على وقع المشهد الدراماتيكي الذي ييعشه لبنان مع استمرار التدهور الكبير في العملة المحلية، حذر صندوق النقد الدولي يوم الخميس من أن لبنان في وضع خطير للغاية بعد مرور عام على تعهده بإصلاحات فشل في تطبيقها، وحث الحكومة اللبنانية على التوقف عن الاقتراض من البنك المركزي.
وكان لبنان وقع اتفاقا على متسوى الموظفين مع صندوق النقد الدولي في ابريل من العام 2022 على أن يتم التوقيه النهائي معه بعدما يقر مجموعة من الاصلاحات التي اشترطها صندوق النقد كبطاقة عبور للحصول على مبلغ 3 مليارات دولار لمدة أربع سنوات. لكن لبنان لم يتوصل بعد حوالي عام على التوقيع الأولي الى تنفيذ المطلوب منه في وقت تتضاءل الآمال بامكان التوصل الى اتفاق نهائي.
رئيس بعثة الصندوق إرنستو ريغو راميريز حض في مؤتمر صحافي في بيروت، السلطات على تسريع تنفيذ اشتراطات الصندوق للحصول على حزمة الإنقاذ.
“كنا نتوقع المزيد في ما يتعلق بتطبيق وإقرار التشريعات” المتعلقة بالإصلاحات المطلوبة، قال ريغو راميريز، مستعيداً عبارة سابقة للصندوق وهي أن التقدم “بطيء للغاية” في هذا الصدد.
وتابع “لبنان في وضع خطير للغاية”.
وحذر صندوق النقد في بيان مكتوب عن خبراء الصندوق في ختام بعثة مشاورات المادة الرابعة لعام 2023، من أن لبنان “سيغرق في أزمة لا تنتهي” في حال عدم تنفيذ إصلاحات سريعة.
وكانت بعثة من صندوق النقد الدولي قامت بزيارة إلى العاصمة اللبنانية بيروت في الفترة من 15-23 مارس/آذار 2023 لإجراء مشاورات المادة الرابعة وتقييم الوضع الاقتصادي ومناقشة أولويات السياسات.
وبحسب بيان البعثة، “من المتوقع أن تظل مستويات البطالة والفقر مرتفعة، مع استمرار تراجع الإمكانات الاقتصادية. ومن شأن بقاء الوضع الراهن أن يزيد تقويض دعائم الثقة في المؤسسات الوطنية والاستمرار في تأجيل الإصلاحات سيؤدي إلى استمرار القيود التي تكبح الاقتصاد، مع ما لها من تبعات على البلد ككل تصعب إزالتها، ولا سيما على شريحة الأسر منخفضة الدخل إلى متوسطة الدخل. ومع ازدياد الشعور بعدم اليقين سيزداد ضعف المركز الخارجي ويستمر نزيف الاحتياطيات الدولية الشحيحة لدى مصرف لبنان. وسيستمر هبوط سعر الصرف والتضخم المتزايد دون هوادة، مما يؤدي إلى تسارع مخاطر الدولرة النقدية المرتفعة بالفعل. وسيزداد الطابع غير الرسمي للاقتصاد أكثر، مما يقلص مجال تحصيل الضرائب ويفرض المزيد من القيود على الإنفاق من الموازنة العامة، مع زيادة مخاطر ترسخ الأنشطة غير المشروعة في الاقتصاد”.
وشددت البعثة على انه “بدون الإقرار بفجوة القطاع المصرفي الكبيرة والتصدي لها بمصداقية، لن يكون بوسع المصارف تقديم الائتمان الكافي لدعم الاقتصاد، وسيستمر تحمل صغار المودعين خسائر فادحة على مسحوباتهم بالنقد الأجنبي، بينما تظل الودائع المتوسطة إلى الكبيرة محبوسة إلى أجل غير مسمى. ومن جهة أخرى، من المتوقع أن تتسارع وتيرة الهجرة خارج البلاد، ولا سيما هجرة العمالة الماهرة، مما يزيد من إضعاف فرص النمو المستقبلية”.
وأصيب الاقتصاد بالشلل جراء انهيار العملة التي فقدت نحو 98 في المئة من قيمتها أمام الدولار منذ 2019، مما دفع التضخم إلى خانة المئات وتسبب في شيوع الفقر وتزايد الهجرة من البلاد.
وتقدر الحكومة إجمالي الخسائر في النظام المالي بأكثر من 70 مليار دولار، معظمها مستحقة لمصرف لبنان.
وقال ريغو راميريز “لا مزيد من الاقتراض من المصرف المركزي.. على مر السنين، كانت الحكومة تقترض من المصرف المركزي. ليس فقط في الماضي (ولكن أيضاً) في الأشهر القليلة الماضية، وهو أمر أوصينا بوقفه”.
ودعا صندوق النقد إلى توزيع خسائر القطاع المالي بطريقة تحافظ على حقوق صغار المودعين وتحد من اللجوء إلى أصول الدولة. وعارض سياسيون كبار ومصارف هذه الخطوة مما أدى إلى تأخير التعافي.
وتابع ريغو راميريز “يكفي أن نقول إن الخسارة كبيرة للغاية بحيث لا بد للأسف أن يكون هناك توزيع للخسائر بين الحكومة والبنوك والمودعين”.
ومع ذلك، قال إن صندوق النقد “لن ينسحب أبدا” من جهود مساعدة دولة عضو، وليس هناك موعد نهائي للبنان لتنفيذ الإصلاحات.
وبحسب بيان صندوق النقد الخميس، يجب قانون السرية المصرفية المعدل مرة أخرى “لمعالجة نقاط الضعف الحرجة البارزة”.
وقال ريغو راميريز “إن لبنان يجب أن يتجه نحو سعر صرف تحدده السوق، بدلا من الإبقاء على أسعار صرف متعددة بما يشمل سعر الصرف على منصة صيرفة التابعة لمصرف لبنان، والذي لا تحدده قوى السوق”.