Share

التضخم العالمي يودّع 2023 بانخفاض طفيف.. وهذه أبرز تداعياته على الاقتصاد

للتضخم أسباب عديدة بدأت مع جائحة كورونا وتستمر اليوم مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية
التضخم العالمي يودّع 2023 بانخفاض طفيف.. وهذه أبرز تداعياته على الاقتصاد
أدت جائحة كورونا في مطلع العام 2020 إلى الإغلاق وغيرها من التدابير التقييدية التي عطّلت بشكل كبير سلاسل التوريد العالمية

امتدت لعنة التضخم من عام 2022 إلى 2023، لتختم بذلك سنة ثانية تعيسة على الاقتصاد العالمي. فرؤية صندوق النقد الدولي التشاؤمية بشأن معدلات التضخم في الاقتصاد العالمي، تحققت. ففي تقريره الدوري بعنوان “آفاق الاقتصاد العالمي أكتوبر/تشرين الأول 2022″، ذهب التقرير إلى أن معدلات التضخم عام 2021 بلغت 4.7في المئة، ويتوقع أن ترتفع إلى 8.8 في المئة عام 2022، أي أن التضخم تضاعف في عامين، وعن توقعات 2023 يقدّر التقرير أن تكون بحدود 6.5 في المئة، وعلى أن تتراجع لما كانت عليه في عام 2024 لتصل إلى 4.1 في المئة.

أسباب التضخم

وللتضخم أسباب عديدة بدأت مع جائحة كورونا وتستمر اليوم مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية.

حيث أدت جائحة كورونا في مطلع العام 2020 إلى الإغلاق وغيرها من التدابير التقييدية التي عطّلت بشكل كبير سلاسل التوريد العالمية، بدءاً من إغلاق المصانع إلى الاختناقات في الموانئ البحرية.

في الوقت نفسه، أصدرت الحكومات حزم تحفيز وزيادة الإعانات لمواجهة البطالة والمساعدة في تخفيف آثار الضرر على الأفراد والشركات الصغيرة جرّاء الإجراءات لمواجهة جائحة كورونا.

سياسات الدول الخاطئة

وأدت السياسات الاقتصادية للبلدان المتقدمة، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، في تعاملها مع تداعيات الجائحة إلى انفلات في التضخم المحلي والعالمي بزيادة السيولة النقدية بموجة إصدارات للنقود الرخيصة في عامي 2020 و2021 على التوالي. ومع انتشار لقاحات “الكوفيد-19” وانتعاش الاقتصاد بسرعة، تزايد الطلب على السلع والخدمات مدفوعاً جزئياً بأموال التحفيز وأسعار الفائدة المنخفضة.

فيما ترددت البنوك المركزية للبلدان المتقدمة في التصدي للتضخم الناجم عن النقود الرخيصة وفائض السيولة النقدية عليها مع بداية عودة الناس إلى حياتهم الطبيعية، كما تعثرت حكومات تلك الدول في علاج مشكلة سلاسل الإمداد للتجارة الدولية

الحرب الروسية الأوكرانية

على المقلب الآخر، أدى الغزو الروسي لأوكرانيا في أوائل العام 2022 إلى سلسلة من العقوبات الاقتصادية والقيود التجارية على روسيا، مما حد من إمدادات العالم من النفط والغاز، علماً أن روسيا من أكبر الدول المنتجة للوقود. وأدّت الحرب الروسية على أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية لتتجاوز 120 دولارًا للبرميل. في المقابل ارتفعت أسعار المواد الغذائية بسبب تعذُّر تصدير محاصيل الحبوب الكبيرة في أوكرانيا، مع زيادة الطلب بعد انكماش أزمة كورونا. وإلى ذلك أدى ارتفاع أسعار الوقود والغذاء، إلى زيادة تعطل سلاسل القيمة، إضافة إلى الضرر الناجم إثر جائحة كورونا، ما جعل الأسعار ترتفع بشكل جنوني.

اقرأ أيضا: معدل التضخم في السعودية يرتفع بشكل طفيف بـ1.7 في المئة ويظل قرب أدنى مستوى منذ عامين

رفع أسعار الفائدة

وفي محاولة لتدارك الخطأ الجسيم بعدم التصدي المبكر للتضخم، الذي لم تشهد مثله دول العالم منذ أربعين عامًا، سارعت البنوك المركزية الرئيسة بما في ذلك البنك الفيدرالي الأميركي برفع غير مسبوق في سرعته لأسعار الفائدة، في محاولة للجم التضخم، فتراجعت أسواق المال خاسرة في أسابيع ما جمعته في سنين، وارتفعت تكلفة الاستثمار وتراجعت أسعار العقارات في البلدان المتقدمة، وتوالت الأنباء عن تعثر سداد بلدان نامية لديونها إثر زيادة تكلفة الاقتراض مع زيادة الغلاء فيها، وأمسى العالم مثقلًا بموجات وتخوفات من الركود التضخمي.

