Share

توسيع الشمول المالي لتحقيق النمو تحدٍ تواجهه المصارف

ما يقرب من مليار امرأة من أسر البلدان النامية ما زلن خارج النظام المالي الرسمي
توسيع الشمول المالي لتحقيق النمو تحدٍ تواجهه المصارف
أصبح الشمول المالي موضوعاً ذا أهمية كبيرة في المنطقة

مصطلحات عديدة يتم تداولها في العقد الأخير كمثل التنمية المستدامة، والحوكمة الرشيدة، والرأسمالية المسؤولة، والنمو الشامل، وغيرها. وهذا، وإن دلّ على شيء، فعلى مستوى الوعي الذي بلغته المجتمعات، ولدى صانعي القرار، من أن السياسات الاقتصادية التي لا تأخذ البعد الاجتماعي والعدالة الاجتماعية في الاعتبار، لا تلبي تطلعات الشعوب وحاجاتهم، وقد ينتج عنها عدم استقرار اجتماعي واقتصادي.

وقد جاء التداول في موضوع الشمول المالي في السنوات الأخيرة الماضية ليكمل هذا النمط الجديد في النقاش الاقتصادي.

وأثبتت الدراسات أن تحقيق الشمول المالي مرتبط بشكل ايجابي بتعزيز النمو وخلق فرص عمل، لأنه يتيح توزيعاً أفضل لرأس المال  وللمخاطر .كما ان الحصول الأوسع على الخدمات المصرفية من قبل فئات المجتمع كافة له تأثير إيجابي على الاستقرار المالي الذي يفيد الفقراء بصورة غير مباشرة.

وبالتالي، أصبح الشمول المالي موضوعاً ذا أهمية كبيرة كعنصر لا غنى عنه في دفع النمو الشامل ودعم التنمية الاقتصادية الشاملة في الشرق الأوسط ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وقد سمحت التطورات التكنولوجية والابتكار للمصارف بإحراز تقدم كبير نحو الشمول المالي على نطاق واسع، ما يشير إلى الدور الكبير الذي تلعبه المصارف والمؤسسات المالية في إدخال تغيير على هذه المعادلة.

فما هو الشمول المالي ولماذا هو مهم؟

 

بحسب تعريف البنك الدولي، هو يعني أن يكون للأفراد والشركات إمكانية الوصول إلى منتجات وخدمات مالية مفيدة وبأسعار معقولة تلبي احتياجاتهم، من معاملات ومدفوعات ومنتجات ادخار وتسهيلات ائتمانية وقروض وخدمات تأمين وغيرها، وأن يتم تقديمها على نحو مسؤول ومستدام.

وتم تحديد الشمول المالي، باعتباره عامل تمكين لسبعة من أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر. وبالنسبة إلى البنك الدولي، فإنه من عوامل التمكين الرئيسية للقضاء على الفقر المدقع وتعزيز الرخاء المشترك.

وتشير أرقام البنك الدولي إلى حصول تقدم في العام 2021، إذ بات لدى 76 في المئة من البالغين في جميع أنحاء العالم حسابات لدى مؤسسة مالية أو من خلال إحدى شركات تقديم الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول، ارتفاعاً من 51 في المئة في عام 2011. كما ارتفعت ملكية الحسابات في البلدان النامية من 63 في المئة إلى 71 في المئة في السنوات القليلة الماضية بسبب الزيادة في إمكانية الوصول إلى الحسابات في العشرات من البلدان النامية، في تناقض صارخ مع النمو الذي شهدته الفترة من 2011 إلى 2017، والذي حدث في معظمه في الصين أو الهند. وفي منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، أدت الأموال عبر الهاتف المحمول إلى زيادة ملكية الحسابات إلى حد كبير.

وشهد عام 2021 تراجع الفجوة طويلة الأمد بين الجنسين في الاقتصادات النامية من 9 نقاط مئوية إلى 6 نقاط مئوية. وبحسب البيانات، فإن 74 في المئة من الرجال و68 في المئة من النساء في البلدان النامية لديهم حساب مصرفي. وعلى الصعيد العالمي، كان لدى 78 في المئة من الرجال و74 في المئة من النساء حسابات، أي أن الفجوة بين الجنسين تبلغ 4 نقاط مئوية.

تشير هذه الأرقام إلى عدم المساواة الصارخ في المجتمعات العربية، رغم تركيز المصارف المركزية بدفع من صندوق النقد العربي على إدخال مفهوم الشمول المالي الذي يتم الاحتفال به كاليوم العربي للشمول المالي في السابع والعشرين من أبريل/نيسان من كل عام.

فمؤشرات الاقصاء المالي في بلداننا العربية لا تزال مرتفعة جداً. ويقول صندوق النقد العربي إن هناك حاجة لمواصلة العمل على تحسين مؤشرات الشمول المالي، مشيراً إلى الإحصاءات الأخيرة للبنك الدولي تعكس الجهود التي بذلتها الدول العربية في تعزيز الوصول للخدمات المالية. إذ تشير إلى أن نسبة السكان الذكور البالغين في الدول العربية الذين تتوفر لهم فرص الوصول للخدمات المالية والتمويلية الرسمية، قد ارتفعت في المتوسط إلى 48 في المئة و26 في المئة بالنسبة للنساء و48 في المئة على صعيد الفئات محدودة الدخل.

