يوماً بعد يوم، يثبت العلم أنّ الذكاء الاصطناعي والإنسان يمكن أن يندمجا في كيان موحد. يبقى السؤال هنا: هل هذه العلاقة ستكون مثمرة لبني البشر؟ وهل يهدد الذكاء الاصطناعي مستقبل الجنس البشري، أم أنها فرصة ينبغي علينا أن نغتنمها؟
بالتأكيد، الإجابة على هذه الأسئلة ليست بالأمر السهل، فالإنسانية ما زالت في بدايات تلك الرحلة. لكن مما لا شك فيه أن هناك دروساً وعِبر نستقيها من التقدم الحاصل حتى الآن.
الإنسان المدمج والآلة
تعتقد “بايدو للأبحاث” أن البشر سيتحولون في نهاية المطاف إلى مخلوقات شبيهة بالأفاتار أو نصف إنسان – نصف آلة، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يطابق الحواس البشرية أو يحاكيها.
ترى “بايدو” أن ما يُعرف بـ”الواقع الممتد” سيحل في يومٍ ما مكان الواقع الذي نعرفه. وقد خلصت المؤسسة إلى أن العالم الافتراضي سيكون سوقاً للاقتصاد الرقمي اللامركزي الذي سيقضي على الاقتصاد الحقيقي.
رقائق ذكية تعزز تجربتنا الإنسانية
هل يمكن لإنسان نصفه بشري ونصفه الآخر آلة أن ينقلنا إلى عصر جديد من الإنسانية؟
في هذا الإطار، بدأت شركة “نيورالينك” الناشئة للواجهة الحاسوبية والدماغية التي أطلقها رائد الأعمال إيلون ماسك تجارب إكلينيكية على وضع شرائح ذكية داخل الدماغ البشري.
في هذا السياق، توقع ماسك أن منتج شركته “سيُمكّن شخصاً مصاباً بالشلل من استخدام هاتف ذكي بعقله أسرع من أي شخص يستخدم أصابع يديه”. كما صرّح مؤخراً أن هذه الغرسات يمكن أن تسمح للأشخاص المصابين بالشلل الرباعي بالمشي مجدداً.
وقد زرعت الشركة بنجاح الرقائق الذكية في دماغيْ كل من قرد وخنزير، مما يمهد الطريق أمام التجارب على البشر، وفقاً لصحيفة الغارديان البريطانية.
في واقع الأمر، يؤشر ذلك إلى قدرة البشر عما قريب على التحكم بأجهزة الكمبيوتر عبر أذهانهم من خلال الأقطاب الكهربائية أو الرقائق المزروعة جراحياً.
لا يختلف اثنان أن التكنولوجيا تسمح لنا بالتواصل مع الآخرين عن بعد بشكل جيد. إنطلاقاً من ذلك، قد ترسل هذه الرقائق الذكية يومًا ما موجات دماغية في فضاء إلكتروني هجين يمكن أن يصل إلى أي شخص في أي مكان.
بعد ذلك، هل سنحتاج إلى جدار حماية بشري حتى نتمكن من التحكم بأفكارنا ونمنع الآخرين من اختراقها؟
تطورات “تقولب العقل”
كان تفاعل الإنسان مع الكمبيوتر (HCI) بحثًا بدأ في ثمانينيات القرن الماضي، وهو يُعرف الآن أكثر تحت اسم “الحوسبة العصبية”. تهدف هذه التقنية إلى تكامل الأنظمة التي تحتوي على الدوائر الإلكترونية التناظرية التي تحاكي البنى العصبية البيولوجية الموجودة في الأنظمة العصبية البيولوجية.
في الآونة الأخيرة، قامت جامعة كولومبيا بدمج غرسات الدماغ والذكاء الاصطناعي ومركب الكلام لترجمة نشاط الدماغ إلى كلمات روبوتية يمكن التعرف عليها. النتيجة: يمكن للدماغ الآن التحدث إلينا.
يعتقد العلم أن واجهة الدماغ البشري والآلة يمكن أن توفر للأشخاص إمكانية الوصول الفوري إلى المعرفة البشرية العالمية على السحابة وتحسين قدرات التعلم والذكاء بشكل كبير.
بيولوجيا الإنسان والآلة
أصبح الجسم مجالاً تجريبياً لمجموعة من التقنيات الجديدة والتطبيقات البيولوجية، كل ذلك باسم العلوم الطبية.
ويتضمن ذلك التسلسل الجيني وتحرير الجينات والغرسات الخلوية والأجهزة القابلة للارتداء الموجودة في أجسامنا.
في هذه الأيام، يشن العلماء حرباً على البكتيريا من خلال إطلاق العنان لروبوتات على نطاق نانو تكون بمثابة “القنابل الذكية”.
بالإضافة إلى ذلك، هناك مناقشات جارية ضمن دوائر البحث العلمي حول إمكانية زرع عيون وكلى إلكترونية، أو أعضاء بشرية مطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد.
أجهزة الكمبيوتر الحيوية
نتطلع إلى اليوم الذي يمكن لأجهزة الكمبيوتر الحيوية أن تخزن بيانات عن الحمض النووي للخلايا الحية، بما في ذلك تلك البشرية.
بالفعل، يجرى حالياً اختبارات للحمض النووي ليصبح وسيلة لتخزين المعلومات، الأمر الذي يسمح له أن يحل محل الوسائل التقليدية مثل الأقراص المضغوطة وأقراص DVD. وقد تتيح هذه التقنية لأجهزة الكمبيوتر الحيوية بإجراء حسابات معقدة تتجاوز قدرات الإنسان الحالية.
ولهذه الغاية بالذات، قام باحثون في “تكنيون” بتجميع حاسوب حيوي معقد، وهو نظام بيولوجي مبرمج يقوم بمهام معقدة.
الآلة تحل محل الإنسان
أصبحت الروبوتات أداة لا غنى عنها في مجالات الدعم اللوجستي والصناعة، فضلاً عن استخدامها في مناولة الأغراض وعمليات التفتيش وبناء منشآت الرعاية الصحية وخدمات توصيل الطعام.
وفي هذا الصدد، صرّحت ويندي تان وايت، الرئيسة التنفيذية في شركة “إنترينسك”: “نحن على أعتاب نهضة في مجال الروبوتات الصناعية، عنوانها الحلول التي تقدمها البرمجيات في المقام الأول، والتقنيات التي تستخدم الاستشعار بأقل كلفة، فضلاً عن وفرة أكثر في المعلومات والبيانات”.
قد نصل إلى يوم تكون فيه الروبوتات المستقلة قادرة على التفاعل ضمن بيئة عمل معقدة، الأمر الذي يؤدي إلى إزاحة أو استبدال القوى العاملة البشرية. نحن أمام احتمالين لا ثالث لهما: إما أننا سنخلق وحشاً ذكياً لا يتوانى في السعي وراء استقلاله عن البشر، أو نكون على مشارف عالم جديد ذكي يتغلب على نقاط ضعفنا بدلاً من الخضوع لها.
وحدها الأيام القادمة كفيلة بأن تكشف لنا مسار الأمور.