Share

الهياكل المؤسسية تدعم تبنِّي العملات الرقمية ومفهوم مخزن القيمة

سوق التشفير يتطلب إعادة هيكلة لترسيح نفسه كمنتج استثماري رئيسي
الهياكل المؤسسية تدعم تبنِّي العملات الرقمية ومفهوم مخزن القيمة
بيتكوين

لقد قلبت صناعة العملات الرقمية ما هو متعارف عليه رأسًا على عقب. إذ حدَّد جيل شاب من الأفراد المتداولين (غير المحترفين) والتقنيين المنتج وهيكل السوق، مولّدين الطلب على هذه الأصول الجديدة التي حازت على اهتمام عالمي واسع. كما ينتبه المجتمع المؤسسي لذلك، وكذلك الجهات التنظيمية.

وكما حدث في رحلة تطور هياكل سوق الأسهم على مدار العشرين عامًا الماضية، لا بُدَّ أن تخضع العملات الرقمية لإعادة هيكلة جذرية. ولا شك في أن العملات الرقمية يمكن أن تستفيد من هذه الفئة من الأصول من حيث كيفية التغلُّب على التحديات التي ستواجهها لتصبح منتجًا استثماريًا سائدًا ومقبولًا.

يعترض طريق العملات الرقمية نحو التبنِّي العالمي عدد من العراقيل، لكن هناك انتقادان رئيسان يواجهانها اليوم، هما: افتقارها المتأصل إلى مفهوم “مخزن قيمة” حقيقي وأن العملة تُستخدم للتحايل على اللوائح التنظيمية، للدفع مقابل “أنشطة غير قانونية أو غير أخلاقية”.

يتّسم مفهوم “مخزن القيمة” بأنه أمر يرجع إلى التقدير الشخصي إلى حدٍ كبير: في حين أن البيتكوين غير مدعومة بأي ضمانات مادية مثل الذهب أو حتى عملة ورقية، فإن قيمتها الحقيقية ترتبط بقوة مالكيها.

إذا كانت غالبية مالكيها هم من الجيل التقني الشاب الذي أنشأها – وكثير منهم يملك موارد مالية محدودة – فإذًا في حالة الركود، ثمة احتمالية عالية أن يبيع هؤلاء المالكون الأصل في أقرب وقت ممكن، ممَّا يتسبب في انخفاض أكبر في السعر.

وعلى الجانب الآخر، نجد أن مؤسسات إدارة الأصول وصناديق التقاعد التي تدير تريليونات الدولارات لعملاء يملك مديروهم نسبة صغيرة في البيتكوين لأغراض التنويع (كما يفعلون مع الذهب والأسهم الخاصة والعقارات وما إلى ذلك) لن يبيعوا عند أول مؤشر لظهور مشاكل.

يستطيع هؤلاء المالكون الاحتفاظ بالأصل بسعر الشراء، الأمر الذي في حد ذاته يجعله مخزنًا للقيمة، وهو الحد الأدنى الطبيعي في المنتج الذي يمكن أن يصمد أمام الركود. ومع دخول المزيد من الأموال المؤسسية طويلة الأجل في ذلك الأصل، يزداد قوة إلى جانب كونه مخزنًا للقيمة؛ فالتبنِّي المؤسسي للمنتج يُحقِق ذلك. كما أن طبيعة البيتكوين المحدودة تدعم مفهوم مخزن القيمة، ويلعب نقص العرض دورًا رئيسيًّا في تحديد قيمتها.

أما عن استخدام العملات الرقمية في إجراء أنشطة غير قانونية، فهذا بالطبع مشكلة كبيرة، وستظل قائمة ما دامت اللوائح التنظيمية ضعيفة ومُهلهلة ومشوَّشة. كثيرًا ما يتم اختبار مدى فعالية الصناعات الجديدة من جهات غير منضبطة بطرق تؤدي في النهاية إلى تحسين ما تقدمه تلك الصناعات، ومساعدة جهات إصدار اللوائح التنظيمية وإنفاذ القانون على وضع تدابير تصحيحية.

