لأن روسيا وأوكرانيا هما مصدّران أساسيان للمواد الغذائية، فإن الخسائر التي تترتب عن الصراع بينهما تتعدى حدودهما. والخوف اليوم من أزمة غذاء عالمية مدفوعة أيضاً بارتفاع قياسي في أسعار المواد الغذائية.
فمع تحول مزارع أوكرانيا إلى ساحات قتال، أدى عدم اليقين بشأن الصادرات الزراعية للبلاد، وكذلك الصادرات الروسية، إلى خلق حالة طوارئ غذائية عالمية من خلال رفع أسعار القمح والذرة وفول الصويا والأسمدة وزيت عباد الشمس.
يقول تقرير لـصحيفة “نيويورك تايمز”: “أسعار السلع مثل القمح والذرة عالمية، لكن صدماتها غير عادلة. يمكن للبلدان والأفراد الأكثر ثراء استيعاب الزيادات الحادة في الأسعار. فيما يجد الناس في البلدان الفقيرة، مثل السودان وأفغانستان، أن تناول الطعام أغلى بكثير. في السودان، أدى ارتفاع أسعار القمح إلى تضاعف سعر الخبز تقريبًا. نظرًا لأن أوكرانيا وروسيا صدّرا علف الماشية والأسمدة قبل الحرب، فإن تكلفة وصعوبة إنتاج الغذاء ستزداد في الأشهر والسنوات المقبلة.”
وارتفع مؤشر أسعار الحبوب في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) 14.8 في المئة على أساس سنوي، فيما قال البنك الدولي إنّ العقود الآجلة للقمح زادت 60 في المئة منذ بدء الصراع.
ومن خلال تتبع “نيويورك تايمز” للزيادات في أسعار الأطعمة التي تستوردها كل دولة واحتياجات الاستيراد للبلدان، يمكنها تقدير تلك التي من المرجح أن تكافح لسد الفجوة التي خلّفها النقص المحلي وإطعام شعوبها خلال الأشهر المقبلة. “بالإضافة إلى السودان وأفغانستان، تمر مصر بعام صعب. والبلاد هي أكبر مستورد للقمح في العالم، حيث ارتفعت أسعارها بنسبة 33 في المئة عما كانت عليه في نهاية العام الماضي.”
قبل الحرب الروسية -الأوكرانية، لم يكن حوالي 811 مليون شخص حول العالم لديهم ما يكفي من الطعام. يمكن أن يزيد هذا العدد بشكل كبير اليوم، خصوصاً في الوقت بين الزراعة في الربيع وحصاد الخريف عندما ينفد الطعام في كثير من الأحيان.
المزارعون يتعرضون لضغوط
تمتد الأزمة إلى ما هو أبعد من مجرد تأثير صادرات الحبوب على الرغم من أهميتها. فروسيا هي مورد رئيسي للأسمدة. ويعتمد كل محصول رئيسي في العالم تقريباً على مُدخلات مثل البوتاس والنيتروجين. ومن دون استمرار تدفق هذه المواد، سيواجه المزارعون صعوبة أكبر في زراعة كل شيء.
تشير “فايننشال تايمز” في هذا الإطار إلى إن المزارعين يتعرضون لضغوط في جميع أنحاء أوروبا مع ارتفاع تكلفة علف الحيوانات والأسمدة والوقود، وهو الوضع الذي تفاقم بسبب الأزمة الأوكرانية. يحصل الاتحاد الأوروبي على نصف محصول الذرة من أوكرانيا وثلث الأسمدة من روسيا.
“إنها العناصر الأربعة: الأعلاف والأسمدة والوقود والتمويل”، قال أحد تجار الحبوب للصحيفة: “كان للحرب في أوكرانيا تأثير هائل على المزارعين”.
تعمل بروكسل على تخفيف قواعد مساعدات الدولة لدعم مزارعي الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى السماح بالوصول إلى صندوق أزمة بقيمة 500 مليون يورو، لكن الموافقة النهائية يجب أن تأتي من الحكومات الوطنية والبرلمان الأوروبي، وهي عملية قد تستغرق أسابيع.
ماذا عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟
وفقا للصندوق الدولي للتنمية الزراعية التابع للأمم المتحدة (إيفاد)، فإن الحرب في أوكرانيا تسببت في ارتفاع أسعار الغذاء ونقص المحاصيل الأساسية في أجزاء من وسط آسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
فيما حذر برنامج الأغذية العالمي منذ أيام من أن الحرب في أوكرانيا تدفع بالمنطقة “إلى السقوط في براثن الجوع جراء ارتفاع أسعار الغذاء”.
وقال البرنامج إنه مع حلول شهر رمضان الكريم، يشكل الارتفاع الحاد في أسعار السلع الغذائية الأساسية في هذه المنطقة المعتمدة على الاستيراد، تحديات أكبر لملايين من الأسر التي تكافح للحصول على ما يكفيها من الغذاء نتيجة لعدة عوامل اجتمعت معاً وهي، النزاع والتغير المناخي والأزمة الاقتصادية بسبب جائحة كورونا.
“الآن وصلت قدرة الناس على الصمود لمرحلة حرجة حيث تتسبب هذه الأزمة في حدوث صدمات عارمة بأسواق الغذاء مما يؤثر على كل منزل في هذه المنطقة. ولا يوجد أحد بمنأى عن هذا”، قالت المديرة الإقليمية لبرنامج الأغذية العالمي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كورين فلايشر.
حتى قبل اندلاع تلك الحرب في أوكرانيا، لم تكن المواد الغذائية الأساسية في متناول الفئات الأكثر ضعفًا بسبب التضخم وارتفاع الأسعار، حيث بلغت أسعار الغذاء أعلى رقم قياسي على الإطلاق في فبراير/شباط 2022، وفقًا لمؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الغذاء.
وليس لدى برنامج الأغذية العالمي حاليًا إلا 24 في المئة فقط من احتياجاته التمويلية لعملياته في سوريا، و31 في المئة لعملياته في اليمن. ونظرًا لنقص التمويل، فقد اضطر البرنامج إلى تقليل حصص الأغذية في كلا البلدين. ماذا يعني هذا الامر؟ هذا يعني أن المزيد من الخفض في المساعدات قد يدفع الناس إلى المزيد من الجوع.