قيل في الماضي إن البرمجيات تستنزف العالم وتلتهمه، لكن مؤخراً، وتحديداً في عالم ما بعد الجائحة، أصبح بالإمكان تعديل تلك العبارة لتصبح: البرمجيات “تمكّن” العالم.
فمع تزايد انتقال المؤسسات نحو نظم تحكم مبنية على البرمجيات، تتيح تلك النظم مستويات جديدة من المرونة والسرعة في الاستجابة للتطورات العالمية والتعامل معها، والاستجابة السريعة للتداعيات المرتبطة بالمناخ، وتوجهات السوق المتغيرة دوماً، إلى جانب ضمان الأمن والاستدامة.
اضطرابات عالمية غير مسبوقة
كشفت الاضطرابات الأخيرة، التي ظهرت في مختلف أنحاء العالم، ضعف سلاسل التوريد، وخضوعها لتأثيرات يصعب التنبؤ بها. فإلى جانب الأوضاع الدولية، تفاقمت أحداث غير متوقعة، مثل تعطيل ناقلة جانحة لمسار الملاحة في قناة السويس، وتأثيرات التغيّر المناخي، بدءاً من حرائق الغابات في كاليفورنيا والفيضانات في أوروبا والجفاف في أستراليا ووصولاً إلى موجات الحر الأخيرة ودرجات الحرارة القياسية في عدة قارات.
ويفرض كل ذلك على المؤسسات ضرورة التكيف مع واقع جديد خلال فترة قصيرة، سواء بسبب تعطّل التبادل التجاري، أو تقلب أسعار الطاقة، أو عدم القدرة على الوصول للأسواق. وأثّر نقص وتأخر الإمدادات عالمياً على قطاع الإنشاءات وصناعة السيارات وحتى على توفر المواد الغذائية بصورة ملحوظة.
النمذجة، التخطيط، الانتقال
ويحتّم التأقلم مع تلك السيناريوهات امتلاك المرونة وسرعة الحركة، مع قدر أكبر من الإشراف والمتابعة لبناء منظومة أعمال قوية ومرنة تقوم على ثلاثة محاور هي، النمذجة والتخطيط والانتقال.
ويقتضي ذلك وجود أنظمة برمجية تربط كل جوانب العمليات، وتبرزها وتجعلها قابلة للقياس ويمكن التحكم بها.
لن يفيد بعد الآن الاكتفاء بالإبلاغ عن العمليات على مستوى المؤسسة، فوفقا لدراسة أجرتها BCG للاستشارات، فإن قرابة 70% من الشركات حول العالم لم تستطع تحقيق كامل أهداف تحولها الرقمي أو تعثرت في ذلك، وينطبق الأمر نفسه على الشركات العاملة في كل أنحاء العالم، والتي تواجه بدورها تحديات مماثلة.
ولهذه الأسباب، ستحتاج الشركات، لا سيما منها المتواجدة في المنطقة، إذا ما أرادت تعزيز النمو والمنافسة، امتلاك القدرة على النمذجة والتنبؤ بكيفية تأثير التغييرات اللازمة على الإنتاج والربحية وأهداف الاستدامة.
20 – 30 – 50
اليوم، تبرز تبرز أنظمة جديدة تتيح تحقيق ذلك المستوى الجديد من الاطلاع والتحكم. ويُتوقع الآن من الأنظمة المؤسسية المستقبلية في الشركات والمؤسسات امتلاك مزيج تشكّل مراكز البيانات الأساسية 20% منه، بينما تشكل الحوسبة السحابية العامة 30% منه، على أن تشكل الحوسبة الحدية 50% منه خلال السنوات الثلاث المقبلة.
سيفضي ذلك إلى مستويات جديدة من أجهزة الاستشعار (إنترنت الأشياء الصناعي) والمتابعة والاطلاع والإدارة والتحليل. وستشرف الأنظمة المعتمدة على الحلول السحابية على تلك الهيكليات الجديدة، لتشمل قطاعات هامة، بدءاً بخطوط التصنيع وتجارة التجزئة ووصولاً إلى معدات الرعاية الصحية، وعمليات النشر المتطورة،،ومرافق البيانات الإقليمية، ومراكز المعلومات الرئيسية.
وهذه الأنظمة والتقنيات الجديدة الذكية لا توفر مجرد الاطلاع على البيانات، إنما ستسمح بتنظيم البنية التحتية للبيانات، مع القدرات الناشئة لإدارة البنية التحتية لمراكز البيانات من الجيل الثالث 3.0.
