Share

أزمة الاقتصاد الصيني: الوقاية من الانكماش أفضل من الاضطرار إلى علاجه

صناع القرار السياسي في بكين يشعرون بالقلق بسبب انخفاض الأسعار
أزمة الاقتصاد الصيني: الوقاية من الانكماش أفضل من الاضطرار إلى علاجه
أظهرت أرقام التضخم لشهر نوفمبر/تشرين الثاني في الصين انخفاضًا أسرع من المتوقع في أسعار المستهلكين

بينما يشعر الأميركيون بالقلق بشأن التضخم، أو ارتفاع الأسعار بسرعة كبيرة، فإن صناع القرار السياسي في بكين يشعرون بالقلق بسبب انخفاض الأسعار، وتأثيرها المباشر على اقتصاد الصين. لقد انخفض مؤشر أسعار المستهلك على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، وأظهرت أرقام التضخم لشهر نوفمبر/تشرين الثاني في الصين انخفاضًا أسرع من المتوقع في أسعار المستهلكين. وانخفض مؤشر أسعار المستهلكين 0.5 في المئة على أساس سنوي، وهو ما يزيد عن الانخفاض 0.1 في المئة الذي توقعه اقتصاديون استطلعت رويترز آراءهم، ويأتي ذلك كأسرع انخفاض منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

وانخفض مؤشر أسعار المنتجين بنسبة 3 في المئة على أساس سنوي، مقارنة مع انخفاض بنسبة 2.6 في المئة في أكتوبر/تشرين الأول وتوقعات انخفاض بنسبة 2.8 في المئة. كما أنه يمثل الشهر الرابع عشر على التوالي من انخفاض مؤشر أسعار المنتجين والأسرع منذ أغسطس/آب. وهي أطول سلسلة انكماشية منذ عام 2009.

مخاوف انكماش الاقتصاد

لقد بدأت المخاوف من الانكماش في الصين بشكل جدي في صيف الـ2023. وانكمشت أسعار المستهلك بنسبة 0.3 في المئة في يوليو/تموز مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق 2022، وهو أمر لم يحدث منذ ذروة الوباء. وفي حين كانت الاقتصادات المتقدمة الأخرى تنطلق بسرعة أكبر مما ينبغي، كانت الصين تظهر علامات تشير إلى أنها ربما تتعثر. وبدا أن الأسعار استقرت في أغسطس/آب، إلى أن بدأت أسعار لحم الخنزير في الانخفاض بشكل كبير، مما أدى إلى انخفاض مؤشر الأسعار الإجمالي في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول. ومع ذلك، كان هناك بعض الأمل بالنسبة لصناع السياسات، لأن قسماً كبيراً من الانكماش كان مدفوعاً بأسعار لحم الخنزير، التي تتسم بالتقلب الشديد في الصين. ولكن البيانات الأخيرة الصادرة عن مصرف الصين المركزي تظهر أن التضخم الأساسي، الذي يستثني الفئات الأكثر تقلباً مثل الغذاء والطاقة، ضعيف على نحو مماثل، حيث ارتفع بنسبة 0.6 في المئة فقط على أساس سنوي في ديسمبر/كانون الأول.

نمو اقتصاد الصين

واختتم اقتصاد الصين عام 2023، بنمو أقلّ من التوقعات، حيث نما بنسبة 5.2 في المئة في الربع الرابع من 2023، مقارنة بنفس الفترة من العام الذي سبقه، وهو معدل أبطأ قليلاً من توقعات المحللين، ولكنه كافٍ لتحقيق هدف الحكومة للنمو السنوي.

وكان ثاني أكبر اقتصاد في العالم، من أكثر المتأثرين بتداعيات جائحة كورونا، حيث تلقى اقتصاد الصين ضربة قوية بعد توقف الرحلات الجوية، وحركة الشحن والملاحة، ومنع التجوّل، ما أثر على الاقتصاد وأدى إلى انكماشه. ومنذ ذلك الوقت وتكافح الصين للنهوض باقتصادها من جديد، إلا أنّ عراقيل عديدة تعترض عملية التعافي أبرزها:

عراقيل عديدة تعترض عملية التعافي

  • أزمة العقارات: يعد تراجع قطاع العقارات الصيني، وهو محرك رئيسي للاقتصاد، أحد أكبر التحديات. حيث خلق انخفاض قيمة المبيعات وتراكم الديون لدى الشركات العقارية، حالة من عدم اليقين ويؤثران على الاستثمار والإنفاق. وهو ما جعل الحكومة الصينية، وفي سابقة هي الأولى على الإطلاق، بالسماح للبنوك بتقديم قروض قصيرة الأجل، دون ضمانات، إلى شركات التطوير العقاري المؤهلة، وذلك في سعي من بكين لتخفيف الأزمة التي يشهدها القطاع العقاري.

