أصدر قاض أميركي يقضي بأمر شركة “تيثر” المحدودة بإصدار سجلات مالية تتعلق بدعم عملتها المستقرّة USDT. عندما يُنظر إلى العملات المستقرّة في ظلّ تدقيق هو الأوسع منذ انهيار عملة “تيرا”، لا يسَع المرء إلا أن يتساءل عمّا إذا كانت هذه العملات قد تجاوزت أيامها المجيدة.
وبصرف النظر عن الأوضاع السيئة التي يعانيها الاقتصاد الكلي، يُعدّ انهيار “تيرا” في وقت سابق من هذا العام، أحد اللحظات المصيرية في شتاء التشفير السائد. حينها، لم يتمكن العديد من المستثمرين من تقبّل ما آلت إليه الظروف. فكيف يمكن لسلعة تحتوي على كلمة “مستقر” أن تتزعزع وتنهار؟
لم يبدِ متداولو العملات المشفرة اهتماماً كافياً بالعملات المستقرّة، وذلك بالرغم من حقيقة أن العملات المستقرة سجلت نموًا مذهلاً كفئة أصول استثمارية، بحيث نمت على نحو لافت من الصفر لتسجّل أكثر من 180 مليارات دولار خلال بضع سنوات فقط. في أوّل الأمر، لم يجذب هذا النوع من العملات اهتمام المستثمرين، ليأتي انهيار “تيرا” الذي تسبب، وفقًا لبعض التقديرات ، في خسارة أكثر من 60 مليار دولار، ليجعل من تداول هذه العملات أمراً في غاية الخطورة.
والحال أن العديد من الدول باتت تستخدم هذا الحدث كذريعة لوضع التشريعات والأنظمة الهادفة إلى حماية المستثمرين، والمساعدة على تجنّب تكرار حصول أمر من هذا النوع. وفي حين عكفت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا على إقامة اجتماعات دورية لوضع إطار تنظيمي للعملات المشفرة، كانت اليابان السبّاقة في طرح إطار قانوني يصنّف بشكل أساسي العملات المستقرة ضمن فئة الأموال الرقمية، مما يُلزم جهات الإصدار بضمان لأصحابها الحق في استردادها بقيمتها الفعلية.
ويأتي اليوم القرار بشأن عملة USDT، وهي ليست العملة المستقرة الأكثر شيوعًا فحسب، بل كذلك ثالث أكثر العملات المشفرة شيوعًا، بعد “بيتكوين” و”إثريوم”.
وعليه، طُلب من “تيثير” تقديم جميع أنواع المستندات لإثبات ما يدعم عملتها المستقرة التي تبلغ قيمتها السوقية 68 مليارات دولار، في محاولة لإقناع المحكمة بأنها لم تتلاعب بسوق العملات المشفرة من خلال إصدار عملة “تيثير” غير المدعومة، بقصد التسبّب في رفع أسعار العملات المشفرة مثل “بيتكوين”، على حدّ زعم مجموعة من المستثمرين.
وكنّا قد أشرنا في مقال سابق إلى أحد الاستطلاعات التي وجدت أن حوالي 50 في المئة من الشركات خارج الولايات المتحدة باتت تستخدم العملات المشفرة، وخاصة العملات المستقرة مثل USD Coin (USDC)، كطريقة دفع أساسية.
تقبع اليوم العملات المستقرة في قفص الاتهام بعد أن كانت الوسيلة المفضلة للتعويض، ممّا يؤكد أن شتاء التشفير السائد أرخى بقسوته الكبيرة على العملات المستقرة.
وفي حين لا نجزم أن الخطوة التي اتخذتها المحكمة الأميركية هي القشة التي قصمت ظهر البعير، إننا على يقين من أن هذا الإجراء سيلحق ضرراً كبيراً في السوق.