بتنا نسمع كثيراً عن القوة التحويلية للتكنولوجيا الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والعملات المشفرة والبلوك تشين وقدرتها على الارتقاء بالأعمال بمختلف المجالات، فقد جلب التقدم السريع في التكنولوجيا مجموعة واسعة من الخيارات والابتكارات التقنية التي يتوقع أن تحدث ثورة في طريقة عيشنا وعملنا.
وإذا ما أردنا جني الفوائد الكاملة لهذه التقنيات، فإنه يتعين علنيا إيلاء الأولوية لقيمة الثقة. فقد أدى ارتفاع معدل الجرائم الإلكترونية في المنطقة، وتزايد انتهاكات الخصوصية على مستوى العالم، إلى إلحاق ضرر كبير بمستويات الثقة، الأمر الذي قد يكون له عواقب سلبية وخيمة على اقتصاد المنطقة.
ويعتبر أمن العالم الرقمي من المسائل الحيوية لتطوير هذه الثقة، ويمكن للعلامات التجارية استعادة ثقة العملاء من خلال حماية منصاتها بالشكل المطلوب. ولتحقيق ذلك، يجب أن تركز الشركات على أربعة مجالات رئيسية:
1- تغيير طريقة التفكير بالهوية الرقمية
يمكن أن يساهم الاعتراف بأهمية الهوية الرقمية في تعزيز مستوى الثقة بالخدمات المقدمة عبر شبكة الإنترنت، بداية من وسائل التواصل الاجتماعي وصولاً للخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول.
بعض الشركات لا تقوم بالتحقق من الهويات عند انضمام المستخدمين الجدد إلى أنظمتها الأساسية عبر الإنترنت، الأمر الذي يفتح الباب أمام إعداد حسابات مزيفة وهويات اصطناعية بغرض القيام بأنشطة احتيالية ومسيئة، في حين تهتم شركات أخرى بالتفاعل الأولي عبر الإنترنت مثل تسجيل الدخول إلى الحسابات، ليبقى السلوك اللاحق غير مكتشف.
ويتعين على الشركات في ظل تواصل الثورة الرقمية تعديل آلية تعاملها مع عمليات التحقق من الهوية عبر الإنترنت، إذ تعتمد نماذج المصادقة القديمة بشكل كبير على مسار أو مسارين ضعيفين بدلاً من وضع عدة مصادر وطبقات للبيانات، مما يجعلها غير صالحة للأهداف المرجوة منها ومتاحة للاستغلال.
مع استمرار نمو اقتصاد الإنترنت، فقد بات من الضروري تغيير طريقة تأكيد هوية المستخدمين عبر الإنترنت، ويمكن للتكنولوجيا الحديثة تحديد الأفراد الحقيقيين بدقة، والتأكد من هويتهم، والسماح بمواصلة التفاعل مع حياتهم الرقمية
2- تأكيد الهوية بشكل إيجابي
تعد استراتيجية التحديد الإيجابي للمستخدم الحقيقي الطريقة الوحيدة لضمان وجود مصادقة دقيقة في العصر الرقمي.
معظم تقنيات المصادقة في الوقت الحاضر لا تعتمد هذه الاستراتيجية. ويعد المحتال الذي يستخدم بيانات اعتماد حقيقية مثل اسم المستخدم أو كلمة المرور أو كلمة المرور لمرة واحدة هو المستخدم الحقيقي والمخول للوصول للخدمة عوضاً عن الشخص الذي تم انتحال هويته. ويساهم استخدام القياسات الحيوية السلوكية، وهي ذاكرة قوية وفريدة لجميع المستخدمين، إلى التحقق من هوية الشخص بما لا يدع مجالاً للشك، وتعد من أدوات المصادقة المتقدمة التي لا يمكن للمحتالين تقليدها.
3- اعتماد آليات الحماية متعددة الطبقات
يمكن للشركات الآن توظيف التكنولوجيا لتحديد المستخدم الحقيقي عوضاً عن المحتال المحتمل، ولكن يجب على هذه الشركات تطبيق إستراتيجية حماية متعددة الطبقات.
تتكون الهويات الرقمية من المئات من نقاط البيانات الخاصة بكل مستخدم، مثل تسجيل الدخول وكلمات المرور الخاصة بهم، والموقع الذي يتم فيه استخدام الأجهزة، ومدى سرعة الكتابة أو تمرير الهواتف، والعديد من العوامل الأخرى. تعمل آلية الحماية متعددة العوامل على إنشاء صورة مفصلة للشخص المستخدم، والتي يمكن استخدامها للتحقق من الهوية الحقيقية.
يتم تصنيف البيانات السياقية، مثل الجهاز والموقع والتهديدات، مع القياسات الحيوية السلوكية لتحديد المستخدمين الحقيقيين، الأمر الذي يقلل الاعتماد على مصدر واحد أو كمية محدودة من الأدلة والتي يمكن أن تؤدي إلى نقاط ضعف في العملية. تعتمد هذه الآلية خطوات سهلة لتوفير مصادقة متعددة العوامل.
ومع اكتساب المؤسسات لفهم أفضل لسلوكيات المستخدمين في العالم الحقيقي لحماية أنظمتها، بات بإمكان هذه المؤسسات أيضاً النظر في هذه العوامل لتعزيز الهويات الرقمية مع مرور الوقت، حيث يمتاز هذا النهج بقوته وتفوقه على النماذج التي يتم التنبؤ بها بتقنية الذكاء الاصطناعي، والتي قد تكون متحيزة أو غير دقيقة.
4- تأمين البيانات دون المساومة على معايير الخصوصية
يجب أيضاً مراعاة مبادئ التعتيم والحد من استخدام البيانات إلى جانب تحديد السلوك. وبهدف ضمان أن الشخص هو المستخدم المناسب بناءً على الأنماط السلوكية وليس بيانات التعرف الشخصية، يجب إخفاء البيانات الحساسة حول المستخدمين واحترام خصوصيتهم.
ومع تعبير 67% من المستهلكين في الشرق الأوسط عن ثقتهم بالسلوكيات الأخلاقية للبنوك والخدمات المالية عندما يتعلق الأمر بإدارة واستخدام وحماية بيانات العملاء، وهو ما يعتبر أساساً قوياً يتعين أخذه بعين الحسبان والبناء عليه.
وبهدف طمأنة العملاء حيال آمن بياناتهم ومعلوماتهم، يجب عليهم أن يدركوا أهمية التعريف الرقمي؛ وإلا فإن الخدمات الرقمية ستشكل عائقاً أمام النمو بدلاً من أن تساهم في تعزيزه.
تعد الثقة أساس كل العلاقات الشخصية والمهنية وحتى السياسية الناجحة. ومع ذلك، فقد تضاءلت مستويات الثقة في عالمنا الرقمي سريع التطور، وإن غياب الثقة سيؤدي إلى ضرر طويل الأمد على المجتمع والأعمال المختلفة.
مع ارتفاع وتيرة تفاعل الشركات مع العملاء عبر الإنترنت، يجب أن تدرك هذه الشركات أن الثقة الرقمية من العناصر الأساسية، إن لم تكن العنصر الأكثر أهمية لتوفير الحماية لها. الهوية الرقمية هي أساس الثقة، ولاستعادة الثقة الرقمية، يجب إيلاء الهوية الرقمية أولوية قصوى في جميع المعاملات الرقمية.