يمكن أن يقال الكثير عن اجتماع اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة (FOMC) التابعة للاحتياطي الفدرالي، وعن قرارها زيادة في سعر الفائدة القياسي هي الأكبر منذ العام 1994.
في البداية، ما قام به الاحتياطي الفدرالي يعني استمراره في زيادة معدلات الفائدة بما يتجاوز بكثير المعدل المحايد، في إطار هجومه التاريخي على التضخم على أمل أن يعيده الى هدفه بنسبة 2 في المئة.
لقد جاء قرار الاحتياطي رفع اسعار الفائدة بمعدل 75 نقطة أساس بدلاً من توقعات سابقة بـ50 نقطة أساس، بعد الزيادة غير المتوقعة في معدلات التضخم الاميركي السنوي التي وصلت الى 8.6 في المئة في مايو/ايار.
ما يمكن تفسيره من خلال البيان الصادر عن الاحتياطي الفدرالي وتوقعاته الاقتصادية الجديدة بعد يومين من الاجتماع خلف الأبواب المغلقة، يعني أن ثقته في هندسة “هبوط آمن” قد تقلصت. بالطبع هو لن يجهر بذلك. لكن ارتفاع أسعار “التحميل الأمامي قبل بلوغ المنعطف”، أو السياسة الاستباقية، يجعل من الصعب معايرة السياسة النقدية في المستقبل. ولن يعلم الاحتياطي أنه كان متشدداً كثيرا إلا بعد فوات الأوان.
كما يلاحظ أن تغييرات رئيسية دخلت على البيان في اجتماع هذا الاسبوع. إذ اضافت اللجنة سطراً يقول إنها “ملتزمة بشدة إعادة التضخم إلى هدفها البالغ 2 في المئة”، وأزالت الصياغة السابقة التي قالت إنّ اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة “تتوقع عودة الضخم إلى هدفه البالغ 2 في المئة وأن تظل سوق العمل قوية”.
التوقعات الاقتصادية الجديدة رسمت مساراً وعراً قبل الوصول إلى بر الأمان. إذ ترى ارتفاعاً في معدل البطالة من نسبة 3.7 في المئة في نهاية عام 2022 إلى 4.1 في المئة في عام 2024. وتم خفض توقعات النمو إلى 1.7 في المئة في 2022 و2023 من 2.8 في المئة و2.2 في المئة في توقعات مارس/آذار. ولا يزال مسؤولو “الفدرالي” يتوقعون انخفاض التضخم بشكل كبير في عام 2023.
لكن السؤال الأوسع الذي يطرح اليوم: هل يتجه الاقتصاد الأميركي نحو الركود؟
متتبعو التطورات النقدية والاقتصادية يرون أن الركود يلوح في الأفق، ويتوقعون أن يؤدي رفع الاحتياطي الفدرالي الحاد إلى مزيد من الكساد في النمو الاقتصادي المتباطئ اصلاً.
تنقل شبكة “سي أن بي سي” عن مايكل يوشيكامي من Destination Wealth Management أن الركود في الولايات المتحدة هو “حقيقة مؤكدة” في الربع الثالث. ويقول إن إن إيماءة الاحتياطي الفدرالي قبل رفع آخر من 50 إلى 75 نقطة أساس في يوليو/تموز، تظهر أنه سيتخذ أي إجراء ضروري لوقف التضخم”، وهو ما من شأنه أن يدفع الاقتصاد نحو الركود.
ووفقاً لاستراتيجيي “جيه بي مورغان تشيس آند كو”، فان مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” يعكس الآن وجود احتمال بنسبة 85 في المئة لتعرض اقتصاد الولايات المتحدة إلى ركود، وسط مخاوف من ارتكاب الاحتياطي الفدرالي خطأ في السياسة النقدية.
صحيح ان الأسهم الأميركية ارتفعت بعيد إعلان الاحتياطي قراره، لكن سرعان ما تبخر مزاج المستثمرين الإيجابي بعد اعتراف رئيس الاحتياطي، جيروم باول، بأن التراجع الاقتصادي أمر ممكن، ما حوّل اهتمام المستثمرين الى مخاطر النمو المرتقبة.
تعيش الولايات المتحدة في الوقت الراهن فترة ركود تضخمي، مع انخفاض النمو وارتفاع التضخم. والفترة الأصعب سوف تكون مع استمرار ارتفاع التضخم، وهو أمر بات واقعاً. إذ تشير التوقعات الى أنه يتجه الى تسجيل نسبة 9 في المئة. ويتنامى القلق من أن يسجل 10 في المئة أو أكثر في الأشهر المقبلة، الأمر الذي يدفع الاقتصاد الامركي إلى حالة ركود.
ما هو الحل؟
أن يستعيد الاحتياطي الفدرالي السيطرة على مسار التضخم من دون أن يضحي بالنمو كثيراً. ولكن، لسوء الحظ، يبدو أن ميزان المخاطر يميل في الاتجاه السلبي الآن.