Share

تحصين قدرات الإمارات لمواجهة التحديات السيبرانية

تجسّد الدولة نموذجًا رائدًا في الأمن السيبراني عبر مبادرات مثل الاستراتيجية الوطنية، مع رؤية واضحة لمواجهة التهديدات المستقبلية
تحصين قدرات الإمارات لمواجهة التحديات السيبرانية
سعادة الدكتور محمد الكويتي، رئيس الأمن السيبراني لحكومة دولة الإمارات

إلى جانب الارتفاع السريع في استخدام الذكاء الاصطناعي، نشهد تحولات جذرية على مستوى معظم القطاعات. تواصل التقنيات المتقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي والحوسبة الكمومية، تغيير أسلوب حياتنا وعملنا وتفاعلاتنا اليومية. ومع تسارع الابتكار، تزداد المخاطر أيضًا.

اليوم، نعيش في عالم تتزايد فيه تعقيدات التهديدات الإلكترونية. والتكلفة المرتبطة بهذا الأمر مرتفعة بشكل ملحوظ، بحيث من المتوقع أن تصل تكاليف الجرائم الإلكترونية عالميًا إلى 10.5 تريليون دولار بحلول نهاية العام الجاري، وفقًا لـ Cybersecurity Ventures.

لذا، يبقى الأمن السيبراني أولوية قصوى. وقد برزت دولة الإمارات كقائدة عالمية في هذا المجال، حيث أكدت الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني، التي تم الكشف عنها مؤخرًا، على جهودها في وضع معايير رفيعة للمرونة السيبرانية.

في هذه المقابلة الحصرية مع سعادة الدكتور محمد الكويتي، رئيس الأمن السيبراني لحكومة دولة الإمارات، نتعمق في العوامل التي تسهم في نجاح الأمن السيبراني في البلاد، وكيف تستعد لمواجهة التهديدات الناشئة، ودور الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية، وأهمية الشراكات العالمية في تأمين المستقبل. 

حققت دولة الإمارات مؤخرًا المركز الأول في مؤشر الأمن السيبراني العالمي للعام 2024، مما يعكس اعترافًا عالميًا بجهودها الرائدة في هذا المجال. فما هي العوامل الأساسية التي ساهمت في هذا النجاح، وكيف يمكن للإمارات أن تحافظ على ريادتها في الأمن السيبراني خلال السنوات المقبلة؟

في البداية، يُصدر الاتحاد الدولي للاتصالات، وهو وكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة تُعنى بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، هذا المؤشر العالمي. يقيس المؤشر التزام الدول بأمن الفضاء الإلكتروني عبر خمسة مجالات رئيسية: القانونية، التقنية، التنظيمية، تنمية القدرات، والتعاون. وأنا فخور بأننا حققنا درجات مثالية في جميع هذه المجالات، حيث قمنا بتلبية جميع المعايير الـ80 للمؤشر.

تتضافر العديد من العوامل الرئيسية لتسهم في نجاح الإمارات في مجال الأمن السيبراني. إن الرؤية الواضحة والطويلة الأمد، والالتزام الثابت لقيادتنا بترسيخ مكانة الدولة كرائد عالمي في الأمن السيبراني، هما أمران بالغ الأهمية. وهذه الرؤية ليست مجرد طموح، بل تُترجم إلى خرائط طريق شاملة وخطط دقيقة تعالج جميع المجالات التي تم تقييمها في مؤشرات الأمن السيبراني ذات الصلة.

علاوة على ذلك، يتسم نهج الإمارات بجهود مستمرة ومتواصلة من جميع الجهات الحكومية في أرجاء الدولة. يشمل ذلك مختلف الكيانات الحكومية، ومنظمات القطاع الخاص، والمؤسسات التعليمية، مما يعزز منظومة بيئية متينة للأمن السيبراني. لا يتوقف الأمر عند تنفيذ أحدث التقنيات، بل يشمل أيضًا رفع الوعي بالأمن السيبراني بين المواطنين والشركات، مما يضمن دفاعًا قويًا ضد التهديدات المتطورة.

