Share

حضور عربي لافت في دافوس مع تنامي دور المنطقة في التصدي لتغير المناخ

كيروز: دول الخليج ضمانة اقتصادية عالمية
حضور عربي لافت في دافوس مع تنامي دور المنطقة في التصدي لتغير المناخ
رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنتدى الاقتصادي العالمي مارون كيروز

تحديات كبيرة تواجهها الدول هذا العام. فالعالم يواجه شبح حرب باردة جديدة قد تؤدي إلى تجزئته إلى تكتلات اقتصادية متنافسة.. من التباطؤ الاقتصادي العالمي وتغير المناخ، إلى أزمة تكلفة المعيشة وارتفاع مستويات الديون. لا توجد طريقة سهلة وسريعة للتغلب على كل هذه التحديات التي تضاف إليها التوترات الجيوسياسية التي جعلت معالجة القضايا العالمية أكثر صعوبة.

هذه الملفات الثقيلة ألقت بظلالها على المحادثات في المنتدى الاقتصادي العالمي الذي انعقد حضورياً في مدينة دافوس السويسرية تحت عنوان “التعاون في عالم متفكك”. وكان لافتاً أن ما يصل إلى ثلث جلسات المرحلة الرئيسية للاجتماع السنوي كان مرتبطاً بتغير المناخ، مما يؤكد على تنامي أهمية هذا الملف ومحوريته في جدول أعمال المنتديات والمؤتمرات الدولية.

وكان الجيد أن تتحول الرحلة إلى دافوس، من قلق في بداية أعماله إلى تفاؤل حذر بحلول نهاية المنتدى بفعل توقعات تبدو أفضل مما كان يُخشى عن الاقتصاد العالمي في 2024.

وهو “بصيص الأمل” الذي أطلقته رئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا حين قالت إن الأيام التي كان يقوم فيها الصندوق بخفض التصنيف العالمي المنتظم قد ولت تقريباً، وذلك بعدما كان الصندوق اضطر في أكتوبر/تشرين الاول من العام 2022 الى خفض توقعاته للنمو العالمي ثلاث مرات بفعل تسارع الاحداث السلبية وتداعياتها على الاقتصادات العالمية.

وفي ما يتعلق بمنطقة اليورو التي تنامت حولها المخاوف من أن يكون فصل الشتاء محفوفاً بالمخاطر في ظلّ أزمة الطاقة، يبدو أن الصورة ستتحسن بسبب أحوال جوية معتدلة في أوروبا تبعد مخاطر انقطاع في إمدادات الغاز والتيار الكهربائي، ما ساهم في كبح الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة. وهو ما ألمحت إليه رئيسة المصرف المركزي الأوروبي كريستين لاغارد التي توقعت من دافوس أيضاً أن يكون عام 2023 “أفضل بكثير” مما كان العديدون يخشون.

ما حصل في دافوس كان في غياب روسيا المعاقبة بفعل حربها على أوكرانيا، وفي ظل مشاركة خليجية لافتة هذه المرة.

رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنتدى الاقتصادي العالمي مارون كيروز شرح لـ”إيكونومي ميدل إيست” أسباب وأهمية الحضور الخليجي في المنتدى. إذ أن الظروف العالمية الراهنة، وبعد فترة من سعي بعض الدول الكبيرة الى الابتعاد عن المنطقة، أعادت جذب انتباه العالم الى منطقة الشرق الاوسط، والخليج تحديداً. فظهر الدور الأساسي لهذه الدول في قطاع الطاقة أولًا على ضوء الحرب في اوكرانيا. وفي مجال المناخ، تحصل قمتان متتاليتان في دول عربية، مصر والامارات، وبالتالي تلعب المنطقة دوراً اساسياً في ما يخص الجهود العالمية للتصدي للتغير المناخي. في الآتي نص الحوار مع كيروز.

