كان متوقعاً أن يبقي المصرف المركزي الأوروبي على فائدته الصفرية، لكن المفاجأة كانت في قرراه تسريع عملية إنهاء التحفيز النقدي المرتبطة بجائحة كورونا بشكل غير متوقَّع. وينظر المصرف المركزي بقلق كبير الى التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية – الأوكرانية التي دفعته الى إجراء خفض حاد في توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو لعام 2022 في حين رفع كثيراً توقعاته لمعدل التضخم.
القرار المفاجئ للمصرف المركزي الاوروبي تسريع إنهاء برنامج إعادة شراء السندات المالية العامة والخاصة، الذي يحمل اسم “التيسير الكمي”- الذي كان وقد كان سلاحه الرئيسي الذي أطلقه عندما كان التضخم محدوداً – يؤشر على أنَّه بات أكثر قلقاً بشأن معدل التضخم القياسي مقارنة بمعدل النمو الاقتصادي الأضعف، في ظل تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا على الأسعار.
وهو ما فسرته بوضوح رئيسة المصرف المركزي الأوروبي كريستين لاغارد التي قالت إن هذه الحرب “سيكون لها تأثير كبير على النشاط الاقتصادي والتضخم، من خلال ارتفاع أسعار الطاقة والسلع، وتعطيل التجارة الدولية وضرب الثقة”. وأطلقت ناقوس الخطر على مستقبل منطقة اليورو قائلة إن ” المخاطر على الآفاق الاقتصادية لمنطقة اليورو زادت بشكل كبير” بسبب النزاع.
وكان العديد من مسؤولي “المركزي الأوروبي” رجحوا في وقت سابق أن يعطل غزو أوكرانيا سحب التحفيز النقدي من دون أن يمنعه.
وقد تسارع ارتفاع الأسعار بشكل مخيف في فبراير/شباط ليصل إلى مستوى قياسي قدره 5.8 في المئة في منطقة اليورو، فيما المستهدف من المصرف المركزي هو 2 في المئة.
وكان ارتفاع هذه الأسعار عززه الطلب القوي عقب الوباء وارتفاع أسعار الطاقة التي قفزت 31,7 في المئة في فبراير/شباط، ونقص الإمدادات. لكنه صار اليوم مدفوعاً بالحرب في أوكرانيا، لاسيما وأن روسيا أحد موردي الطاقة الرئيسيين للاتحاد الأوروبي.
خطة خفض شراء السندات
وفق الخطة التي رسمها المصرف المركزي، فان صافي المشتريات الشهرية للديون الخاصة والعامة ستبلغ 40 مليار يورو في أبريل/نيسان (من 80 مليار يورو قيمة مشترياته الشهرية سابقاً)، وتتقلص في مايو/أيار إلى 30 مليار يورو، فـ20 ملياراً في يونيو/حزيران.
وكان المصرف أراد سابقاً خفض مشتريات الديون إلى 20 ملياراً اعتباراً من أكتوبر/تشرين الأول وإبقائها “طالما كان ذلك ضروريا”.
وذكر بيان صادر عقب اجتماع المصرف أن مجلس الإدارة “سيختتم صافي المشتريات… في الربع الثالث” إذا “لم تتراجع” آفاق التضخم على المدى المتوسط.
كذلك، أعلن المصرف أن البرنامج الطارئ بقيمة 1850 مليار يورو لشراء الديون الذي أطلق عام 2020 لمواجهة الركود الناجم عن جائحة كوفيد، سينتهي بعد مارس/آذار. وأبقى على معدلات الفائدة الرئيسية عند أدنى مستوياتها التاريخية، ولا سيما الجزء الضريبي السالب بقيمة 0,50 في المئة على السيولة المصرفية التي لم تصرف كقروض لتمويل الاقتصاد.
لا ربط بين إنهاء برنامج التحفيز وزيادة الفائدة
ولوحظ أن المصرف المركزي سعى الى التخفيف من الربط بين إنهاء شرائه من السندات و أول زياة في الفائدة. فهو لم يعد يؤكد، على عكس ما فعله حتى الآن، أن وقف مشتريات الديون سيتبعه تلقائياً ارتفاعٌ في معدلات الفائدة. هذا الامر يمنح صانع القرار النقدي قدراً كبيراً من المرونة ويترك خيار رفع سعر الفائدة مفتوحاً قبل نهاية العام، وذلك نظراً لخطر التضخم ولعدم اليقين الكبير.
فالبيان أشار في هذه النقطة إلى أن “أي تعديل لأسعار الفائدة سيحدث بعد مرور بعض الوقت على انتهاء صافي مشتريات مجلس الإدارة في إطار برنامج شراء الأصول وسيكون تدريجياً”، من دون أن يحدد الفترة الزمنية.
خفض التوقعات
لا تزال لاغارد تتوقع نمو اقتصاد منطقة اليورو بقوة في 2022، لكنها ترى أن الوتيرة ستكون ابطأ مما كان متوقعا قبل بدء الحرب”.
وفي الارقام، فان المصرف المركزي الاوروبي خفّض توقعاته، متوقعاً نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.7 في المئة هذا العام في مقابل 4.2 في المئة الواردة في أحدث التوقعات. وفي المقابل، يتوقع أن يصل ارتفاع الأسعار إلى 5.1 في المئة في مقابل 3.2 في المئة التي كانت متوقعة حتى الآن.