تصبّ الأنظار في المرحلة الحاليّة على حركة أسعار النفط والغاز، وسط التخوّفات من أن تتأرجح الأخيرة صعودا في المرحلة المقبلة بسبب عدّة عوامل، أبرزها الوضع الأمني في منطقة الشرق الأوسط والمخاوف من أن يؤثّر على انقطاع خطوط الإمدادات من النفط الخام والغاز الطبيعي إلى أوروبا.
العوامل التي تؤثر على أسعار النفط والغاز
وفيما يصعب توقّع حركة الأسعار في المرحلة المقبلة إلاّ أنّها ترتبط بالعوامل التالية:
سندات الخزانة الأميركية
أولا، الارتفاع المستمر في عوائد السندات الأميركية، في محاولة لضبط التضخم. حيث ارتفعت عوائد السندات لأجل 10 سنوات لأعلى مستوى في 16 عاماً (منذ الـ 2007) بـ 11 نقطة أساس. ما أدى إلى بحث المستثمرين عن الأمان في الذهب وإلى انخفاض طفيف في قطاع الطاقة. وكان واضحا ذلك بالارتفاع الذي سجلته أسعار الذهب عالميا. حيث ارتفع الذهب بحوالي 160 دولار خلال الأسبوعين الماضيين ووصل إلى أعلى مستوى له خلال 13 أسبوعا.
الخوف من انقطاع سلاسل الامداد
أمّا العامل الثاني، فهو الوضع الأمني في الشرق الأوسط، والمخاوف بشأن انقطاع الإمدادات. حيث تمثل منطقة الشرق الأوسط ما يقرب من ثلث العرض العالمي من النفط.
حتى أنّ “إسرائيل” وعلى الرغم من عدم امتلاكها احتياطيات غاز كبيرة، لكنها أوقفت الإنتاج في حقل غاز تامار، بسبب الأوضاع الأمنية. وقد أدى ذلك إلى الحد من تدفقات الغاز إلى مصر التي تعيد تصديره بحرا، وغالبا إلى أوروبا.
وإلى ذلك، تتجه الأنظار، نحو أمن مضيق هرمز، وهو مضيق استراتيجي تنقل عبره نحو 20 في المئة من الإمدادات العالمية، أو ما يوازي 30 في المئة من إجمالي النفط الذي يتم نقله بحرا.
دخول أوروبا في شتائها الثاني
والعامل الثالث، هو دخول الاتحاد الأوروبي في شتائه الثاني، منذ اندلاع الحرب الأوكرانية الروسية، والخوف من ارتفاع الطلب وسط تقنين العرض، ما قد يرفع أسعار الغاز والمحروقات عالميا.
أمّا العامل الرابع فهو احتمال فرض الولايات المتحدة الأميركيّة المزيد من العقوبات على إيران، باعتبارها داعمة لحماس. ما قد يخفّض إنتاج النفط الإيراني بمقدار مليون برميل يوميا فيصعد بأسعار الخام إلى 140 دولارا للبرميل العام المقبل.
رفع العقوبات عن فنزويلا
وهنا تجدر الإشارة إلى أنّه وعلى الرغم من استبشار البعض خيرا برفع العقوبات الأميركيّة عن فنزويلا، بعد المصالحة بين المعارضة والحكومة. إلاّ أنّ هذه الخطوة فشلت في التأثير على حركة أسعار النفط. حيث أنّ إمكانية زيادة كميّة الإنتاج الفنزويلي في أسواق النفط محدودة، ولم تتخطى الـ 200,000 برميل يومياً. وهو غير كاف لسدّ حاجة السوق. وهو ما يؤكّده الارتفاع الذي شهدته أسعار النفط يوم الجمعة الماضي على الرغم من عودة الإنتاج الفنزويلي إلى الأسواق. حيث سجّل خام برنت أعلى مستوياته هذا الشهر مع وصول الأسعار إلى 93.28 دولارًا للبرميل بزيادة 0.97 في المئة.
أوبك+
فيما العامل الخامس والأخير، يتعلّق باستمرار “أوبك+” تقييد انتاجها من النفط. بحسب تأكيد كلّ من السعودية وروسيا. فمن غير المرجح أن تقبل السعودية والدول المجاورة لها أسعاراً منخفضة لبراميل النفط بعد أن قاتلت بجد لدعم السعر. ومن جهته كان قد أكّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على هامش فعاليات منتدى “أسبوع الطاقة الروسية،” أنّ “التنسيق مع السعودية ومجموعة أوبك+ بخصوص انتاج النفط مستمر، وهو مهم لإمكانية التنبؤ بسوق النفط. ونحن نأخذ بعين الاعتبار الأحداث الأمنية في الشرق الأوسط ومدى تأثيرها على الامدادات وعلى الطلب”.
