مع تفاقم التحديات العالمية مثل تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والنفايات والتلوث، تتسارع وتيرة بلوغ الاقتصاد الدائري لحماية الكوكب في إطار الجهود الدولية الحثيثة لتحقيق التنمية المستدامة.
أخيراً، تنامى الحديث عن وجوب الانتقال إلى الاقتصاد الدائري أخيراً مع تفشي فيروس كورونا الذي خلق أطناناً من نفايات الرعاية الطبية الزائدة للاستجابة له ومواجهته.
ففي تحليل لمنظمة الصحة العالمية، أن هناك حوالي 87 ألف طن من معدات الحماية الشخصية التي تم شراؤها وشحنها خلال الفترة ما بين آذار (مارس) 2020 وتشرين الثاني (نوفمبر) 2021 لدعم احتياجات البلدان العاجلة للاستجابة لكوفيد-19 من خلال مبادرة طوارئ مشتركة أطلقتها الأمم المتحدة.
الاقتصاد الدائري لكوكب نظيف خال من التلوث
فإذا كنا نريد العيش في كوكب صحي، يجب العمل سريعاً من أجل الانتقال إلى اقتصاد دائري خالٍ من النفايات والتلوث، في موازاة الإبقاء على المنتجات والمواد قيد الاستخدام لأطول فترة ممكنة.
ومع سلوك الاقتصاد العالمي طريق الانتعاش، هناك فرصة فريدة لتحقيق وضع طبيعي جديد يضع الدائرية في صميم نماذج الإنتاج والاستهلاك.
يقول البنك الدولي إن الاقتصاد الدائري هو إعادة تعريف النمو، مع التركيز على الفوائد الإيجابية على مستوى المجتمع، من خلال تقليل النفايات وإعادة تدويرها في سلع أخرى جديدة.
ويقدم مفهوماً جديداً للفرص من خلال إعادة التفكير وإعادة تصميم الطريقة التي تصنع بها المصانع السلع النهائية الخاصة بها، من خلال تصميم منتجات يمكن تصنيعها مرة أخرى.
الاقتصاد الدائري يخفض الانبعاثات العالمية للغازات الدفيئة بـ39 في المئة
ويمكن للاقتصاد الدائري أن يساهم في تلبية اتفاقية باريس 21 التي تعهدت بها 197 دولة في العام 2015 للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية ومن زيادة درجة الحرارة العالمية
فبحسب تقرير الفجوة الدائري 2022، من شأن هذا النوع من الاقتصاد أن يخفّض الانبعاثات العالمية للغازات الدفيئة بنسبة 39 في المئة، وأن يعالج الأزمات المترابطة مثل فقدان التنوع البيولوجي والإفراط في استخراج الموارد.
كما يشير التقرير الصادر حديثاً، إلى أنه من اصل 100 مليار طن من المواد التي تدخل الاقتصاد العالمي سنوياً، يتم إعادة تدوير 8.6 في المئة فقط في الاقتصاد، الأمر الذي يترك فجوة دائرية ضخمة تزيد عن 91 في المئة تجدر معالجتها بإجراءات عاجلة.
من هنا جاءت الدعوة الطارئة التي أطلقتها منصة “بايس” (Pace) المتخصصة بتسريع الاقتصاد الدائري في ورقة قدمتها الى منتدى دافوس، من أجل العمل للوصول إلى اقتصادات عالمية محايدة وشاملة مناخياً.
تمويل الاقتصاد الدائري
منذ العام 2017، تم انشاء صناديق استثمارية جديدة خصيصاً من أجل الاستثمار في مشاريع وأعمال الاقتصاد الدائري. وكان النموذج الأهم هي صندوق الاستثمار في الاقتصاد الدائري الذي اطلقه وأداره “بلاروك”، حيث بلغت قيمة الصندوق أكثر من مليار دولار في أقل من عام من انشائه في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2019 براسمال 20 مليون دولار، بحسب تقرير لمعهد “تشاتام هاوس” والمعروف رسمياً باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية.
ويؤكد النمو السريع لقيمة هذا الصندوق بأن هناك شهية من المؤسسات الاستثمارية لتنويع استثماراتها في الصناعات المرتبطة بالتغليف والالكترونيات والكيميائيات والالبسة وغيرها، والتي تسرّع الانتقال من الاقتصاد الخطي القائم على “الاستخلاص، الإنتاج، الاستهلاك و الرمي” إلى الاقتصاد الدائري.
