Share

النقد الدولي يحذر من مرحلة محفوفة بالمخاطر في ظل استمرار انخفاض آفاق النمو العالمي

الأزمات المصرفية والتضخم المتصاعد وعدم اليقين الجيوسياسي تساهم في آفاق أكثر قتامة
النقد الدولي يحذر من مرحلة محفوفة بالمخاطر في ظل استمرار انخفاض آفاق النمو العالمي
مرحلة محفوفة بالمخاطر

لفحة الأمل التي ظهرت بداية هذا العام عن تحسنٍ في آفاق الاقتصاد العالمي، سرعان ما تراجعت لتنتشر مجدداً حالة من الضبابية وعدم اليقين حول مستقبل اقتصادات الدول.

أسباب هذا التراجع جلية، وهي الاضطرابات المصرفية التي تفجرت من الولايات المتحدة لتنتقل إلى سويسرا، إضافة الى استمرار ارتفاع معدلات التضخم والتي تجبر المصارف المركزية في العالم على الاستمرار بوتيرة التشدد النقدي، وعدم وضوح أفق الحرب الروسية – الأوكرانية. وهو ما يضع الاقتصاد في “انتعاش صعب” وفق توصيف صندوق النقد الدولي.

وكانت الاضطرابات الأخيرة في القطاع المالي، ضربت ثلاثة مصارف إقليمية في الولايات المتحدة وأجبرتها على إشهار إفلاسها، وفي سويسرا ايضاً حيث تم الترتيب بسرعة لاستحواذ مصرف “يو بي إس” السويسري على منافسه “كريدي سويس”، وذلك على خلفية رفع المصارف المركزية أسعار الفائدة لمحاربة التضخم.

وما هو مدعاة للقلق هو أن التشديد الحاد للسياسة النقدية على مدار الإثني عشر شهراً الماضية بدأ يؤدي إلى ظهور آثار جانبية خطيرة في القطاع المالي.

إقرأ أيضاً: صندوق النقد يحذر من تضرر النمو العالمي من الاضطرابات المالية

ومن هذا المنطلق، لا تزال معظم البلدان بعيدة عن استعادة وضعها الطبيعي، مع استمرار التضخم الذي يتوقعه صندوق النقد الدولي أن يبقى مرتفعاً في 2023 مسجلاً حوالى 7 في المئة على الصعيد العالمي، من دون الأخذ بالاعتبار أسعار المواد الغذائية والطاقة التي هي بطبيعتها أكثر تقلباً، ما يجعل التضخم الأساسي غير قابل للتحديد بدقة.

من هنا، يدخل العالم اليوم في مرحلة خطرة يظل النمو الاقتصادي فيها منخفضاً بالمعايير التاريخية، بينما ازدادت المخاطر المالية، فيما التضخم لم يتجاوز المنعطف الحرج بشكل حاسم بعد.

لكن الأمل لا يزال قائماً في امكان التعافي الاقتصادي العالمي. وهو ما يعبر عنه بوضوح صندوق النقد الدولي الذي لا يلغي استمرار التعافي، لكنه في المقابل يرى أن طريقه أصبحت وعرة.  فحالة عدم استقرار المصارف كانت بمثابة جرس إنذار إلى أن الوضع لا يزال هشاً، في وقت يبدو أن مخاطر التطورات السلبية هي السائدة والضباب الذي يلف آفاق الاقتصاد العالمي اشتد كثافة.

إلا أن هذه الصورة لا يجب أن تحبط عزيمة المصارف المركزية في معركتها ضد التضخم. فأي توقع بأن المصارف المركزية ستتخلى قبل الأوان عن مكافحة التضخم سيكون له تأثير معاكس: انخفاض العائدات، ودعم النشاط الاقتصادي على نحو يتجاوز ما تبرره الحاجة، وتعقيد مهمة السلطات النقدية في نهاية المطاف، بحسب ما يرى الصندوق. وهذا يعني أنه ينبغي أن تظل السياسة النقدية مركزة على خفض التضخم، ولكن مع التأهب للتكيف بسرعة مع التطورات المالية.

وهنا يرى صندوق النقد الدولي بارقة الأمل في أن يساعد الاضطراب المصرفي على إبطاء النشاط الكلي مع تقليص المصارف للإقراض. والمتوقع من هذا الأمر أن يخفف جزئياً الحاجة إلى مزيد من التشديد النقدي للوصول إلى نفس الموقف على صعيد السياسات.

الركود قدر محتوم؟

 

ولكن هل إن خيار الركود لا يزال مرتفعاً في هذا العام؟

لقد كان الاحتياطي الفدرالي واضحاً في هذا الخصوص حين عبّر محضر اجتماعه الذي حصل في 21 و22 مارس/آذار، عن قلق العديد من أعضاء اللجنة الفدرالية للأسواق المفتوحة إزاء أزمة السيولة المصرفية الإقليمية. إذ يتوقع مسؤولو الاحتياطي الفدرالي ركوداً معتدلاً يبدأ في وقت لاحق من هذا العام، مع انتعاش خلال العامين التاليين.‏

وفي آفاقه الاقتصادية، لا يحدد صندوق النقد الدولي فقط ما ينتظره في السنوات القليلة، بل إنه قلق أيضاً من أن الأمور قد تزداد سوءًا. هو يحذر من أن الاقتصاد العالمي يدخل “مرحلة محفوفة بالمخاطر” من النمو الاقتصادي المنخفض والمخاطر المالية العالية.

