يحتاج قطاع النفط والغاز إلى استثمارات بمئات مليارات الدولارات كي يتمكن من تلبية الزيادة في الطلب العالمي. ويرتبط ارتفاع أسعار النفط بالحجم المتناقص لهذه الاستثمارات، وهو ما يؤكد عليه باستمرار المسؤولون المعنيون في الدول المنتجة للنفط.
مسألة الاستثمارات في قطاع النفط كانت على طاولة قمة جدة للامن والتنمية التي عقدت في الرياض في 16 يوليو/تموز بحضور الرئيس الاميركي جو بايدن الذي يطالب دول “أوبك” بزيادة انتاجها من أجل احتواء تداعيات ارتفاع أسعار النفط.
خلال القمة، انتهزت المملكة العربية السعودية الفرصة للتحدث بصراحة عن السياسات التي تروج إلى “التخلي عن الوقود الأحفوري بشكل عاجل”، فدعت إلى تحقيق التوازن بين المتطلبات البيئية وأمن الطاقة.
ففي كلمته، أعاد ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان أن التحديات العالمية “تقتضي التعامل مع التغيّر المناخي بواقعية ومسؤولية لتحقيق التنمية المستدامة من خلال تبني نهج متوازن، بالانتقال التدريجي والمسؤول نحو مصادر طاقة أكثر ديمومة”.
وأكد أهمية مواصلة ضخ الاستثمارات في الطاقة الأحفورية وتقنياتها النظيفة وتشجيع ذلك على مدى العقدين القادمين لتلبية الطلب المتنامي عالمياً، مع أهمية طمأنة المستثمرين بأن السياسات التي يتم تبنيها لا تشكل تهديداً لاستثماراتهم لتلافي امتناعهم عن الاستثمار وضمان عدم حدوث نقص في إمدادات الطاقة من شأنه أن يؤثر في الاقتصاد العالمي.
الطاقة الاحفورية
رغم التقدم الملحوظ في استخدامات الطاقات البديلة في الكثير من التطبيقات مثل الكهرباء والنقل والصناعة، إلا أنها لا تشكل حلولاً للأجل الطويل، وبالتالي فإن الطاقة الأحفورية ستبقى جزءاً أساسيا من مزيج الطاقة العالمي على المدى المنظور.
بحسب شركة الاستشاراتIHS Markit ، فإن هذا النقص في الاستثمارات يهدد بحصول عدة أزمات طاقة خلال مرحلة التحول الطاقوية، متوقعاً حدوث صدمات سعرية متكررة ناتجة عن التباين ما بين التحول البطيء في أنماط استهلاك الطاقة من جهة، ومن جهة أخرى تآكل القدرات الإنتاجية من النفط والغاز لسد الطلب جراء الاستثمارات غير الكافية.
منتدى الطاقة العالمي
انخفض الاستثمار في النفط والغاز في عامي 2020 و 2021 بسبب الوباء ، وهو “وصفة لمزيد من التقلبات”، بحسب الأمين العام لمنتدى الطاقة العالمي جوزيف ماكمونيغل في جلسة بمؤتمر النفط العالمي.
وبلغت التخفيضات الرأسمالية لشركات النفط العالمية وشركات النفط الوطنية في 2020 نحو 35 في المئة. وفي 2021، حصل انخفاض آخر بنسبة 23 في المئة في مستويات الإنفاق الرأسمالي من مستويات ما قبل الجائحة.
فمثلا، أنفقت شركات التنقيب والاستخراج في العام 2019 مبلغ 525 مليار دولار، وهو مبلغ انخفض الى 341 مليار دولار في 2021.
“علينا أن نعود إلى مستوى 525 مليار دولار على مدى عدة سنوات حتى عام 2030 لاستعادة توازن السوق.. أخشى أن ما نراه أن أزمة الطاقة على أعتابنا”، يحذر ماكمونيغل في كلمته التي ألقاها في نهاية العام الماضي اي قبل الارتفاع الكبير في أسعار النفط واندلاع الحرب الروسية – الاوكرانية التي عززت هذه الارتفاعات والتي كانت بدأت في 2021.
