بشكل مفاجئ، كشف وزير المالية في لبنان يوسف الخليل النقاب عن قرار الحكومة وقف العمل بسعر الصرف الرسمي وتعديله الى 15 ألف ليرة من 1507 ليرات، وهو السعر الذي كان معمولاً به منذ العام 1997.
القرار الذي أعلنه بداية الخليل في تصريح الى وكالة “رويترز” وأعقبه ببيان صادر عن الوزارة، أثار بلبلة وتساؤلات عدة حول توقيته وطريقة إخراجه من دون أن يكون من ضمن خطة تعافٍ اقتصادية شاملة.
وكان لافتاً أن يأتي القرار عشية الجلسة النيابية لانتخاب رئيس للجمهورية.
واستغربت مصادر مالية في تصريح لها لـ”إيكونومي ميدل إيست” أن يصار الى الاعلان عن تدبير مصيري وجوهري مرتبط بحياة المواطن بهذه الطريقة وعبر تصريح إعلامي، من دون دراسات مفصلة تبين انعكاسات هكذا قرار على الاسعار وعلى معيشة اللبنانيين.
وتساءلت عن توقيت اتخاذ هذا القرار بعد يومين من إقرار مجلس النواب موازنة جرت خلالها مضاعفة رواتب موظفي القطاع العام. وهو ما سيؤدي حكماً الى انتفاء مفعول زيادة الرواتب بفعل التضخم الذي سيتسبب به هذا القرار.
كما تساءلت عن مصير منصة “صيرفة” التي يتم عبرها تداول لدولار على اساس سعر صرف 29800 ليرة، وعن الاسباب التي دفعت بوزارة المالية الى تحديد سقف 15 ألف ليرة وليس وفق سعر صرف “صيرفة” كما يطالب صندوق النقد الدولي.
وكانت وزارة المالية أصدرت بياناً أعلنت فيه تخلي لبنان عن سعر صرف 1500 ليرة، بعيد ساعة على كشف وزير المالية لوكالة “رويترز” انه سيصار الى اعتماد هذا الاجراء الجديد.
يقول بيان وزارة المالية إن اعتماد السعر الجديد أتى بعد إقرار موازنة 2022 في مجلس النواب التي تتضمن سعر صرف 15 ألف ليرة مقابل كل دولار أميركي، وأن السير في خطة التعافي يتطلب توحيد سعر الصرف، “لذا أصبح وقف العمل بسعر صرف الدولار الأميركي على أساس 1507 ليرات إجراءً تصحيحياً لا بدّ منه. وكخطوة أولى في اتجاه توحيد سعر الصرف، تم الاتفاق بين وزارة المالية والمصرف المركزي على اعتماد سعر 15 ألف ليرة مقابل كل دولار عملاً بأحكام المادتين 75 و83 من قانون النقد والتسليف”.
ويطبق هذا الإجراء إعتباراً من الأول من نوفبمر/تشرين الثاني 2022، بحسب البيان الرسمي.
وأبلغ حاكم مصرف لبنان رياض سلامه “رويترز” في رسالة نصية “القرار سيحتاج إلى وقت قبل تنفيذه. علينا الانتظار قبل توقع المزيد من الخطوات”.
تكهنات وتحليلات
دفعت التكهنات والتحليلات التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، بوزارة المالية الى إصدار بيان توضيحي مساء قالت فيه إن هذا الاجراء الجديد “مشروط بإقرار خطة التعافي التي يُعمل عليها والتي من شأنها أن تواكب تلك الخطوة”.
ويعني قرار المالية رفع الدعم عن العديد من السلع التي كان اللبناني لا يزال يدفعها على اساس سعر صرف 1500 ليرة، لناحية الرسوم التي يسددها لصالح الخزينة (العقارية والمالية). بالاضافة الى سداد القروض الدولارية حيث كان المواطن لا يزال يسدد دفعاته على اساس سعر صرف رسمي. فقد كان استمرار اعتماد سعر صرف الـ1500 ليرة أفاد خصوصاً أصحاب القروض بالدولار، والتي سبق لمصرف لبنان أن سمح بموجب قرار أصدره بأن يُسدّد القرض بالليرة.
ولكن هل سيستمر العمل بالتعاميم السابقة الصادرة عن مصرف لبنان بعد بدء تطبيق التدبير الجديد، لاسيما التعميم 161 الذي يسمح للمودعين بسحب ودائعهم الدولارية على أساس 8 الاف ليرة، والتعميم 158 الذي يسمح بسحب 400 دولار نقداً و400 دولار أخرى على أساس 12 الف ليرة؟
توضح المصادر انه يفترض أن يلغى مفعول هذه التدابير بمجرد تحديد سعر صرف جديد، إلا اذا أصدر مصرف لبنان تعميماً آخر يمنع ذلك. بمعنى آخر، بات المودع يستطيع سحب وديعته على أساس سعر صرف 15 ألف ليرة.
وتشرح أن هذا القرار سيؤثر سلباً على المصارف وعلى وضعيتها، إذ انها لا تزال تحتسب ميزانياتها على أساس سعر صرف 1500 ليرة. بمعنى أن معاملاتها مع المصرف المركزي تتم على السعر الرسمي، وهذا يشمل احتساب رساميلها، وشراءها الدولارات وسداد القروض المتوجبة عليها وتكوين المؤونات المتوجبة عليها لقاء قروض مشكوك في تحصيلها.
وتضيف المصادر في هذه النقطة إن رساميل المصارف تقدر اليوم بـ14 مليار دولار، منها 3.9 مليارات دولار بالدولار (محفظة سندات اليوروبوندز)، فيما المبلغ المتبقي مقوّم بالليرة على السعر الرسمي (أي حوالي 15 تريليون ليرة)، في حين أن احتساب هذا المبلغ على السعر المعلن اليوم سيُخفّض مجموع الرساميل إلى حوالي مليار دولار