أما بالنسبة للبنك الدولي، فقد نشر تقريراً من 564 صفحة ينصب اهتمامه الرئيسي على عنوانه “تراجع آفاق النمو على المدى الطويل”. ويحذر من “عقد ضائع في طور التكوين”، ويتوقع أن النمو الضئيل في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين “سيمتد إلى ما تبقى من العقد الحالي”.

صحيح أن التضخم العالمي سجل انخفاضات في الأشهر الأخيرة، وهو الذي يعكس في الغالب الانعكاس الحاد في أسعار الطاقة والغذاء. لكن التضخم الأساسي، الذي يستثني مكونات الطاقة والغذاء المتقلبة، لم يبلغ ذروته بعد في العديد من البلدان. وهذا يعني أن المصارف المركزية لن تتراجع عن رفع معدلات الفائدة والذي بدوره سيتسبب، كما هو واضح اليوم، بفرملة أي نمو اقتصادي.

من هنا، فان مجموعة العوامل هذه دفعت بصندوق النقد الدولي إلى خفض توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي بمقدار 0.1 نقطة مئوية هذا العام والعام المقبل، إلى 2.8 في المئة و 3 في المئة على التوالي.

وماذا عن دول المنطقة؟

 

أربعة تحديات تواجهها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتمثل في معالجة التضخم وما يستدعيه من رفع للفائدة بما قد يؤثر على النمو الاقتصادي، وحالة عدم اليقين التي تشهدها الأسواق العالمية والتوترات الجيوسياسية.

ويرى صندوق النقد أن خفض الإنتاج النفطي الأخير لـ”أوبك+” سيكون له تأثير سلبي على النمو الاقتصادي للمنطقة، ولكن في المقابل ستواصل الدول المصدرة للنفط في المنطقة تحقيق نسب نمو جيدة بنحو 4.5 في المئة، ومع ارتفاع أسعار النفط المتوقعة سيكون له تأثير إيجابي على ميزان المدفوعات لتلك الدول وفي بعض الحالات على المالية العامة.

ومن المتوقع أن يتباطأ النمو في البلدان المصدرة للنفط في المنطقة إلى 3.1 في المئة خلال 2023 من 5.7 في المئة عام 2022، مع توقعات بأن يكون القطاع غير النفطي المحرك الرئيسي للنمو.

وخفض صندوق النقد الدولي توقعاته بالنسبة الى نمو الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، إلى 3.1 في المئة في 2023، من 5.3 في المئة في العام السابق، “بسبب السياسات المتشددة لاستعادة استقرار الاقتصاد الكلي وخفض الإنتاج المتفق عليه في أوبك+ وتداعيات التدهور الأخير في الأوضاع المالية العالمية”.

ووضع صندوق النقد الدولي العراق ومصر على رأس قائمة الاقتصادات العربية الأعلى نمواً في العام 2023. ومن المتوقع أن ينمو اقتصاد كلي البلدين بنسبة 3.7 في المئة.

مع الإشارة هنا إلى أن الصندوق خفّض توقعاته لمصر بواقع 0.3 في المئة للعامين الحالي والمقبل، مقدّراً أن يبلغ نمو اقتصادها للسنة المالية 2022-2023، التي تنتهي في يونيو/حزيران، مستوى 3.7 في المئة، وللسنة المالية المقبلة 5 في المئة.

في المقابل، دفعت الإصلاحات التي نفذتها السعودية على طريق تنويع الاقتصاد وتعزيز قدرة قطاعها غير النفطي إلى رفع الصندوق توقعاته لنمو اقتصادها، إلى 3.1 في المئة من 2.6 في المئة في تقرير يناير/كانون الثاني.

ويبدو أن تأثير الأزمات المالية والمصرفية في العالم كان محدوداً على الشرق الأوسط. وكانت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني توقعت أن يكون تأثير انهيار بعض المصارف في الولايات المتحدة وامتداده إلى سويسرا محدوداً على مصارف الخليج كونها تتمتع بمرونة كبيرة. فيما رأت “ستاندرد آند بورز” إن غالبية المصارف الخليجية يمكنها إدارة أي مخاطر عدوى من إخفاقات المصارف حيث أن تعرضها للولايات المتحدة أقل من 5 في المئة من إجمالي الأصول.

ولكن، هناك مخاوف من عدوى مخاطر عدم الاستقرار المالي العالمي على المنطقة، وإمكانية تأثر المنطقة بالتقلبات في الأسواق العالمية ومن تنامي مشكلات الديون وخصوصاً في الاقتصادات الناشئة.

كما أن هناك مخاوف من أن يؤدي أي تصعيد في الحرب الروسية – الأوكرانية إلى تفاقم حالة عدم اليقين في أسواق الطاقة، ما يؤدي إلى ضغوطات على المنطقة.

في الختام، يترقب الجميع التطورات الاقتصادية الحاصلة في الصين والهند اللتين يتوقع صندوق النقد نمو اقتصادهما بواقع 5.2 في المئة و5.9 في المئة هذا العام. فهذان البلدان قد يساهمان “في نصف النمو الاقتصاد العالمي” وفق مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا، فيما يعتبرهما رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس “استثناءان” من التباطؤ الاقتصادي العالمي المتوقع.

أنقر هنا للمزيد من التقارير الاقتصادية.