Arab Davos

رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد 

وهل ترون أنه بعد هذا المنتدى، سيشهد العالم تقدماً في مسألة مكافحة التغير المناخي؟  

 

تم تنظيم فعاليات منتدى دافوس تحت عنوان “التعاون في عالم متفكك”. وينطلق العنوان هذا من نظرة واقعية الى حال العالم، بحيث اننا نلاحظ زيادة في منسوب الاستقطاب بين القوى الكبرى في العالم، خاصةً بعد الحرب في اوكرانيا. ولكن رغم ذلك، يعتبر المنتدى الاقتصادي العالمي أن هناك “واحات” يظل التعاون والتنسيق متاحاً ضمنها، لأن لدى الجميع مصلحة للتصدي في تحديات مشتركة، مثل التضخم والتراجع في القدرة الشرائية، والتغيّر المناخي، والأمن الغذائي، واستقرار مصادر الطاقة، واستدامة سلاسل الإنتاج، وتفادي أزمة اقتصادية عالمية، ومعالجة تداعيات جائحة كورونا على الانظمة الصحية… هذه المواضيع هي التي حصلت على الحيز الأكبر من النقاشات في دافوس.

وفي ما يخص التغير المناخي، من المتوقع أن تلعب الامارات دورًا محورياً هذا العام، نظرًا لاستضافتها قمة المناخ كوب 28. وفي هذا المجال، الامارات ومنطقة الشرق الاوسط معنيّة مباشرةً في التصدي لهذا التحدي الكبير التي تواجهه البشريّة، ذلك لان الخبراء يتوقعون أن ترتفع درجات الحرارة في المنطقة بضعف نسبة ارتفاغ معدلها العالمي. بمعنى اذا ارتفعت درجتين عالمياً، ستزيد بأكثر من 4 درجات في الشرق الاوسط. كما أن المشكلات المتعلقة بتوفر المياه من شأنها خفض الناتج المحلي للمنطقة بنسبة 14 في المئة، مما يعني ان التغير المناخي قد يكون تأثيره أكبر على اقتصادات المنطقة من الحروب أو الأزمات المالية الكبرى.

وفي هذا المجال، قام المنتدى الاقتصادي العالمي بتوقيع اتفاقية شراكة مع دولة الامارات للمساهمة في انجاح قمة المناخ، عبر تسهيل مشاركة القطاع الخاص في تحمّل مسؤوليته تجاه الاجيال القادمة. فكما نقول إن القطاع الخاص يجب أن يكون المحرّك الاساسي للنمو الاقتصادي ولخلق الوظائف، فعليه أيضًا أن يكون في الطليعة في ما يخص معالجة الآثار السلبية لهذا النمو. فعلى سبيل المثال، تبيّن ان انبعاثات أكبر 20 شركة في المنطقة تساوي انبعاثات دولة كندا. ويمكن لدولة الامارات أن تلعب دورًا أساسيًا في هذا المجال، وأن تشكل صلة وصل فريدة بين الدول الغربية ودول الشرق الاوسط، كما بين الدول المتقدمة والدول النامية، نظرًا لتجربتها الدبلوماسية وموقعها التجاري واحتضانها للابتكار وخبرتها المديدة في نطاقي الطاقة المتجددة والتقليدية.

حملت نهاية المنتدى نفحة ايجابية عن الاقتصاد العالمي عبّرت عنها التصريحات التي أطلقت من دافوس حول نمو محتمل هذا العام خلافاً للتوقعات. فهل أنتم مع هذا التفاؤل؟ وبرأيكم ما هي أسباب هذا التفاؤل؟ وأولستم قلون من احتمالات الانتعاش الاقتصادي الصيني؟

 

من المهم لفت النظر إلى أن هذا التفاؤل مرهون باستمرار المسار الاقتصادي الحالي وتفادي مخاطر متنوعة قد تؤثر على النمو الاقتصادي في العالم. من ضمن هذه المخاطر يمكن أن نشير إلى مآلات الحرب في اوكرانيا وتأثيرها على قطاعي الطاقة والغذاء بشكل خاص، واتجاه النمو الاقتصادي في الصين وسرعة تعافيها من الموجة الاخيرة لجائحة كورونا، وتنامي الانقسام الداخلي في عدد من الدول الكبيرة كالولابات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، البرازيل على سبيل المثال، وما يمكن ان ينتج عن ذلك من شلل في صناعة السياسات، ومسار الخلاف بين الولايات المتحدة وأوروبا على خلفية قانون “الحد من التضخم” الاميركي وتصاعد الغرائز الحمائية إجمالًأ، وأزمة المديونية العامة في الدول النامية والتأثير المحتمل لسياسة رفع الفوائد من قبل المصرف المركزي الأميركي على استدامة هذا الدين… كلها مسائل قد تطيح بالاتجاه الايجابي الحالي في حال عدم احتوائها.

