كل يوم يتبادر إلى أسماع اللبنانيين أو تصلهم رسائل نصية عن إقفال فرع مصرفي في منطقة معينة من مناطق لبنان و”تنصحهم” الى التوجه إلى فرع آخر. أو يسمعون عن عمليات صرف تقوم بها المصارف من أجل الحد من خسائرها.
هذا الخبر بات عادياً اليوم في لبنان في ظل ما يعانيه قطاعه المصرفي من أزمتي سيولة وملاءة كانعكاس للأزمة الاقتصادية المركبة والعميقة التي صنفها البنك الدولي من بين ثلاث أكثر أزمات حدة في العالم.
المصارف تبحث عن مخارج لتقليص خسائرها
لطالما عرف القطاع المصرفي في لبنان بأنه العمود الفقري للاقتصاد ومن بين أكثر القطاعات توظيفاً لليد العاملة المتخصصة. وحقق خلال العقد الماضي انتشاراً دولياً واسعاً حيث كان تواجده في الخارج يمثل 40 في المئة من موجوداته.
لكن هذه الصورة تبدلت اليوم. اذ راحت المصارف تبحث عن مخارج لتقليص خسائرها بعدما فقد معظمها ملاءته. وعمدت تلك التي لديها تواجد في الخارج الى بيع فروعها، كما حصل مؤخراً مع مصرف “سوسييتيه جنرال” الذي باع فرعه في الاردن الى مصرف “كابيتال” الاردني.
وبالتوازي، كانت المصارف تقفل فروعها المنتشرة في مختلف الاراضي اللبنانية. وهي عملية مستمرة اليوم.
اقفال الفروع والاستغناء عن الموظفين مستمر
وتبين احصاءات جمعية مصاف لبنان أن العديد من المصارف لجأ إلى إقفال فروع مصرفية، بحيث انخفض عددها في نهاية سبتمبر/أيلول 2020 (وهي آخر المعطيات الرسمية المتوافرة) إلى 1054 فرعاً مقابل 1080 فرعاً في نهاية العام 2019. وسُجل إقفال مزيد من الفروع في العام 2021 من دون معرفة الرقم النهائي. الا ان مصادر مصرفية ترجح أن يكون العدد وصل اليوم الى حوالي 750 فرعاً.
وكان من الطبيعي أن يترافق هذا الاجراء مع تقليص الكادر البشري. وبحسب التقرير السنوي لجمعية مصارف لبنان عن نهاية العام 2020، انخفض عدد العاملين في المصارف اللبنانية بأكثر من 2500 موظف ليبلغ 22 ألفا و325 موظفاً في 2020 مقابل 24 ألفاً و886 موظفاً في نهاية العام 2019.
أي أن نسبة الانخفاض تجاوزت الـ10 في المئة مقابل انخفاض أدنى في العام 2019 بلغت نسبته 4 في المئة وانخفاض سابق بنسبة 0.4 في المئة في العام 2018.
والاستغناء مستمر
مصادر في اتحاد نقابات موظفي المصرف قالت لـ”إيكونومي ميدل إيست” إن صرف الموظفين تخطى الـ4500 في نهاية العام 2021، وإن هدف المصارف هو الاستغناء عن 20 في المئة من العاملين لديها.
علماً أن معدل زيادة العمالة المصرفية قد راوح بين 2.5 في المئة و3.1 في المئة بين أعوام 2013-2017.
وتقول مصادر مصرفية إن ومن ضمن الاجراءات التي تقوم بها المصارف، بدأت المجموعات المصرفية في لبنان تبحث في تقليص حجمها عبر دمج الوحدات المصرفية ضمن المجموعة الواحدة وتحويلها الى أقسام داخل المصرف الرئيسي.
وتشرح جمعية المصارف أنها تسعى لخفض تكلفتها التشغيلية بعد تراجع أعمالها وأرباحها وتسجيلها خسائر تكبدتها من جراء توظيفاتها في سندات اليوروبوندز التي كانت تصدرها الدولة.
وقد انخفضت محفظة المصارف بسندات اليوروبوندز في نهاية العام 2022 إلى 4.8 مليارت دولار من 9.4 مليارات في نهاية العام 2020.
المصارف اللبنانية تتحضر لإعادة الهيكلة
لقد كان لافتاً ان يتضمن تقرير جمعية مصارف لبنان في تبريرها الانخفاض في أعداد الفروع والموظفين بأنه يأتي في سياق تراجع النشاط المصرفي والتحضير لمرحلة إعادة هيكلة القطاع.
فالمصارف ترفض استخدام هذا التعبير وتقول إنها ليست بحاجة الى إعادة هيكلة وتريد في المقابل أن يقوم مصرف لبنان بإعادة الاموال المودعة لديه كي ترد للمودعين أموالهم.
وتعتبر الجمعية في المقابل أنّ “أي إعادة هيكلة للقطاع المصرفي خارج إطار خطة إنقاذية حكومية شاملة لن تؤدي الى النتائج المرجوة”.
وقدّرت الحكومة الحالية حجم الخسائر المالية بـ69 مليار دولار. ولكن لم يعلن رسمياً بعد عن كيفية توزيع الخسائر بين الدولة والمصرف المركزي والمصارف، وسط خشية المودعين من الاقتطاع من ودائعهم.