ويضم تحالف “أوبك+” منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك” وحلفاء من بينهم روسيا، ويضخ نحو 40 في المئة من إجمالي إنتاج النفط الخام العالمي.
كل ّما سبق قد يؤثّر على حركة أسعار النفط العالمي صعودا أو هبوطا. إلاّ أنّ ما يمكن تأكيده في الوقت لحالي، هو أن أسعار النفط ستستقر في نطاق بين منتصف الثمانينات إلى منتصف التسعينات. وهو منطقة نصف باردة للمنتجين وليست ساخنة جداً للمستهلكين. إلى أن يطرأ أي تغيير آخر بحسب العوامل المذكورة أعلاه.
اقرأ أيضا: انخفاض أسعار النفط وسط تفاؤل المحللين بشأن الإمدادات
استعدادات أوروبا لشتاء 2023
وبالعودة إلى أوروبا، واستعدادها لدخول فصل الشتاء رسميا، مع انتقالها إلى التوقيت الشتوي في الساعات الأولى من يوم السبت 28 أكتوبر/تشرين الأوّل إلى الأحد 29 أكتوبر/تشرين الأوّل، حيث سيتم إرجاع الساعات إلى الخلف 60 دقيقة. استأنفت أسعار الغاز الطبيعي الأوروبي صعودها وسط مخاوف متزايدة من اتساع نطاق الصراع الدائر في الشرق الأوسط، والتأثير المحتمل له على إمدادات العالم من الوقود الحيوي قبل فصل الشتاء.
وصعدت العقود المستقبلية القياسية في القارة بنحو 6.1 في المئة بعد المكاسب التي سجلها النفط. وعلى الرغم من أنها تتجه إلى خسارة طفيفة على أساس أسبوعي بعد الانخفاضات الأخيرة، لكن الأسعار ما تزال أعلى بنحو 35 في المئة عما كانت عليه قبل الأحداث الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط، بحسب وكالة بلومبرغ.
وكان الاتحاد الأوروبي قد تجاوز في وقت سابق الهدف المحدد من نسبة ملء خزانات الغاز والمقدر بـ80 في المئة ليبلغ 90 في المئة. أي بزيادة 6 في المئة عن العام الماضي (بلغ مخزون الاتحاد الأوروبي من الغاز 84 في المئة في العام 2022). إلاّ انّ هذه الكميّة لا تزال غير كافية، وهي لا تسمح لأوروبا إلا بالصمود 3 أشهر. لذلك تراهن الدول الأوروبيّة على الولايات المتحدة والنرويج والجزائر، وقطر للحفاظ على أوروبا دافئة على المدى الطويل. إلاّ انّ الرهان قد يكون خاطئا وسط انشغال معظم دول العالم بالحرب في الشرق الأوسط.
الشتاء في ألمانيا
ما يجعل دول الاتحاد تبحث عن بدائل ومنها مصانع الفحم. حيث أعادت ألمانيا (صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا، وأحد أكبر مستوردي الغاز الروسي في القارة، وهي الأكثر عرضة لاضطراب الإمدادات) تنشيط ثلاث محطات تعمل بالفحم لضمان إمدادات الطاقة هذا الشتاء. وبحسب السلطات الألمانية، فإن هذه المصانع التابعة لشركتي RWE AG وLEAG، ستكون متاحة لتلبية الطلب في أوقات الذروة، عندما قد يحدث انقطاع للتيار الكهربائي.
فمنذ أبريل/نيسان الماضي، لم يعد لدى البلاد مصدر توليد احتياطي لتغطية انقطاع مصادر الطاقة المتجددة. لأن الحكومة أصدرت قرارا بإغلاق آخر المفاعلات النووية التي كانت لا تزال قيد التشغيل، مما يحد من بدائل الطاقة، ويمسّ بأمن الإمداد. كما تعترض هذه الخطوة أهداف إزالة الكربون التي تسعى إلى تحقيقها ألمانيا بحلول عام 2030.