وهو ما يدعو الى التفاؤل في هذا المجال. وهذا هو الدرس الأساسي من جائحة كورونا، أن الحكومات تمتلك الوسائل المطلوبة لتقديم الحماية للفئات الهشة التي قد تتأثر بأي تدهور في الوضع الاقتصادي، وأن التعاون الدولي أساسي لزيادة فعالية هذا النوع من التدخل. ولكن في الوقت نفسه، يجب أن تكون هذه السياسات مدروسة، وأن تركز على دعم المواطنين وليس على دعم السلع أو أن تتم عبر اللجوء الى وسائل حمائية تؤدي الى تراجع التجارة الدولية والى تهديد سلاسل الانتاج العالمية.

كان واضحاً الحضور الخليجي اللافت هذا العام في المنتدى الاقتصادي العالمي، فإلى ماذا يؤشر هذا الامر؟ وما هي أبرز نقاط الرؤية التي طرحتها دول الخليج عن مستقبل الاقتصاد العالمي؟ وهل انتم ترون انها قابلة للتطبيق؟

 

لا شك أن الظروف العالمية الراهنة، وبعد فترة من سعي بعض الدول الكبيرة الى الابتعاد عن المنطقة، أعادت جذب انتباه العالم الى منطقة الشرق الاوسط، والخليج تحديدًا. فظهر الدور الاساسي لهذه الدول في هذا قطاع الطاقة اولًا على ضوء الحرب في اوكرانيا، بحيث أن دول الخليج هي ركيزة أساسية من نظام الطاقة العالمي وعلى أي انتقال الى وسائل مستدامة لتوليد الطاقة ان يتضمن في صلبه تلك الدول.

وفي مجال المناخ، تحصل قمتان متتاليتان في دول عربية، مصر والامارات، وبالتالي تلعب المنطقة دوراً اساسياً في ما يخص الجهود العالمية للتصدي للتغير المناخي.

وأيضًا في المجال الاقتصادي، رأينا أن دول الخليج سجلت من أعلى نسب النمو في العام الفائت، وتشكل ضمانة اقتصادية عالمية لما تمتلك من رأسمال “صبور” وذي نظرة طويلة الأمد عبر الصناديق السيادية التي لعبت دوراً اساسياً لتأمين السيولة في الاسواق العالمية ابان الازمة المالية الكبيرة عام 2008-2009.

إضافة الى ذلك، وفي المجال الثقافي، شكل إكسبو دبي وكأس العالم في قطر علامات فارقة لفتت انتباه العالم اجمع.

واخيرًا، في ما يخص البعد السياسي، رأينا اهتماماً متجدداً من القوى العظمى لبناء شراكات استراتيجية مع المنطقة، تمثلت مثلاً بزيارة الرئيس الاميركي جو بايدن الى السعودية، وبالقمة العربية – الصينية، وإعلان الاتحاد الاوروبي عن شراكة استراتيجية مع الخليج.

لكل هذه الاسباب، كان من الطبيعي أن نرى دول الخليج في صلب مداولات دافوس في ما يخص كل تلك الملفات، والتي شاركت فيها عبر وفود حكومية مؤثرة بالاضافة الى مشاركة ما يقارب 60 شركة من كبريات شركات المنطقة.

لا شك أن دور دول الخليج محوري في عملية التحول الى الطاقة النظيفة. فهل ما تقوم به دول الخليج برأيك كافياً، وما الذي ينقصها؟

 

على عملية التحول الى الطاقة النظيفة أن تأخذ في الاعتبار، الى جانب الاستدامة البيئية، استقرار وتكلفة مصادر الطاقة. عام 2022 كان الاول الذي يزداد خلاله عدد الناس غير المتصلين بالشبكة الكهربائية، ويجب ذلك أن يذكرنا بان الانتقال الى الطاقة الخضراء لا يجب أن يحصل على حساب التنمية الاقتصادية، لا سميا في الدول النامية.