وفي مؤتمر “حوار دبي 2021” الذي انعقد في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، توقع عدد من الاقتصاديين والخبراء أن يولد الاقتصاد الدائري عائدات في المزايا الاقتصادية على مستوى العالم، تصل إلى 4.5 تريليونات دولار خلال العقد المقبل، لكنهم أشاروا إلى أن 10 في المئة فقط من الاقتصاد العالمي يعتبر اقتصاداً دائرياً، ما يتيح فرصاً استثمارية واعدة للمستقبل.
الاقتصاد الدائري يوفر 138 مليار دولار على دول الخليج
في دراسة لشركة “استراتيجي آند”، فإن دول مجلس التعاون الخليجي يمكن أن تحقق وفراً من خلال هذا النموذج من الاقتصاد بـ138 مليار دولار في العام 2030، أي ما يمثل 1 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي التراكمي لهذه المنطقة بين 2020 و2030.
كما ذكرت الدراسة أن بإمكان دول مجلس التعاون الخليجي أن تخفّض الانبعاثات بـ150 مليون طن، وهو عملياً يشكل مجموع الانبعاثات من ثاني أوكسيد الكربون في النروج في العام 2015.
ودعت الدراسة حكومات دول الخليج إلى تهيئة أن تهيء شعوبها حول الأثر البيئي لتغيير عاداتهم الاستهلاكية، وحضتها على خلق إطار محلي، وإنشاء مجلس استراتيجي لمواكبة لقيادة الانتقال الى الاقتصاد الدائري.
السعودية تبرز مبادرتها أهم المحافل الدولية
وهذا ما قام به العديد من دول مجلس التعاون. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تبنت الممكلة العربية السعودية مبادرة الاقتصاد الدائري للكربون وأبرزتها في أهم المحافل العالمية، وفي مقدمتها قمة قادة مجموعة العشرين 2020 في العاصمة الرياض.
وفي كلمة له خلال افتتاح القمة افتراضياً، قال خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز: “في الوقت الذي نتعافى فيه من تداعيات جائحة كورونا، علينا أن نهيئ الظروف التي تكفل إيجاد اقتصاد قوي شاملٍ متوازنٍ مستدامٍ، من خلال تمكين الإنسان، والحفاظ على كوكب الأرض، وتشكيل آفاق جديدة”.
وترتبط مبادرة المملكة ببناء نظام اقتصادي مستقل وقائم بذاته، من خلال الركائز الأربع لمفهوم الاقتصاد الدائري للكربون، المتمثلة في الخفض، وإعادة الاستخدام، والتدوير، والإزالة.
من جهته، أعلن وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان خلال مشاركته في جلسة عن الاستثمار في الاقتصاد الدائري للكربون في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أن “تمويل برنامج الاقتصاد الدائري للكربون ممكن أن يصل إلى 10 مليارات دولار في 10 سنوات وسوف نوفر 15 في المئة من التمويل لهذا الأمر”.
مجلس متخصص في الإمارات تحقيقاً للتنمية المستدامة
منذ أيام، عقدت لجنة السياسات التابعة لمجلس الإمارات للاقتصاد الدائري التي يرأسها وزير الاقتصاد الاماراتي عبد الله بن طوق المري، اجتماعاً هو الأول لها هذا العام لوضع خارطة طريق الاقتصاد الدائري للدولة.
هذه اللجنة كانت تشكلت في يناير/كانون الثاني من العام 2021 لمتابعة التقدم المحرز في تحول البلاد نحو الاقتصاد الدائري.
كما أطلق المجلس الأعلى للطاقة في دبي لجنة للاقتصاد الدائري، لتكون منصة تجمع مؤسسات القطاعين الحكومي والخاص التي تدعم الاقتصاد الدائري.
وكانت الإمارات اعتمدت سياسة للاقتصاد الدائري، والتي تعد إطاراً شاملاً يحدد اتجاهاتها في تحقيق الإدارة المستدامة والاستخدام الفعال للموارد الطبيعية من خلال تبني أساليب وتقنيات الاستهلاك والإنتاج بما يضمن جودة حياة الأجيال الحالية والمستقبلية وتعزيز كفاءة استهلاك الموارد الطبيعية وتقليل الهدر.
وتتوقع الإمارات أن تسهم سياستها بتحقيق عوائد اقتصادية كبيرة للدولة، وتخفيف الضغط البيئي، وتأمين توريد المواد الخام، وزيادة القدرة التنافسية، وتحفيز الابتكار، وتعزيز النمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل.
لكل ما تقدم، بات الانتقال إلى الاقتصاد الدائري ضرورة حيوية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. فلن تكون هناك موارد طبيعية كافية للحفاظ على نمو الاقتصاد العالمي على أساس النموذج الخطي، مما يتطلب توجيه السياسات الاقتصادية لتنسجم مع محدودية العالم الذي نعيش فيه.