وفقاً للنتائج الأخيرة التي توصلت إليها “غوغل”، تعدّ مبيعات الجمعة السوداء (بلاك فرايداي) من بين أكثر المبيعات رواجاً من قبل المستهلكين في كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر.
ومن بين أبرز الموضوعات المرتبطة بالجمعة السوداء هي نمو سلفة BNPL (أو ما يُعرف بـ”اشترِ الآن وادفَع لاحقًا”)، وانتشار عمليات النصب والاحتيال، وتبدّلدور المتاجر الفعلية، وكيف يمكن لتجار التجزئة الإلكترونيين خلق تجارب تسوّق ناجحة ومناسبة إلى حدّ كبير.
لمناقشة جميع هذه المواضيع، نقدّم لكم آراء وتصوّرات حصرية لمجموعة من الخبراء والروّاد في هذا المجال. وعلى رأسه هؤلاء متحدثون رسميون من كل من “إندافا”، وهي شركة خدمات برمجية وتقنية، و”جينيسيس”، وهي مؤسسة متعددة القنوات متخصصة في حلول مراكز الاتصال وتجارب العملاء، بالإضافة إلى خبراء تابعين لشركة “كول ساين” المتخصصة في التحقق ومكافحة العمليات الاحتيالية.
اشترِ الآن وادفَع لاحقاً (BPNL)
يقول نيك كوران، رئيس “إندافا” الشرق الأوسط، إنه نظراً لتأثيرات الوباء والنمو المتسارع للتجارة الإلكترونية، برز مفهوم “اشترِ الآن وادفع لاحقاً” (BPNL) كواحد من أهم اتجاهات البيع بالتجزئة.
“نتوقع أن يستفيد العملاء من الصفقات عبر الإنترنت ويستخدمون خدمات BNPL لِزيادة حجم مشترياتهم مع اقتراب الجمعة السوداء وموسم التسوق في العطلات. ففي العام الماضي على سبيل المثال، أبلغت PayPal عن زيادة بنسبة 400 في المئة في المعاملات على منصة BNPL الخاصة بها خلال فترة الجمعة السوداء”.
وقال إن الحاجة إلى خدمات BNPL تتزايد باطراد في جميع أنحاء الشرق الأوسط. في هذا الإطار، تشير أبحاث صادرة عن شركة “ريدسير” للخدمات الاستشارية (RedSeer Consulting) إلى أن 10 في المئة من المتسوقين عبر الإنترنت في دولة الإمارات سوف يقومون باستخدام خدمة BNPL بحلول العام 2020 ، وهي نسبة من المتوقع أن تزيد إلى 30 في المئة بحلول عام 2026، بحيث من المتوقع أن تحصد 2 مليار دولار من القروص الاستهلاكية.
إقرأ أيضاً: ازدهار مجال البيع التّجزئة في عالم جديد يتّسم بالجرأة
ما الأسباب وراء ازدهار خدمة BNPL؟
تتمثل أبرز العناصر المؤدية إلى ازدهار خدمة BNPL في أنها سهلة المنال والاستخدام وتلبّي احتياجات المستهلكين دون الحاجة لفرض فوائد أو غرامات في حالة إتمام المدفوعات في وقت لاحق.
وهي تحظى بشعبية خاصة لدى عملاء جيل الألفية والجيل Z باعتبارها أداة قادرة على تعزيز التمكين المالي. يستفيد العملاء من إجراءات سريعة ومريحة، وسياسة إرجاع مريحة، وسهولة الحصول على قروض، بالإضافة إلى مرونة في إدارة مواردهم المالية من خلال توزيع تكلفة العناصر على فترات زمنية محددة.
أما بالنسبة لتجار التجزئة، تسمح خدمة BNPL بزيادة المبيعات الخاصة بهم، كما تساعدهم على الاحتفاظ بعملائهم، وتقليل التخلي عن سلة التسوق، دونما تعريضِهم للخطر. يقوم مقدّمو خدمة BNPL بالدفع مقدماً لتجار التجزئة، ويقرضون الأموال للعملاء مع تحمّل جميع التكاليف الإدارية والمخاطر الائتمانية المرتبطة بالبرنامج.
