منذ أيام، كشفت الحكومة المصرية النقاب عن مسودة “وثيقة سياسة ملكية الدولة”، التي تحدد المجالات التي ستتخارج منها لمصلحة القطاع الخاص، وتلك التي ستستمر فيها بالشراكة مع القطاع الخاص، والأخرى التي ستزيد فيها استثماراتها، خلال السنوات الثلاث المقبلة، وذلك من أجل مواجهة أزمتها الاقتصادية الخانقة.
وكان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي كشف في الخامس عشر من الشهر الجاري عن بعض ملامح الوثيقة، معلناً أن مصر ستدرج 10 من أكبر الشركات المملوكة للدولة والعسكرية في البورصة بحلول نهاية هذا العام، وسيتم بيع العديد من الأصول الأخرى على مدى السنوات الثلاث المقلة حتى العام 2025 والتي تبلغ قيمتها 40 مليار دولار، من أجل جذب المستثمرين الأجانب وكذلك التخفيف من الوضع الاقتصادي الحالي.
وتستهدف الحكومة المصرية زيادة نسبة القطاع الخاص في الاستثمارات المنفذة إلى 65 في المئة خلال 3 سنوات مقارنة بنحو 30 في المئة حالياً.
والثلاثاء، راجع مدبولي مع فريق عمله المسودة النهائية لـ”وثيقة سياسة ملكية الدولة”، على أن تعرض على مجلس الوزراء في صورتها النهائية، ثم طرحها للحوار المجتمعي.
وكانت الحكومة المصرية أعلنت أنها أنجزت تقييم ما يمثل 9.1 مليارات دولار من أصل عشرة مليارات دولار، هي قيمة الأصول المملوكة للدولة التي تعتزم طرحها في أول سنة من السنوات الأربع التي تنوي الدولة فيها طرح أصول قيمتها 40 مليار دولار (بواقع عشرة مليارات دولار كل سنة).
ويتوقع أن تطلق صفارة البيع قريباً بعد إفراج صندوق النقد الدولي على قرض ضخم تسعى الحكومة المصرية للحصول عليه لمواجهة أزمتها.
مسودة “وثيقة سياسة ملكية الدولة”
نشرت الصحف المصرية منذ أيام تسريبات عن مسودة “وثيقة سياسة ملكية الدولة” التي تتوقع أن تنجز في صيغتها النهائية قبل نهاية الشهر الحالي.
وأبرز ما تناولته هذه التسريبات أن الدولة ستتخارج من جميع استثماراتها وملكياتها بنحو 79 نشاطاً. فيما تُبقي على استثماراتها في 45 نشاطاً، مع الاتجاه لخفضها والسماح بمشاركة أكبر للقطاع الخاص. وتشير المسودة إلى قرار الدولة الإبقاء على استثماراتها في نحو 27 نشاطا مع الاتجاه لزيادتها مستقبلاً.
وتشمل لائحة الشركات الحكومية التي سيتم خصخصتها قطاعات حيوية، منها موانئ ومصارف وفنادق وشركات اتصالات وتعليم، وطاقة وتحلية مياه و10 شركات قطاع أعمال عام، وشركتان تابعتان للقوات المسلحة. إضافة إلى إعادة هيكلة قطاع النقل البحري والبري والسكك الحديد.
وحددت المسودة 3 مستويات لتواجد الدولة في الأنشطة الاقتصادية:
– الأول التخارج بشكل كامل خلال 3 سنوات.
– الثاني الإبقاء مع تثبيت وتخفيض الاستثمارات الحكومية مع السماح بمشاركة القطاع الخاص.
– والثالث الإبقاء مع تثبيت أو زيادة الاستثمارات والسماح بمشاركة القطاع الخاص.
ومن إيجابيات عمليات الطرح الحكومية في البورصة أنها تؤدي إلى زيادة حصيلة الدولة من النقد الأجنبي، كما توفر مصدر تمويل للحكومة منخفض التكاليف دون تحملها أعباء الديون.
طرح الموانئ الإستراتيجية
ومن المتوقع أن يساهم طرح الموانئ الإستراتيجية في البورصة، في استعادة شهية الاستثمار الأجنبي ولاسيما استثمارات الدول المصدرة للنفط التي تعيش اليوم أحدى أفضل فترات الذروة، وذلك لأهمية الكيان الإستراتيجي المزمع طرحه.
وتعتبر العلاقة بين مصر ودول الخليج استراتيجية، حيث أن التوقعات أن يكون لهذه الاخيرة حصة مهمة. وكانت دول خليجية عدة منها السعودية والامارات والكويت وقطر، وجّهت في ابيرل/نيسان ما يصل إلى 22 مليار دولار إلى مصر لمساعدتها في التغلب على أزمة في العملة.
كذلك، سيكون لهذه الخطوة تأثير إيجابي بالتأكيد على قطاع النقل والتجارة، حيث ستؤدي إلى زيادة عدد شركاته المتداولة بالبورصة المصرية، بما يسهم في جذب مستثمرين جدد للقطاع.
مع الاشارة هنا إلى أن شركة “القابضة”، أحد صناديق أبوظبي السيادية، استحوذت في أبريل/نيسان الماضي، على 32 في المئة من أسهم “الإسكندرية لتداول الحاويا”ت، ضمن صفقة تضمنت حصصاً في 5 شركات مقيّدة ببورصة مصر مقابل نحو 1.8 مليار دولار.
وقد أثار قرار الحكومة دمج الموانئ وإدراج جزء في البورصة انتقادات باعتبار هذا القطاع أمناً قومياً، ما دفع وزير النقل المصري كمال الوزير الى الدفاع عن خطط الحكومة في هذا المجال، قائلاً “لا بيع.. ستبقى الحكومة رقابية ومشرفة”.
الوضع الاقتصادي
ويأتي هذا القرار الكبير في وقت يعاني الاقتصاد المصري من أزمة اقتصادية نتيجة الحرب الروسية – الأوكرانية، ومن ضغوط شديدة على سوق الصرف الأجنبي والعملة المحلية، وتراجع في إيرادات النقد الأجنبي، وزيادة تكلفة الواردات خاصة الحبوب والأغذية والوقود جراء تداعيات الحرب، وزيادة أسعار القمح عالمياً.
“لقد وضعت تداعيات الحرب عبئًا ثقيلًا علينا ماليًا. ونتوقع 130 مليار جنيه (7.1 مليارات دولار) تأثيرات فورية، فضلا عن 335 مليار جنيه (18.3 مليار دولار) من الآثار غير المباشرة نتيجة ارتفاع أسعار السلع مثل القمح والنفط وحتى أسعار الفائدة”، قال مدبولي حين إعلانه عن القرار الجريء.
وتوصيف الجريء في محله، كونه أتى بعد سنوات من الاتهامات لشركات الدولة بمزاحمة الاستثمارات الخاصة، لترسم الحكومة بمشروعها الضخم خارطة طرق تمنح من خلالها القطاع الخاص حصة مضاعفة في الاقتصاد.
وحققت مصر نمواً اقتصاديا في أول تسعة شهور من السنة المالية الحالية بلغ 7.8 في المئة، مقابل 1.9 في المئة قبل عام. فيما بلغ معدل النمو 5.4 في المئة في الربع الثالث من السنة المالية الحالية، مقارنةً بـ2.9 في المئة قبل عام.
وخفّضت توقُّعات النمو الاقتصادي للسنة المالية المقبلة 2022-2023 إلى 5.5 في المئة، وهو معدل يقل عن نسبة 5.7 في المئة المتوقَّعة قبل الأزمة الروسية- الأوكرانية.