لم تتوقف بطبيعة الحال تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على قطاع البناء بعد مرور عام واحد من الصراع.
في 24 فبراير/شباط 2022، أرسل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما يقرب من 200 ألف جندي إلى أوكرانيا. نتج عن ذلك أكبر غزو أوروبي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
أدت الحرب والعقوبات اللاحقة المفروضة على روسيا إلى تعطيل سلاسل التوريد بين البلدين. كما تأثرت سلاسل التوريد غير المباشرة إلى آسيا عبر روسيا.
إقرأ أيضاً: هل من تداعيات للحرب الروسية – الأوكرانية على الاقتصادات الناشئة؟
وشهدت المواد الخام والنفط والغاز وخدمات النقل ارتفعات في الأسعار كنتيجة مباشرة للصراع.
أثرت اتجاهات الاقتصاد الكلي هذه على قطاع البناء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال العام الماضي. وبالرغم من تضاءل الصدمة الفورية لأسواق المنتجات إلى حد ما بمرور الوقت، إلا أن استمرار الصراع لا يزال له تأثيرات كبيرة على أسواق المشاريع في المنطقة في العام 2023.
أسعار المواد الخام
كان تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على البناء أكثر جلاءً في سوق مواد البناء.
ارتفعت أسعار المعادن في الأيام الأخيرة من فبراير/شباط 2022، لتصل إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق في الأسابيع التي أعقبت اندلاع الحرب.
في 8 مارس/آذار 2022، أوقفت بورصة لندن للمعادن تداول النيكل بعد أن تضاعفت الأسعار لتتجاوز 100 ألف دولار للطن المتري. كما تراوحت أسعار الألمنيوم والنحاس في معدلات أعلى من 4 آلاف دولار و 10,700 دولار على التوالي آنذاك.
إقرأ أيضاً: ما مدى تأثير النسخة 2.0 من مبادرة الحزام والطريق الصينية على مشاريع المنطقة؟
وبينما تراجعت طفرات أسعار المواد لفترة وجيزة في يوليو/تموز، استمرت القيم في الارتفاع منذ نهاية العام 2022. ويُعتقد أن هذا يرجع إلى حدّ كبير إلى التقلبات في أسعار النفط وزيادة الطلب العالمي من قطاعات مثل السيارات والقطاع الصناعي.
وفي حديث لـ “إيكونومي الشرق الأوسط”، لفت أحد مدراء المناقصات في دبي إلى أنه: “هناك مشاكل على صعيد سلسلة التوريد ناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية”.
وأضاف: “إن أسعار المواد الخام آخذة في الارتفاع، مما يؤثر على أسعار العطاءات وتكاليف المشروع”.
منذ اندلاع الحرب، شكّلت تكاليف الشحن المرتفعة أيضًا تحديات لسلسلة توريد البناء في الشرق الأوسط. خلال العام الماضي، تم تغيير مسار بعض الخطوط التجارية، مما أدى إلى تأخير في التسليم أو زيادة في التكاليف.
سيستمر اعتماد قطاع البناء العالمي على كلّ من روسيا وأوكرانيا للحصول على المواد الخام مثل النحاس والنيكل والخشب والصلب في التأثير على توافر المواد وأسعارها.
تداعيات أوسع نطاقاً
استمرت اضطرابات سلسلة التوريد، التي كانت تؤثر بالفعل إلى حد كبير على أسواق البناء خلال الوباء، منذ اندلاع الصراع بين روسيا وأوكرانيا في فبراير/شباط 2022.
وأفادت “الراي” الكويتية في يونيو/حزيران أن قطاع البناء الكويتي يواجه خلافات تعاقدية، مما يزيد من احتمالية حدوث “موجة” من عمليات إنهاء العقود.
وتابع التقرير أن “بعض المقاولين رفضوا تنفيذ العقود التي وقعوا عليها في بداية [2022] لأسباب تتعلق بإصدار الترخيص أو اعتبارات تتعلق بأي من الطرفين”.
إقرأ أيضاً: أكسيونا متفائلة بشأن سوق المشاريع في المنطقة في 2023
وبرّروا ذلك بأسباب مقنعة تتعلق بالزيادة غير المسبوقة في أسعار السلع الإنشائية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم، مما وضع قدرة المقاولين على الاستمرار في التنفيذ في خطر.
“تم اكتشاف أن المتعاقدين أبلغوا بعض العملاء أنهم لن يتمكنوا من تغطية الفرق من ميزانيتهم ما لم يتم إعادة النظر في قيمة العقد”.
ويُعتقد أن العقود عبر الخليج قد خضعت لتعديلات في الميزانية منذ بدء الحرب.
إقرأ أيضا: العوامل الاقتصادية قد تضع سوق العقارات في مصر على المحك في 2023
الصراع بين روسيا وأوكرانيا: التوقعات المستقبلية لقطاع البناء
تشير معنويات السوق إلى أنه من غير المرجح أن يتراجع ضغط الأسعار على مواد البناء تمامًا حتى يتم التوصّل لحلّ بشأن الحرب.
وستظل حالة عدم اليقين التي تطبع أسواق النفط تشكّل مصدر قلق لصنّاع القرار بشأن مشاريع الشرق الأوسط.
وبالرغم من وجد برامج للتنويع الاقتصادي لتقليل الاعتماد على البترودولار، إلا أن احتمال انخفاض عائدات النفط سيعيق جهود الإعمار في المنطقة.