وفي الإطار نفسه، يشكّل خط أنابيب الغاز من روسيا إلى ألمانيا في بحر البلطيق (نورد ستريم) مصدر قلق آخر بشأن تدفق الغاز. بعد أن توقف الغاز عبر “نورد ستريم” تماماً في سبتمبر/أيلول الماضي، بعد فرض المزيد من العقوبات على روسيا.
وافتتح هذا الخط في العام 2020، ويبلغ طوله 77 كيلومترا بين روسيا وألمانيا، وكان قد تعرّض للتخريب العام الماضي.
في المقابل، كان قد قفز استهلاك الغاز المنزلي في ألمانيا في نهاية سبتمبر/أيلول من العام الماضي إلى أعلى مستوى منذ مارس/آذار بسبب موجة البرد، وكان الطلب أعلى بنحو 14 في المئة عن متوسط 4 سنوات (2018- 2022). ما يعني ضرورة اعتماد ألمانيا سياسة التقشف في استخدام الطاقة هذا الشتاء.
الشتاء في إيطاليا
وعلى غرار شقيقتها، لجأت إيطاليا إلى قطر، لتأمين امدادات جديدة للغاز للتدفئة في فصل الشتاء. حيث وقعت شركتان تابعتان لكل من “قطر للطاقة” وشركة “إيني” الإيطالية اتفاقية، تقوم بمقتضاها قطر بتصدير ما يصل إلى مليون طن سنوياً من الغاز الطبيعي المسال إلى إيطاليا بموجب عقد طويل الأجل، لمدّة 27 عاما. إلاّ انّ توريد شحنات الغاز الطبيعي المسال لن تبدأ قبل عام 2026.
ويعدّ هذا الاتفاق، الثالث هذا الشهر، الذي توقعه قطر لتوريد الغاز المسال إلى أوروبا. حيث أعلنت الشركة عن اتفاق مماثل مع “شل” لتوريد ما يصل إلى 3.5 مليون طن سنوياً من الغاز الطبيعي المسال إلى هولندا.
كما وقَّعت قطر للطاقة اتفاقية طويلة الأجل لتوريد النافتا مع شركة “ماروبيني كورب” (Marubeni Corp) اليابانية. إذ ستقوم الشركة بتوريد ما يصل إلى 1.2 مليون طن سنوياً من النافتا بدءاً من أكتوبر 2023. وقبل هذا الاتفاق وقعت “قطر للطاقة” اتفاقيتين مع “توتال إنرجي” لتوريد ما يصل إلى 3.5 مليون طن سنوياً من الغاز الطبيعي المسال لفرنسا لمدة 27 عاماً.
الشتاء في فرنسا
أمّا في فرنسا، فقد طمأن الرئيس التنفيذي لشركة كهرباء فرنسا، لوك ريمون أن إنتاج الطاقة من المحطات النووية في فرنسا في تحسن، ولا داعي للذعر بشأن إمدادات الطاقة الشتاء المقبل. وفرنسا تتجه للشتاء المقبل بهدوء.
إلاّ انّ إنتاج شركة كهرباء فرنسا من المحطات النووية تراجع بواقع 23 في المائة العام الماضي، إلى 279 تيرا واط/الساعة. وهو أدنى مستوى منذ 1988، بسبب توقف عمل المفاعلات لفترة طويلة لفحص وإصلاح الأنابيب التي تضررت جراء التآكل الناتج عن الضغط.
وأدى ذلك إلى تفاقم أزمة الطاقة في أوروبا وزيادة أسعار الكهرباء. فيما اضطرت المنشأة الفرنسية إلى شراء الكهرباء من أسواق الجملة لتغطية نقص الإنتاج، مما كلفها 29 مليار يورو.
وبالتالي، وعلى الرغم من حالة الاطمئنان التي حاول ريمون بثها، تبقى المخاوف قويّة من إعادة السيناريو الأسود لعام 2022.
كلمة أخيرة
في المحصّلة، يبدو أن شتاء 2023 لن يكون سهلا على صعيد سوق الطاقة العالمي وأسعار النفط والغاز، لا بل قد يحمل مفاجآت ستنعكس مباشرة على اقتصادات العالم أجمعه. فهل نخرج من شتاء 2023 إلى أزمة اقتصاديّة عالمية جديدة على غرار ازمة كورونا؟
انقر هنا للاطلاع على المزيد من أخبار الطاقة.