واليوم يختتم التضخم العالمي عامه الثالث ليستقبل عاما جديدا مع بعض التغييرات، حيث تراجعت نسب التضخم في معظم دول العالم لتقترب من معدلات مستهدفات البنوك، التي قادت معركة شرسة لكبح جماح التضخم على مدى نحو 20 شهراً من خلال رفع أسعار الفائدة لتصل إلى مستويات قياسية.

التضخم يتباطأ

وتباطأ التضخم في الولايات المتحدة خلال شهر أكتوبر الماضي بأكثر من التوقعات، إلى 3.2 بالمئة على أساس سنوي، بعد ان ارتفع إلى 9.1 في المئة في يونيو/حزيران 2022، مسجلا أعلى مستوياته منذ أكثر من 40 عاماً.  مستهدفات البنك هي إبقاء أسعار الفائدة دون الـ 2 في المئة. وهو ما قد يعجز الفيدرالي من تحقيقه قبل العام 2025.

وفي بريطانيا تباطأ التضخم السنوي لشهر أكتوبر/تشرين الأول بنسبة 4.6 في المئة بعد أن سجل نسبة 6.7 في المئة خلال سبتمبر/أيلول وأغسطس/آب الماضيين. فيما كان قد وصل التضخم في بريطانيا إلى 11.1 في المئة في أكتوبر/تشرين الاول 2022 وهو أعلى مستوى في 41 عاماً. ومستهدفات بنك إنكلترا هو تخفيض حجم التضخم إلى 2 في المئة. وأبقى البنك على أسعار الفائدة عند 5.25 ف في المئة.

أما في منطقة اليورو، فقد تباطأ التضخم إلى 2.9 في المئة، وفق ما أظهرت بيانات المكتب الأوروبي للإحصاءات (يوروستات) لشهر أكتوبر/تشرين الأول كان معدل التضخم في منطقة اليورو وصل إلى 10.6 في المئة في أكتوبر/تشرين الأول 2022 مسجلاً أعلى مستوى تاريخياً.

وبالنسبة لأسعار الفائدة، فقد أبقاها البنك المركزي الأوروبي دون تغيير عند مستوى 4.50 في المئة، لينهي سلسلة من الزيادات استمرت 15 شهراً.

وفي ألمانيا، أعلن المكتب الاتحادي للإحصاء في مدينة فيسبادن عن حدوث تباطؤ ملحوظ في وتيرة التضخم في البلاد، مشيراً إلى أن المعدل بلغ 3.8 في المئة مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، وتجدر الإشارة إلى أن هذا هو أدنى معدل للتضخم يتم تسجيله منذ أغسطس/آب 2021، فيما المعدل تجاوز مستوى الـ 8 في المئة في يناير/كانون الثاني الماضي.

الدول النامية

وإلى ذلك، وفي ضوء ارتفاع معدلات التضخم عالميًا، دفعت الدول النامية الثمن الأكبر من هذه التداعيات، في إطار ما يُعرف بالتضخم المستورد، بسبب اعتمادها على استيراد العديد من السلع الاساسية من الخارج، لذلك عانت غالبية الدول العربية من ارتفاع معدلات التضخم خلال عام 2022، وقد يكون انخفاض أسعار النفط في السوق الدولي مؤخرًا أسهم في تخفيض معدلات التضخم خلال عام 2023.

كما ساهمت سياسة رفع الفائدة على الدولار التي اتبعتها أميركا بارتفاع قيمة الدولار أمام جميع العملات للدول الأخرى، وهو ما أدى إلى ارتفاع التضخم بسبب انخفاض قيمة العملات المحلية في العديد من الدول النامية، مثل: مصر وتونس وسوريا ولبنان.

والسؤال الأكبر اليوم هو عن السياسات التي ستعتمدها المصارف المركزية في عام 2024. فهل ستنهي حقبة رفع أسعار الفائدة؟ أو ان التضخم سيستمر بالارتفاع في الأعوام المقبلة؟

انقر هنا للاطلاع على المزيد من الأخبار الاقتصادية.