 

  • ضعف ثقة المستهلكين: تعتبر ثقة المستهلكين باقتصادهم من اهم محركات النمو، لذلك أثر تراجع ثقة المستهلكين بسبب مخاوف الركود وظروف العمل غير المستقرة على الإنفاق الاستهلاكي، الذي بدوره تراجع بشكل كبير ما أدى إلى إعلان الصين عن سلسلة من الإجراءات لتعزيز الاستهلاك المحلي، بعد بيانات كئيبة حول صحة الاقتصاد، لكنها لم تصل إلى حد الإعلان عن حزمة كبيرة من الإنفاق الجديد أو التخفيضات الضريبية. وكان قد وقال لي تشونلين، نائب مدير اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح، أكبر مخطط اقتصادي في البلاد، في مؤتمر صحافي في بكين، إن “زيادة الاستهلاك هي المفتاح في تحفيز الانتعاش وتوسيع الطلب”.

 

  • ديون حكومات محلية متزايدة: تراكم الديون لدى الحكومات المحلية يحد من قدرتها على الاستثمار في البنية التحتية والقطاعات الأخرى، ويضغط على الإنفاق العام. وكان قد وصل معدل الديون في الصين خلال الربع الأول من العام 2023 إلى مستوى قياسي جديد، مع توسع البنوك في إقراض الشركات عقب رفع القيود المفروضة لمنع انتشار فيروس “كورونا” المستجد في إطار استراتيجية صفر إصابات. وذكرت وكالة “بلومبرغ” للأنباء أن معدل الدين في الصين وصل إلى 279 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وفق بيانات البنك المركزي الصيني ومكتب الإحصاء الوطني.

 

  • نمو عالمي ضعيف: تباطؤ الاقتصاد العالمي يضع ضغوطاً إضافية على صادرات الصين ويؤثر على النشاط الاقتصادي بشكل عام. ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 2.4 في المئة فقط هذا العام (2024) وسيكون ذلك أقل من نمو 2023 بنسبة 2.6 في المئة، 3 في المئة في عام 2022، و6.2 في المئة في عام 2021، وتشكل التوترات العالمية المتصاعدة، الناشئة بشكل خاص عن الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد حماس والصراع في أوكرانيا، خطر نمو أضعف.

اقرأ أيضا: صادرات الصين تسجل أول سقوط سنوي وواردات تاريخية من النفط الخام

هشاشة الاقتصاد

وتشير البيانات الأخيرة إلى أن الاقتصاد الصيني بدأ عام 2024 على أساس هش. فاستمرت الضغوط الانكماشية بسبب الانخفاض المستمر للتضخم، وقد يؤدي تراجع الأسعار إلى ضعف الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري، ما يعيق التعافي الاقتصادي. وعلى الرغم من أن الصين سجلت تحسن طفيف في الصادرات إلا أنه غير كافٍ لتعويض ضعف الطلب المحلي. فضلا عن أن انخفاض القروض المصرفية يشير إلى تراجع شهية الشركات والأفراد للاستثمار والاقتراض، مما يعيق النشاط الاقتصادي.

وتبدو الصورة الاقتصادية شديدة التباين في الصين حالياً، وسط محاولات حكومية لتأكيد سلامة الوضع في الأسواق وقوة الاقتصاد وانفتاحه لاستقبال الاستثمارات، وبين بيانات تظهر تدفقات مالية واسعة النطاق إلى الخارج.

وسجلت الصين أول عجز فصلي على الإطلاق في الاستثمار الأجنبي المباشر وفقاً لبيانات ميزان المدفوعات. مما يسلط الضوء على التحدي الذي تواجهه بكين في جذب الشركات الأجنبية في أعقاب خطوة “تقليص المخاطر” التي اتخذتها الحكومات الغربية ضد الصين.

وسجلت التزامات الاستثمار المباشر – وهي مقياس للاستثمار الأجنبي المباشر – عجزاً قدره 11.8 مليار دولار خلال الفترة من يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول، وفقا للبيانات الأولية لميزان المدفوعات الصيني.

وهذا أول عجز ربع سنوي منذ أن بدأت هيئة تنظيم الصرف الأجنبي في الصين في تجميع البيانات في عام 1998، والتي يمكن ربطها بتأثير “إزالة المخاطر” من قبل الدول الغربية تجاه الصين وسط توترات جيوسياسية متزايدة.

القطاع العقاري

غير أن مشكلة الصين الأساسية تتلخص في الديون، وخاصة في القطاع العقاري، الذي يشكل ما بين 25 في المئة إلى 35 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وأدت سنوات من الإفراط في البناء – بنحو ضعف عدد السكان، وفقا لبعض التقديرات – وتباطؤ النمو السكاني إلى انهيار الأسعار. لقد عصفت متاعب العقارات بالميزانيات العمومية للأسر الصينية ــ التي أنفقت نسبة هائلة من مدخراتها في العقارات ــ وألقت بظلالها على بقية الاقتصاد.

في المحصلة تجدر الإشارة إلى أن الأحداث الانكماشية نادرة، إلا أنه وفي الاقتصاد الانكماشي، يصبح سداد الديون أكثر صعوبة بسبب ندرة الأموال، وهي حالة تعرف باسم “انكماش الديون”، فيما تبقى “الوقاية من الانكماش أفضل من الاضطرار إلى علاجه”، ولعلّها القاعدة التي تسعى الصين إلى تطبيقها، في محاولة لمنع حصول الانكماش التام لاقتصادها.

انقر هنا للاطلاع على المزيد من أخبار الاقتصاد.