ويرى الصندوق أنه على الرغم من أن هذه الأرقام تخفي تفاوتا في هذا الشأن بين الجنسين وبين الدول العربية، إلا أنها لا تزال تبرز الفرص الكبيرة الكامنة، خاصة للمؤسسات المالية والمصرفية، التي يمكن استغلالها لدعم الوصول للخدمات المالية في المجتمعات العربية من خلال تعزيز المسؤولية المجتمعية لهذه المؤسسات واستهداف الفئات غير المشمولة ماليا من خلال تطبيق سياسات ائتمانية مناسبة.

ويذكر في هذا الإطار أن المصرف المركزي الإماراتي أطلق مؤخراً برنامج تحوّل البنية التحتية المالية لتسريع التحوّل الرقمي في القطاع المالي، والذي يهدف إلى دعم قطاع الخدمات المالية وتعزيز التعاملات الرقمية وتحقيق الشمول المالي، والابتكار في المدفوعات بشكل آمن وفعّال وللمساهمة في الوصول لمجتمع لا نقدي.

وفي مصر، حدّد المصرف المركزي الشمول المالي كهدف من أهداف سياسته وأعلن عن استراتيجية في عام 2022 ، تستهدف تحقيق النمو الاقتصادي من خلال توسيع الخدمات المالية لتشمل من لم يتعاملوا مع المصارف في السابق.

إقرأ أيضاً: ارتفاع صافي أرباح المصارف السعودية إلى 62.7 مليار ريال في 2022

financial inclusion

استهداف فئات المجتمع

 

صحيح أن المصارف تحاول أن توفر الخدمات للوصول إلى المنتجات المالية، ولكن العمل على استهداف فئات من المجتمع، كالشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و 21 عاماً والنساء العاملات لحسابهن الخاص، هو عامل رئيسي في البناء على التقدم في المنطقة.

وهنا، أهمية نظام “اعرف عميلك” الذي تستخدمه المؤسسات المالية في عملية تعزيز الشمول المالي للحصول على نظرة ثاقبة لأهداف عملائها واحتياجاتهم وظروفهم، أو أن تكون المؤسسات مستعدة للبت أن العميل رفض تحديد هذه الأهداف.

تقول مسؤولة عن الشمول المالي في أحد المصارف العربية، إن تعاوناً وثيقاً بين الحكومات والمصارف يجب العمل على الوصول إليه لوضع استراتيجية يمكن من خلالها بلوغ اعلى معدلات الشمول المالي. وتضيف أنه على الحكومات أن تدرج هذه المسألة في صلب استراتيجيات التنمية الشاملة التي تضعها، باعتبار ان تخفيف حدة الفقر يمثل أولوية قصوى بالنسبة اليها. وعلى المصارف من جهتها أن تعتمد استراتيجية لتوسيع قاعدة عملائها، وأن تحدد فئات المهمشين وترتيبها بحسب الاولويات.

الشمول والمرأة

 

على الرغم من التقدم الكبير في السنوات الأخيرة والجهود التي تبذلها العديد من المنظمات في جميع أنحاء العالم لزيادة الشمول المالي للمرأة، لا تزال الفجوة بين الجنسين قائمة.

ما يقرب من مليار امرأة تعيش في أفقر 40 في المئة من أسر البلدان النامية ما زلن خارج النظام المالي الرسمي ، وفقًا لقاعدة بيانات Global Findex.

إلا أن الشمول المالي يمكن أن يلعب دوراً مهماً في التمكين الإقتصادي للمرأة. فالوصول إلى حسابات التوفير الرسمية، على سبيل المثال، يساعد النساء على إدارة الصدمات الاقتصادية، بينما تسمح المدفوعات الرقمية للمرأة بتحكم أكبر في دخلها ومعاملاتها.

إن عملية استهداف المرأة في سياسات الشمول المالي تستوجب القيام بالخطوات التالية:

  • إجراء دراسة سوق شاملة من أجل الحصول على البيانات التي تعكس استخداماً مفصلاً للخدمات عبر الجنس والعمر والفئات المناطقية.
  • إطلاق برامج تعليم مالي عند النساء تؤدي الى معرفة مالية اكبر وسلوك مالي أفضل.
  • تعزيز المناهج التعليمية في مجالات المسؤولية الاجتماعية والكفاءة المالية.
  • تصميم ادوات مالية جديدة تستهدف المرأة مباشرة تبعاً لاحتياجاتها الاقتصادية .

إن الهدف الأسمى للشمول المالي هو تحسين المؤشرات الاقتصادية وليست المالية فقط. ومن هنا، فإن تحقيق الشمول الاقتصادي، عبر وسائل مختلفة منها الشمول المالي، هو ما نطمح اليه لتأمين مستقبل أفضل لشعوبنا.

أنقر هنا للمزيد حول أخبار المصارف والتمويل.