″؟
صندوق “الخسائر والأضرار”
قرر المؤتمر الذي جمع معظم قادة ومسؤولي الدول في العالم من تنظيم الأمم المتحدة في شرم الشيخ، إنشاء صندوق لتعويض الأضرار المناخية التي تتكبدها. مع أن هذه المسألة لم تكن مدرجة أساساً على جدول الأعمال، رغم مساعي الدول النامية الى إدراجها منذ سنوات طويلة في المؤتمرات السابقة من دون أن تفلح في ذلك بسبب رفض الدول الغنية.
فالدول النامية والفقيرة، ولاسيما دول القارة الافريقية، تساهم بشكل محدود جداً في التغير المناخي، لذا كانت تطالب بآلية مالية محددة ودائمة لتعويض “الخسائر والأضرار” التي تتكبدها وتقدر من الآن بعشرات مليارات الدولارات.
لكن الدول الغنية المسؤولة الرئيسية عن انبعاثات غازات الدفيئة كانت ترفض هذه الآلية على مدى سنوات خشية خصوصا من تحميلها مسؤولية قانونية في هذا المجال.
من هنا، فإن موافقة كل الجهات على البيان الختامي الذي نص على إنشاء صندوق “الخسائر والأضرار” هو نقطة إيجابية تسجل للدول النامية والفقيرة بـ”كسرها المحرّمات”. ويمكن بكل بساطة وصف بانه “تاريخي” بعد الصعوبات التي رافقت ولادته والتي استوجبت تمديد الاجتماع لوقت إضافي استمر حتى صباح الأحد.
إذ شكلّت الدول النامية جبهة موحدة واحتشدت وراء اقتراح عرضته مجموعة “77+الصين” التي تضم أكثر من 130 دولة.
كما حصلت مداولات كثيرة في الكواليس مع نشر معلومات عن مسودات ومسودات مضادة من دون توزيع نصوص ملموسة.
وبقيت الولايات المتحدة، ثاني أكبر ملوث في العالم، متكتمةً للغاية تاركة الأوروبيين يتولون المواجهة. ووافق الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف على مبدأ إنشاء صندوق خاص.
وكادت المفاوضات أن تفشل حتى اللحظة الأخيرة مع تشديد الدول المتطورة على موقع الصين خصوصاً في هذه الآلية. بمعنى آخر: هل يجب أن تكون مساهماً أو مستفيداً منها؟ من هنا، جاء تشديد الدول المتطورة على ضرورة الإشارة صراحة إلى توجُّه الصندوق لـ”أكثر الدول ضعفاً”.
وتم التوصل إلى اتفاق في نهاية المطاف خلال اجتماع توفيقي بعد تحول في موقف الدول الجزرية الصغيرة المهددة جداً بتداعيات التغير المناخي.
وينص الاتفاق على تشكيل لجنة خاصة للبت بالتفاصيل العملانية بحلول مؤتمر الأطراف المقبل (كوب28) بعد 12 شهراً في دبي.
أما وقد أقر هذا الإتفاق، فإن المعركة لن تنتهي مع إقرار الصندوق في شرم الشيخ، إنما ستبدأ المعركة الفعلية حول تحديد الجهة التي ستدفع الأموال وتلك التي ستتلقاها والتي لم تتحدد في الاتفاق. وهنا يبدأ التحدي من اليوم.
خفض “سريع” للانبعاثات
كذلك، أقر المؤتمر إعلاناً ختامياً يحث على خفض “سريع” لانبعاثات الغازات الدفيئة ويعيد التأكيد على هدف حصر الاحترار بـ1.5 درجة مئوية، ولكن من دون تحديد أهداف جديدة مقارنة بـ”كوب 26″ العام الماضي في غلاسغو.
وهو الامر الذي أثار استياء الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي أسف لكون المؤتمر فشل في وضع خطة لـ”خفض الانبعاثات بشكل جذري”.
وقال غوتيريش: “كوكبنا لا يزال في قسم الطوارئ. نحتاج إلى خفض جذري للانبعاثات الآن وهذه مسألة لم يعالجها مؤتمر المناخ هذا”.
كما أعرب الاتحاد الأوروبي عن خيبة أمله. وقال نائب رئيسة المفوضية الاوروبية فرانس تيمرمانس في الجلسة الختامية للمؤتمر “ما لدينا ليس كافياً كخطوة للأمام (..) ولا يأتي بجهود إضافية من كبار الملوثين لزياد خفض انبعاثاتهم وتسريعه”، واضاف “خاب أملنا لعدم تحقيق ذلك”.
وكان النص المتعلق بخفض الانبعاثات موضع نقاشات حادة. إذ نددت دول كثيرة بما اعتبرته تراجعاً في الأهداف المحددة خلال المؤتمرات السابقة، ولا سيما إبقاء هدف حصر الاحترار بـ1.5 درجة مئوية مقارنة بما قبل الثورة الصناعية “حياً”.
لا تسمح الالتزامات الحالية للدول المختلفة بتاتاً بتحقيق هدف حصر الاحترار بـ1.5 درجة مئوية. وتفيد الأمم المتحدة بأنها تسمح بأفضل الحالات بحصر الاحترار بـ2.4 درجة مئوية في نهاية القرن الحالي، لكن مع وتيرة الانبعاثات الحالية قد ترتفع الحرارة 2.8 درجة مئوية وهو مستوى كارثي. فمع بلوغ الاحترار حوالى 1.2 درجة مئوية حتى الآن، كثرت التداعيات الكارثية للتغير المناخي.
وفي الإعلان الختامي للمؤتمر، أعادت الدول التأكيد على قرار سابق بالتخلص التدريجي من الفحم. ومع ذلك، لم يتم ذكر النفط والغاز في الوثيقة.
الصين والولايات المتحدة
بعدما أسدلت الستارة عن المؤتمر، تطرح تساؤلات عديدة عن العلاقة بين الصين والولايات المتحدة اللتين تعتبران اكثر الدول انبعاثا للغازات.
فهذه العلاقة شابتها الكثير من التوتر دفعت ببكين الى تعليق تفاوضها مع واشنطن في خصوص مكافحة التغير المناخي.
وتطالب بكين بمقابل لقاء تعاونها في مسألة المناخ، اذ تحض واشنطن على وقف إدانة سياساتها تجاه هونغ كونغ، والتراجع عن الدعم العام لتايوان.
وفي مؤتمر المناخ، حصلت لقاءات بين رئيسي وفدي البلدين، ويتوقع ان يستمر التعاون المباشر بينهما بعد المؤتمر، كما أعلن كبير مفاوضي الصين بشأن المناخ، شيه زينهوا بعد لقائه نظيره الأميركي جون كيري.