لا تزال العملات الرقمية في هذه المرحلة من رحلة تطورها. في الواقع، لا تزال العملات الورقية تتعرَّض لأنشطة غير قانونية، لكن تدابير حمايتها أعلى بكثير من تدابير حماية العملات الرقمية في ظل اللوائح التنظيمية القوية والتعاون الوطيد عبر القطاع المصرفي العالمي.

اقرأ أيضاً: طرح محفظة تشفير جديدة من تصميم طوني فاضل مبتكر iPod

وعلى خلاف العملات الرقمية، التي تم تطويرها مع التركيز في الأساس على مصالح المتداولين والمستثمرين الأفراد – ولم تحصل على موافقة الأسواق المؤسسية إلا مؤخرًا – فإن أسواق الأسهم تأخذ منحى آخر في هذا المجال، إذ تم إنشاؤها من جانب المؤسسات ومن أجلها، ولم تصبح متاحة للمستثمرين الأفراد إلا بعد مرور غير سنة.

Man in a blazer sitting in a modern space with yellow-lit background.
داميان بونس، الرئيس التنفيذي لشؤون العملاء في Exness

خلال بدايات أسواق الأسهم، كان التداول يُشبه “متجرًا منغلقًا” على مشغليه، حيث كان يجري في بداية الأمر في صورة “مزاد علني مفتوح” بين صناع السوق، ثم تطور بعد ذلك إلى بورصات، ثم اتخذ شكل التداول بين المؤسسات.

وتمثَّلَ التطور السريع الذي حدث بعد ذلك في إنشاء المؤسسات لشركات وساطة للأوراق المالية قائمة على الهاتف، حيث أصبح بإمكان المستثمرين الأفراد تداول الأسهم عبر وسيط معتمد. ثم في أواخر فترة التسعينيات، ظهرت شركات التداول الإلكتروني للأسهم مثل Instinet (المملوكة حاليًا لشركة Nomura).

وبفضل المنصات القائمة على نظام التشغيل Microsoft Windows، أصبح بإمكان الأفراد تداول الأسهم من الكمبيوتر المنزلي بأريحية. ومع نهاية القرن العشرين، أصبحت عملية التداول أبسط وأكثر شمولاً مع إمكانية تداول الأسهم ومعظم فئات الأصول من الهاتف أو ساعة اليد Apple من أي مكان في العالم وغالبًا على نحو مجاني.

وسلك تداول العملات الأجنبية (أو الفوركس) مسارًا مشابهًا للأسهم: فبعد أن كان نشاطًا تجاريًا قائمًا على الهاتف، ويجري بين البنوك، تطور إلى تداول إلكتروني بين المصارف فقط إلى أن تم تقديم نسخة ذات معدل فروقات أوسع نطاقاً إلى المتداولين الأفراد مباشرةً في النهاية.

واليوم، تتداول سوق الفوركس العالمية حوالي 7.5 تريليونات دولار أميركي يوميًا، تشكِّل صفقات المتداولين الأفراد ما يقرب من واحد تريليون دولار منها، ومعدل فروقات ضيق للغاية.

تكمُن قوة نجاح تداول العملات الأجنبية وتبنِّيه على نطاق واسع في أصول نشأته؛ فقد بدأ داخل المؤسسات، ثم تطور ليصبح بين المتداولين الأفراد. وهذا يعني أن الجهات التنظيمية كانت جزءًا لا يتجزأ من النظام منذ البداية، وأن أغلب المشاكل تمت تسويتها بين المؤسسات، قبل فترة طويلة من فتح السوق على مصراعيه أمام المتداولين الأفراد.

وعلى العكس من ذلك، يرجع السبب في مواجهة العملات الرقمية لتساؤلات حول ضعف التنظيم باستمرار إلى أن نقطة انطلاقها كانت بين المتداولين الأفراد. ونظرًا لعدم وجود أساس مؤسسي قبل إتاحتها للجمهور العام، فقد كانت مرتبطة بالمنتجات والخدمات التي شهدتها في الواجهات الأمامية وشاشات تداول فئات الأصول الأخرى. وجرى ذلك دون فهم شامل للمقتضيات الأساسية للبنية التحتية.