ويضيف كوران أنه “بالرغم من أن اعتماد BNPL قادر على تعزيز المبيعات، فإن الأهمية الحقيقية تكمن في كونها خدمة تتعدّى مفهوم الدفع. إلى ذلك، تمتلك الشركات المتخصصة في تقديم خدمات BNPL كميات كبيرة من البيانات التي قد يستخدمها التجار لزيادة ولاء المستهلكين من خلال اقتراح المزيد من المنتجات المحددة”.
خلق تجربة عملاء ناجحة
يقول عمرو المصري، المدير الإقليمي لشركة “جينيسيس” الشرق الأوسط، إنه في ظل بيئة تنافسية للغاية مع وازهار المبيعات المرتبطة بالجمعة السوداء، يتجه العملاء إلى رفع سقف توقعاتهم التي ينتظرون من تجار التجزئة أن يعملوا على توفيرها.
ويشير المصري إلى أنه “على مدى سنوات خَلَت، سعى تجار التجزئة الأذكياء إلى تخصيص تجارب العملاء. ومع ذلك، تزداد اليوم رغبة المستهلكين في الحصول على ما هو أبعد من مجرد تفاعلات شخصية. إنهم يتوقعون من تجار التجزئة ربط هذه التجارب لإنشاء رحلات ومخصصة وتتّسم بالسلاسة، بحيث تكون قادرة على خلق التعاطف عبر المواقع المادية والقنوات الصوتية والرقمية. يتوجّب على تجار التجزئة الجمع بين البيانات والاستراتيجيات عبر مختلف الوحدات التجارية التي تملك القدرة على التأثير على تجربة المستهلك وجعل هذه اللحظات مترابطة”.
يتيح الذكاء الاصطناعي اليوم لتجار التجزئة استشراف الفرص الجديدة والإفادة منها. يعمل الذكاء الاصطناعي على الإشراك في التفاعلات المستهدفة، وتزويد الشركاء ببيانات المستهلكين، واقتراح الخطوات المناسبة التي تساعدهم في وقت لاحق على تعزيز كفاءَتهم وفعاليتهم. يتيح ذلك فهماً أفضل لطبيعة العملاء، وتوقّع احتياجاتهم، وخلق تَجارب تسوق مخصصة وقابلة للتطوير من خلال الاستفادة من مصادر البيانات المترابطة والتحليلات المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
المتاجر الفعلية وتجارب القنوات الشاملة
يلجأ العمَلاء إلى تفضيل التسوق بالقرب من منازلهم، وهم إلى ذلك يتوقّعون الحصول على تَجارب ممتازة خالية من الضوضاء. وعليه، يتوجّب على تجار التجزئة ابتكار أساليب وطرق قادرة على تعزيز تَجارب التسوق والارتقاء بها.
ينشئ تجار التجزئة في منطقة الشرق الأوسط تجارب فريدة من نوعها تقلل الاحتكاك في عمليات الشراء، مثل عمليات الدفع اللاتلامسية، وواجهات المحلات الرقمية، وغيرها من الخدمات المميزة التي تشمل حجوزات المواعيد والنقر والاستلام. وتعدّ المتاجر المثالية مكاناً يبحث فيه العملاء عن التجارب دون أهداف واضحة للشراء. من شأن تقنيات الذكاء الاصطناعي بالإضافة إلى الروبوتات والواقع الافتراضي/الواقع المعزز وتقنيات الجيل الخامس، أن تساعد التجار على تعزيز تَجارب التسوق داخل المتاجر.
