بات مؤكداً أن لجنة الاسوق المفتوحة التابعة لمصرف الاحتياطي الفدرالي ستعلن في اجتماعها المقبل في 15 مارس/آذار و16 منه، زيادة في أسعار الفائدة على الأموال الفدرالية، أي تلك التي تحدّد تكلفة الأموال التي تقرضها المصارف لبعضها البعض.
فمسألة التساؤل حول احتمال ارتفاع أسعار الفائدة الأساسية باتت وراءنا بعدما عبّدت لجنة الأسواق المفتوحة الطريق أمام هذا التدبير بإعلانها الاستعداد لرفعها بهدف ترويض معدلات التضخم التي سجلت آخر العام الماضي أسرع وتيرة ارتفاع منذ العام 1982، على اعتبار أن تكاليف الاقتراض المرتفعة ستساعد في مكافحته من خلال تقليل الطلب على السلع.
ففي نهاية العام الماضي، شهدت الأسعار في الولايات المتحدة ارتفاعاً جنونياً بنسبة 7.1 في المئة. وتوازياً، أظهرت آخر البيانات الصادرة أن مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي – وهو الذي يعتبره الاحتياطي الفدرالي المقياس الأكثر دقة للتضخم – ارتفاعه بأسرع وتيرة العام الماضي منذ العام 1982 ليبلغ 5.8 في المئة.
السؤال اليوم يتعلق بمدى ارتفاع أسعار الفائدة والسرعة التي سينطلق من خلالها الاحتياطي الفدرالي للوصول إلى أهدافه، وعددها، سيما وان التوقعات تتحدث عن أن الاحتياطي الفدرالي قد يقوم بست زيادات للفائدة هذا العام.
ضخ سيولة.. مشكلة وحل
يقول كبير الاقتصاديين في مصرف بيبلوس الخبير الاقتصادي، نسيب غبريل، لـ”ميدل إيست إيكونومي”: “كان هدف قرار الاحتياطي الفدرالي خفض معدلات الفائدة سابقاً، والذي لحقت به المصارف المركزية في العالم، مواجهة تداعيات أزمة كورونا على الحركة الاقتصادية وخصوصاً على عمل الشركات ومؤسسات القطاع الخاص والأفراد. وقد ترافق هذا التدبير مع اجراءات نقدية ومالية عبر زيادة الإنفاق واعتماد اعفاءات ضريبية”.
وأوضح أنه بعد الكشف عن اللقاحات وخفض الاجراءات الاحترازية التي كانت متبعة وإعادة العمل بشكل طبيعي لمحركات الاقتصاد، وانتعاش الاقتصاد الأميركي وزيادة نموه (6.9 في المئة في الربع الأخير من العام الماضي)، بدأ الحديث عن وجوب زيادة معدلات الفائدة نتيجة الضغوط التضخمية الكبيرة جراء السيولة الضخمة التي ضُخت ومع ارتفاع أسعار النفط عالمياً.
اجتماع الخطوات الحاسمة
الأنظار كانت اتجهت الى اجتماع لجنة الأسواق المفتوحة في السادس والعشرين من يناير/كانون الثاني، حيث كان المستثمرون يتوقعون أن يصار إلى الإعلان عن زيادة فورية في أسعار الفائدة على الأموال الفدرالية نتيجة تسارع نمو معدلات التضخم في الولايات المتحدة وبلوغها مستويات غير “مؤقتة” كما كان رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول يبعث بتطمينات الى الأسواق والمستثمرين.
لكن عوضاً عن ذلك، أعلنت اللجنة التي يرأسها باول الساعي إلى ولاية جديدة، الاستعداد لرفع معدلات الفائدة الأساسية في اجتماعها المقبل لمواجهة التضخم، للمرة الأولى منذ خفضها في آذار/مارس 2020 إلى ما بين 0 في المئة و0,25 في المئة من ضمن الاجراءات المتخذة لمواجهة جائحة كورونا. كما أعلنت تقديم موعد إنهاء برنامج شراء السندات إلى مارس/آذار بدلاً من يونيو/حزيران.
كما خلا قرار اللجنة من أي مؤشرات على استعداد المصرف المركزي لاتخاذ تدابير أشد من المتوقع للتصدي للتضخم. إذ ذكرت في بيان لها أنه “مع نسبة تضخم أعلى من 2 في المئة وسوق عمل قوي، ترى اللجنة أنه سيكون من المناسب قريباً رفع النطاق المستهدف لمعدلات الفائدة للأموال الفدرالية”.
فيما ألمح باول بقوة إلى أن الاحتياطي الفدرالي على استعداد لرفع معدلات الفائدة في اجتماعه التالي، بقوله في كلمة له بعد اجتماع اللجنة: “أعتقد إن اللجنة تفكر في رفع معدلات الفائدة للأموال الفدرالية في اجتماع آذار/مارس إذا ما كانت الظروف مؤاتية لذلك”.