وتلعب دول الخليج دورًا محوريًا في تأمين هذا الانتقال. فمن جهة عندها الانتاج الاقل تكلفةً والانظف في العالم. شركتا “أدنوك” و”أرامكو” تتمتعان بأقل نسبة من الانبعاثات عند استخراج كل برميل نفط، فيما تنعم دولة قطر بموقع متقدم في أسواق الغاز العالمية، علمًا أن الغاز مرجح أن يشكل مصدراً انتقالياً بامتياز لانتاج الطاقة كونه الأقل تلوثًا بين الهيدروكربونات.

ومن جهة ثانية، تمتلك دول الخليج الكثير من المزايا التي تتيح لها ان تتصدر قطاع الطاقة النظيفة. فلديها شركات ذات تنافسية عالية في هذا المجال مثل “مصدر” او “اكوا باور”، وموقع جغرافي يسمح لها بان تنتج الطاقة الشمسية تحديدًا بادنى تكلفة في العالم، وموارد مالية ضخمة، وتنظر الى المدى الطويل لتمكين الاستثمارات المطلوبة، وباع طويل في تنفيذ مشاريع معقدة بالتشارك مع شركات عالمية، وبنى تحتية ذات جودة مرتفعة مهمة لتصدير الهيدروجين النظيف على سبيل المثال، وشراكات استراتيجية مع الدول المستهلكة للطاقة، تحديدًا اوروبا وشرق آسيا.

وبالرغم من ان الخطوات التي تتخذها دول الخليج تصب في الاتجاه الصحيح، الا ان حجم تأثير التغير المناخي على المنطقة يتطلب خطوات اضافية. ومن شأن قمة المناخ في الامارات أن تساهم في رفع سقف الطموح في هذا المجال. والخطوات التي يمكن ان تضاف الى ما تقوم به، هي: تسريع وتيرة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة الذي يحرر ايضًا المزيد من النفط والغاز للتصدير، وتطوير الربط الكهربائي بين دول المنطقة، واعتماد مقاربة تعاونية للتطوير التكنولوجي، والابتعاد عن سياسات دعم المواد الملوثة واستبدالها بدعم مباشر للمواطنين وهو مسار بدأ في بعض الدول. بالاضافة إلى مأسسة التعاون والتنسيق على الصعيد الاقليمي في ما يخص الطاقة البديلة وعلى وجه التحديد في ما يخص الهيدروجين النظيف.

دافوس حضور عربي

وزير الذكاء الاصطناعي الإماراتي عمر سلطان العلماء (يتوسّط المشاركين)

تتجه دول الخليج بقوة نحو تنويع اقتصادها. فهل تعتبرون أن ما تقوم به كافياً في هذا الاطار؟

 

بالفعل، ان الأداء الاقتصادي الحالي لدول الخليج هو انعكاس للسياسات الاقتصادية والاصلاحات التي اتبعتها منذ سنين. وكانت دولة الامارات السباقة في تنويع اقتصادها، فنجحت خلال حوالي عشرين عامًا من خفض حصة النفط والغاز من 90 في المئة الى 30 في المئة من ناتجها المحلي. ما يمكن اضافته الى هذه الجهود، من ناحية الذهاب الى المزيد من المأسسة في الاندماج الاقتصادي الاقليمي حيث أن 18 في المئة فقط من التدفقات التجارية للدول العربية تحصل في ما بينها، مقابل حوالي 35 في المئة بين دول جنوب شرقي آسيا مثلا، ومن جهة اخرى المواءمة بين المرونة في اتخاذ القرارات وبين توفير حال من اليقين في ما يتعلق بالتغيرات التي تطال السياسات الاقتصادية والذي يحتاج اليه القطاع الخاص للاستثمار.

أنقر هنا للمزيد حول دافوس