يعيد تجار التجزئة الناجحون التفكير في العمليات والهيكلة لاعتماد نهج يركز على العملاء. إنهم يقومون بتصميم تجارب المستخدمين على نحو يتّسم بالدقة والعناية. مع هجرة المتاجر الفعلية إلى الفضاء الإلكتروني، اكتسبت هذه الممارسات التي تنبع من الخارج إلى الداخل شعبية كبيرة في أوساط قطاع التجزئة. يستلزم هذا التغيير استحداث أنظمة توصيل متعددة، مثل الاستلام في المتجر، وعلى الرصيف، والتسليم الليلي (بين عشية وضحاها).
“ومع ذلك، يدرك تجار التجزئة أهمية القنوات عبر الإنترنت للبحث ومقارنة الأسعار والبحث عن العروض قبل الشراء في المتاجر أو عبر الإنترنت. لا يزال يتعين على معظم تجار التجزئة دمج معلومات العملاء وقوائم الجرد على نحو سليم ينسجم مع العمليات الرقمية وَغبر الرقمية، بالإضافة إلى الدمج بين التجارب المتصلة وغير المتصلة بالإنترنت لتعكس كيفية استخدام العملاء لكليهما خلال رحلات التسوق الخاصة بهم”.
سعيد أحمد
خطر الوقوع مغبّة الممارسات الاحتيالية
من جهته، بلفت سعيد أحمد، العضو المنتدب لشركة “كالساين الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أن خطر الوقوع مغبّة الممارسات الاحتيالية يقبع وراء معظم المعاملات، وتوفر الصفقات المرتبطة بالجمعة السوداء فرصة كبيرة للمحتالين للاستفادة من عوائد التسوق النابعة من أحجام المعاملات.
يقول أحمد: “يجب أن يبحث المستهلكون عن زيادة نشاط التصيد الاحتيالي، حيث يحاول المحتالون خداع العملاء لتسليم أسماء المستخدمين وكلمات المرور عبر البريد الإلكتروني والرسائل النصية، أو عن طريق إرسال روابط إلى مواقع ويب مزيفة”.
أصبح اليوم التمييز بين الرسائل الحقيقية والمزيفة أكثر صعوبة، حيث يستخدم المحتالون نفس الطرق التي تستخدمها المصارف وتجار التجزئة للمصادقة على العملاء الحقيقيين. ظهرت ظاهرة الهندسة الاجتماعية كطريقة للمحتالين للتّلاعب النفسي بالمستهلكين لتحويل الأموال إلى حسابات يملكونها. يُعرف ذلك بالاحتيال المُجاز أو المصرّح به للدفع (أو ما يُعرف بـAPP)، بحيث يصعّب هذا عل المصارف مهمة تمييز هوية العميل المصرّح له إتمام بالدّفع. مع الاحتيال المُجاز، انتشرت رسائل التحذير التي تحذر العملاء من الوقوع في مغبة العمليات الاحتيالية، وبات من السهل تجاهلها.
“في ظل توفّر خدمات الدفع السريعة أو التي تتمّ في الوقت الفعلي حول العالم، من المستحيل استرداد الأموال بمجرد إرسالها، مما يترتّب عنه زيادة على صعيد التكاليف الناتجة عن العمليات الاحتيالية على كاهل المستهلكين ومؤسسات الخدمات المالية على حدّ سواء.
“يُنصح العملاء بعدم النقر فوق أي روابط نصية مشبوهة ترِدهم عبر هواتفهم المحمولة أو بريدهم الإلكتروني. إلى ذلك، نظرًا لكون الرسائل النصية التي تحمل أسماء تجار التجزئة تضرّ بسمعتهم وتقلل من ثقة العملاء في مؤسساتهم، يجب على تجار التجزئة تطوير وسائل أفضل لمخاطبة عملائهم. نوصي لِمراعاة وضع إشارات حول أجهزة المستخدمين ومواقعهم وأسمائهم وكلمات المرور باستخدام مقاييس حيوية سلوكية مميزة يمكنها التعرف على المستخدمين الحقيقيين بتمريرة واحدة أو إدخال معلومات معينة”.