الدولار الرابح الأكبر وسوق الأسهم ضحية
لقد كان من الطبيعي أن يكون الدولار هو أول الرابحين، إذ عادة ما يؤدي رفع سعر الفائدة إلى صعود الدولار أمام العملات الرئيسية.
لكن، أسواق الأسهم ستكون الضحية. فبينما يستغرق التغيير في سعر الفائدة عادة 12 شهراً على الأقل ليكون له تأثير اقتصادي واسع النطاق، فإن استجابة سوق الأسهم للتغيير غالباً ما تكون أكثر فورية، حيث أن أسعار الفائدة المرتفعة تجعل الاستثمارات الأخرى أكثر جاذبية، عدا عن أنها تؤثر سلباً على الأرباح وأسعار الأسهم (باستثناء القطاع المالي).
كما أنّ ما يؤثر على أسواق الاسهم هو معدل الفائدة على الأموال الفدرالية (أي الفائدة التي تفرضها المؤسسات الوديعة – المصارف، والمدخرات والقروض، والاتحادات الائتمانية – على بعضها البعض للحصول على قروض بين ليلة وأخرى)، وليس معدل الحسم الذي يحدده الاحتياطي الفدرالي أيضاً (وهو سعر الفائدة الذي يفرضه على المصارف التي تقترض منه مباشرة).
ولمزيد من التبسيط، فإنه حين يقوم الاحتياطي الفدرالي بزيادة معدل الأموال الفدرالية، يحاول بذلك، وبشكل فعال، تقليص المعروض من الأموال المتاحة للشراء. لكن هذا بدوره يجعل الحصول على الأموال أكثر تكلفة.
ارتفاع العائد على سندات الخزانة الأميركية للمرة الأولى منذ أكثر من 3 سنوات
ويشرح مدير الأبحاث في اتحاد أسواق المال العربية فادي قانصو لـ”أيكونومي ميدل إيست” أنه إضافة لما تقدم، سجل العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات ارتفاعاً فوق 1.86 في المئة بعيد موقف الاحتياطي الفدرالي، وذلك للمرة الأولى منذ أكثر من ثلاث سنوات. لكنه عاد وانخفض بعدما استوعب المستثمرون تقرير الناتج المحلي الإجمالي الذي جاء أقوى من المتوقع.
فقد أصدرت وزارة التجارة الأميركية تقريراً أشارت فيه إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة قد نما بنسبة 6.9 في المئة في الربع الرابع، على رغم انتشار متحوّر أوميكرون.
كما سجل العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات انخفاضاً بشكل أكبر بعد أن ارتفع مقياس التضخم الرئيسي لمجلس الاحتياطي الفدرالي في ديسمبر/كانون الأول، بأسرع معدّل له منذ العام 1983.
تداعيات قرار “الفدرالي” عربياً
هل ستحذو المصارف المركزية العربية والخليجية حذو الاجراء المرتقب من الاحتياطي الفدرالي، وما هي تداعيات هذا الأمر على اقتصادات دولها؟
يتوقع غبريل أن تتجه المصارف المركزية العربية والخليجية التي تربط عملات بلادها بالدولار، إلى رفع أسعار الفائدة سعياً للمحافظة على استقرار عملاتها.
كما يتوقع تراجع التدفقات الكبيرة لرؤوس الأموال باتجاه الأسواق الناشئة والتي بلغت 1100 مليار دولار في العام 2020 و1500 مليار في 2021، حين أفادت من ارتفاع معدلات الفائدة في هذه الأسواق مقارنة مع الفائدة المعتمدة على سندات الخزانة الأميركية.
هذا يعني أننا سنشهد تباطؤاً في تدفق هذه التدفقات باتجاه الاسواق الناشئة وخروجها في مرحلة لاحقة مع تنامي وتيرة زيادات أسعار الفائدة الأميركية التي ستجعل سندات الخزانة الأميركية أكثر جاذبية.
وعلى خط مواز، يتحدث غبريل عن الارتفاع المتوقع لتكلفة الاستدانة من الأسواق العالمية، وهو ما سيفاقم وضع الدول الناشئة التي تعاني أصلاً اختلالات في ماليتها العامة، لاعتبارات عديدة منها إنفاق الكبير خلال أزمة كورونا، وإيرادات منخفضة مقارنة الى الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي يؤدي الى تسجيل عجوزات في موازنات هذه الدول.
وكان صندوق النقد الدولي حذّر منذ أشهر من أن ارتفاع معدلات الفائدة بسرعة كبيرة قد يؤدي إلى معاقبة البلدان الناشئة والنامية، التي يتم تحديد ديونها بالدولار.
ومن التداعيات ايضاً، تنامي العجز في الحساب الجاري والذي سيتفاقم مع ارتفاع أسعار النفط حيث ستضطر الدول المستوردة إلى تحويل مبالغ أكبر للاستيراد، بحسب غبريل.
على أي حال، إنها مرحلة ترقب واسعة لما سيحصل قريباً للاقتصاد العالمي نتيجة إجراء الاحتياطي الفدرالي والذي ستكر سبحته مراراً في العام الحالي.