لم يكن الهيكل الشبيه بالمتاهة لبورصة العملات الرقمية المنهارة FTX – حيث سيطر كيان واحد على جميع جوانب رحلة العميل: المنصة، والحفظ، ووحدات العملة، وخدمات الإقراض والسيولة – ليُكتب له النجاح في أسواق الأسهم في الوقت الراهن.

وعلى الرغم من أن هذا يبدو عرضًا تجاريًا جذابًا وشاملًا للبورصة، لم يكن هيكلًا آمنًا للعملاء مُطلقًا، حيث تعذَّرت مراقبته واعتباره خاليًا من تضارب المصالح.

كان لانهيار منصة FTX تأثير هائل في نهاية العام الماضي، ولا شك أنه مرتبط بالملاحقة القانونية الحالية من هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية لشركتي Coinbase وBinance.

ينبغي لهيكل سوق تداول العملات الرقمية أن يبدأ في محاكاة هياكل السوق المؤسسية لتحقيق النجاح والازدهار. وهذا بدوره سيشجع المجتمع المؤسسي على دخول السوق وتخصيص رأس مال ملموس لأصوله.  وتُعد منصة EDX Markets، البورصة الرقمية المستقلة والجديدة بالكامل، والمدعومة من بعض أكبر صانعي السوق المؤسسيين مثل Citadel وVirtu، محفزًا رئيسيًا في الاتجاه الصحيح.

ويعدّ الطلب الذي تقدمت به شركة Blackrock لإنشاء صندوق استثمار للبيتكوين من الأنباء التي يمكن أن تساهم في دعم هذا الأصل: في حين أن حوالي 20 في المئة من الأميركيين يمتلكون عملات رقمية، يمكن أن تساعد هذه الخطوة في دعم التبنِّي واسع النطاق.

أجرت Laser Digital، الذراع الاستثمارية في مجال العملات الرقمية لشركة Nomura، استطلاعًا مؤخرًا شمل 300 مؤسسة تمثل 4.9 تريليونات دولار من الأصول؛ إذ أشار 96 في المئة إلى أن العملات الرقمية كانت أداة جيدة للتنويع، في حين أعرب 82 في المئة عن تفاؤاهم بشأن الأصل خلال الاثني عشر شهرًا المقبلة.

واليوم، نجد الجهات التنظيمية، لا سيما في الولايات المتحدة، في موقف غير مواتٍ في التعامل مع التداعيات الهيكلية للعملات الرقمية.

من الأجدر بمكان أن ينصب تركيزها على الاستماع إلى المجتمع المؤسسي والتصرف بخفة نيابة عنه. وبذلك يكون التأثير مباشرًا وسريعًا. ومع الدعم المؤسسي الذي تتمتع به أصول مثل الأسهم والفوركس، قد ترتفع الثقة في العملات الرقمية والاهتمام بها أيضًا.

لقد بدأنا بالفعل نرى بعض شركات العملات الرقمية الرئيسية تسلك الطريق المؤسسية؛ إذ يقود هذه الشركات عمومًا مديرون تنفيذيون ذوو خلفيات في التمويل التقليدي وعلى دراية بهيكل السوق المؤسسية.

تدرك منصات تداول العملات الرقمية ومزودو البنية التحتية مثل Finery Markets وCrossover Markets أن فصل خدمات مثل التداول والمطابقة، عن خدمات أخرى مثل حفظ الأصول، يعدّ عاملاً رئيسياً لتحقيق التبنِّي المؤسسي.

بالتوازي، تركز شركات قائمة في لندن مثل Copper.co وKomainu على تخزين العملات الرقمية وحفظها، والتجنُّب التام لخدمات التداول.

وتُعتبر الخبرة الفعلية في المجال السبيل لتدعيم قطاع  العملات الرقمية وتحقيق التبنِّي المؤسسي.

داميان بونس، الرئيس التنفيذي لشؤون العملاء في Exness

انقر هنا للاطلاع على المزيد من المواضيع التقنية.