بحسب منتدى الطاقة العالي، فانه في حين أن التخفيضات الأولية في النفقات الرأسمالية في قطاع النفط كانت مدفوعة بانهيار الطلب الناجم عن عمليات الإغلاق الوبائي، استمر هذا الاتجاه بسبب مشكلات سلسلة التوريد ونقص العمالة. وفي الأشهر الأخيرة ، أدى الصراع بين روسيا وأوكرانيا والتضخم العالمي وعدم اليقين بشأن السياسة إلى تفاقم الأزمة.
يشير ماكمونيغل إلى أن الشركات في مرحلة قرار الاستثمار النهائي يجب أن تأخذ التضخم في الاعتبار وحتى إعادة النظر في قرارات الاستثمار النهائي السابقة.
وكان قطاع التكرير والمعالجة والتسويق الأكثر تأثراً بتأثير نقص الاستثمار مع الارتباك في السياسات وإزالة الكربون مما يسهم في تزايد العجز في قدرة التكرير.
لا بديل عن الهيدروكربونات
ورغم أن شركات النفط أبلغت عن أرباح قياسية في الربعين الماضيين، أدى عدم اليقين في السياسة إلى جانب ضغوط المستثمرين للحفاظ على انضباط رأس المال والمحافظة على كل ما له علاقة بمتطلبات البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG)، إلى الإحجام عن زيادة النفقات الرأسمالية.
“لا يوجد بديل عن الهيدروكربونات (اي النفط والغاز) في تحول الطاقة”، يقول المنتدى. “رغم انخفاض الطلب بمعدل قياسي من 8 إلى 10 ملايين برميل يوميًا خلال كوفيد، لا يزال العالم يستخدم 90 مليون برميل يومياً عندما كنا في حالة إغلاق اقتصادي عالمي، مما يوضح مدى انتشار الهيدروكربونات في الاقتصاد العالمي.”
يحذر المسؤول في منتدى الطاقة العالمي من أن “كبح الاستثمار والعرض قبل الطلب لن يؤدي إلا إلى ارتفاع الأسعار والتقلبات”، ومن أن الأسعار قد ترتفع عن المستويات الحالية في النصف الثاني من عام 2022”.
وكان رئيس وكالة الطاقة الدولية، فاتح بيرول، ذكر في مقابلة مع “فاينانشيال تايمز” قبل أشهر، أن قطاع النفط والغاز بحاجة إلى استثمارات بمئات مليارات الدولارات كي يتمكن من تلبية الزيادة في الطلب العالمي. وأشار إلى أن الاستثمار في الطاقة المتجددة أو النظيفة (الشمس والرياح وغيرهما) يجب ألا يكون على حساب الاستثمار في النفط والغاز.
الاستثمار في إمدادات الطاقة التحدي الأكبر
شركة Hess ، وهي شركة عالمية رائدة ومستقلة في مجال الطاقة ومقرها الولايات المتحدة، ترى أن الاستثمار في إمدادات الطاقة يمثل “التحدي الأكبر الذي تواجهه صناعة النفط والغاز اليوم. “نحن بعيدون جدًا عن المكان الذي نريد أن نكون فيه” يقول رئيسها التنقيذي جون هيس. فرغم أن البحث والتطوير يرتفعان في الطاقات والتقنيات البديلة التي تهدف إلى التنويع، وفي مرحلة ما القضاء على الوقود الأحفوري إلى حد كبير ، فإن النفط والغاز سيظلان في قلب استخدام الطاقة في العقود القليلة القادمة، بحسب هيس.
في نهاية المطاف، على المستثمرين أن يدركوا أنه كي يكون لدينا انتقال طاقة منظم، فإن النفط والغاز هما جزء من الحل وليس المشكلة.