التدابير الوقائية
ولعل العنصر الأهم لهذا العالم الجديد، الذي تمكّنه البرمجيات، هو التكامل الشامل بين الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي. فوفقا لدراسة أجرتها PwC للاستشارات، فإن تأثير الذكاء الاصطناعي على الأعمال في الشرق الأوسط سيكون كبيرا، حيث من المتوقع أن تستفيد المنطقة اقتصاديا من تطبيقات الذكاء الاصطناعي بما يصل إلى 320 مليار دولار حتى عام 2030، تشكل ما نسبته 2% من إجمالي الفرص الاقتصادية على المستوى العالمي.
وتتحقق المرونة عبر إرساء الثقة والقدرة على توقع المسارات المستقبلية للنمو. وتتيح التحليلات الاستشرافية، عبر التطبيق الشامل لتلك التكنولوجيا، اعتماد أنظمة صيانة وقائية عالية الفعالية يمكنها اكتشاف الأعطال أو منعها، حتى قبل تأثيرها على العمليات.
التكيف مع الرقابة
وقطاع الأغذية هو من الأمثلة على ذلك، حيث يضطر صغار المنتجين في السوق إلى مراجعة معايير تشغيل دفيئاتهم الزراعية كنتيجة مباشرة لارتفاع تكاليف الطاقة.
وعبر مجموعة كاملة من أجهزة الاستشعار، من الأوعية الزراعية إلى رفوف المتاجر، يمكن للمزارعين نمذجة تغير درجة الحرارة، والتنبؤ بمستوى الإنتاجية وتغيرات المحاصيل، وفهم أين يجب اعتماد وسائل تحسين التكلفة للتعامل مع الاحتمالات المختلفة والتغيّرات الطارئة في السوق.
وعن طريق القدرة على معالجة البيانات قرب مواقع جمعها، قبل تحليل النمذجة المركزية للأرقام، يمكن للمزارعين مراجعة وإعادة هيكلة متطلبات العمالة والنقل والتوزيع، بناءً على بيانات دقيقة وتحليلات مستندة إلى المعلومات. ومن الأمثلة الأخرى قطاع الرعاية الصحية، حيث يمكن للكوادر الطبية تحليل مدخلات الأجهزة في عمليات متطورة ترسل المعطيات والمعلومات والبيانات بصورة آنية.
ولا يمكن اعتماد تلك المقاربات لجمع البيانات وتحليلها أولياً دون التكامل بين إمكانيات الحوسبة الحدية وموارد البيانات المركزية، وكذلك عبر إدارة البنية التحتية للبيانات، والتي تبدأ بإدارة البنية التحتية لمراكز البيانات وصولاً إلى مخازن البيانات العملاقة المعروفة باسم “بحيرات البيانات” والتحليلات المبنية على الذكاء الاصطناعي. وعند ربط كل نقاط الاتصال بين المستخدم والتطبيقات، يجب علينا الانتباه لمستوى الأمان والمخاطر المحتملة.
لذا عقدنا شراكات متينة تتيح لنا تقييم المخاطر وضمان تمكّن تطبيقاتنا وخدماتنا من المحافظة على المرونة والأمان والاستدامة لأنظمة تكنولوجيا المعلومات في المستقبل، حتى عندما تعمل تلك الأنظمة في بيئة رقمية تضم هياكل هجينة أو متسارعة النمو.
مقاييس موحدة ومبنية على العلم
ويجب أن يقترن هذان الموضوعان الرئيسيان المتعلقان بالمرونة والأمن بضرورة أساسية أخرى هي الاستدامة.
ومن الفوائد الرئيسية لهذه المنظومة الجديدة في عالم ممكّن بالبرمجيات هي القدرة على تطبيق مقاييس موحدة لقياس وإدارة الانبعاثات والآثار البيئية. ويزداد في هذا الإطار تقبل مختلف المؤسسات والشركات لمقاربة موضوع خفض الانبعاثات بطرق علمية تتيح تحقيق أفضل النتائج وتساعد تلك المؤسسات على فهم أسباب الانبعاثات وتقليصها.
تمكين العالم
رغم وتيرة التغيير التكنولوجي يمكن للشركات والمؤسسات امتلاك تقنيات الإشراف والمتابعة الكاملة على العمليات بفضل أنظمة البرمجيات، والاستفادة من التطورات في مجالات إنترنت الأشياء الصناعي، والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، والحوسبة السحابية المتطورة.
يوفر كل ذلك مستوى من المرونة لم يكن متاحاً سابقاً للتكيف مع التغييرات المتسارعة في عالم اليوم. فالبرمجيات اليوم انتقلت من “تغيير” العالم إلى تمكينه، من خلال إتاحة إدارة أفضل للتحول الرقمي وفهم الفرص والمخاطر، وتوفير الأسس لتحقيق التزامات وأهداف الاستدامة عالمياً.