نشهد اليوم الثمار الملموسة لهذا العمل المتفاني والمنسق، حيث تبرز الإمارات كرائدة على المستويين الإقليمي والعالمي بشكل متزايد في مجال الأمن السيبراني. وفيما ننظر إلى المستقبل، يمكن للإمارات أن تحافظ على ريادتها من خلال الاستمرار في الابتكار والتكيف مع التهديدات الناشئة. يتطلب ذلك استثمارًا في التقنيات المتقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية، مما سيعزز قدرتنا على توقع ومعالجة التحديات الأمنية المستقبلية. كما ستستمر الشراكات العالمية القوية للإمارات في تسهيل التعاون الدولي وتبادل المعرفة، مما يضمن بقائنا في مقدمة تقدم الأمن السيبراني. من خلال تعزيز نظام بيئي مزدهر من الخبراء والحفاظ على نهج استباقي للأمن السيبراني، فإن الإمارات العربية المتحدة في وضع ممتاز للحفاظ على ريادتها في هذا المجال الحيوي.

UAE Cabinet

عززت الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني وإطلاق مركز عمليات الأمن السيبراني من المرونة السيبرانية لدولة الإمارات. هل يمكنك إلقاء الضوء على كيفية تعزيز هذه المبادرات للأمن القومي، وما هي التطورات المستقبلية التي يمكن أن نتوقعها في هذا المجال؟

تمثل الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني، التي أُطلقت مؤخرًا، إطارًا شاملاً لحوكمة الأمن السيبراني في دولة الإمارات. تستند هذه الاستراتيجية إلى خمس ركائز رئيسية: الحوكمة، الحماية، الابتكار، بناء القدرات، والشراكة. تضمن هذه الركائز توفير بيئة رقمية آمنة ومرنة، مما يعزز الابتكار الآمن، ويقوي القدرات الوطنية في مجال الأمن السيبراني، ويدعم الشراكات والعلاقات التعاونية على المستويين الوطني والدولي.

تتضمن الاستراتيجية أهدافًا ومبادرات محددة تشكل معًا أساسًا متينًا للأمن السيبراني القوي. على سبيل المثال، تسعى إلى تنفيذ إطار قانوني وتنظيمي شامل لمواجهة جميع أنواع الجرائم السيبرانية، وتأمين التقنيات الحالية والناشئة، والحماية من التهديدات السيبرانية الشائعة.

عند النظر إلى المستقبل، أتوقع أن تستمر استراتيجيات وقوانين الأمن السيبراني في الإمارات في التطور بشكل ديناميكي، والتكيف مع البيئة التكنولوجية سريعة التغير. هذا التكيف الاستباقي يعدّ أمرًا بالغ الأهمية، حيث إن المشهد السيبراني يتسم بالتغير المستمر مع ظهور تهديدات ونقاط ضعف جديدة على نحو منتظم.

لذا، يجب أن نحافظ على التزامنا بالتحسين المستمر. وهذا يستلزم تحديث قوانين الأمن السيبراني وبرامجنا ومبادراتنا بشكل دوري، لضمان بقائها ذات صلة وفعالة في مواجهة أحدث التطورات في المشهد السيبراني. ومن المرجح أن يتضمن هذا التطور المستمر تحسين الاستراتيجيات والقوانين الحالية، بالإضافة إلى استكشاف وتنفيذ مناهج مبتكرة، بما في ذلك الاستفادة من التقنيات الناشئة لتعزيز دفاعاتنا والتصدي بشكل استباقي للتحديات المستقبلية.

اليوم، يتم الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في اكتشاف التهديدات، والتحليلات التنبؤية، وأنظمة الاستجابة الآلية. فما هي أكبر الفرص والتحديات في دمج الذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني، خاصة في دولة الإمارات؟

يُعتبر دمج الذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني أمرًا حيويًا للبقاء على اتصال بالبيئة التكنولوجية الحالية. يقدم الذكاء الاصطناعي فرصًا وتحديات كبيرة، لا سيما في الإمارات، التي تتبنى التطورات التكنولوجية بسرعة.

إحدى الفرص الرئيسية تكمن في تعزيز الكشف عن التهديدات. حيث يمكن للذكاء الاصطناعي معالجة كميات هائلة من البيانات لاكتشاف الأنماط والحالات الشاذة، وتحديد الانتهاكات المحتملة مثل الوصول غير المصرح به أو عمليات نقل البيانات غير النظامية. هذه القدرة على التحليل في الوقت الفعلي تمكّن الأنظمة العاملة بالذكاء الاصطناعي من الكشف عن النشاط الضار بكفاءة أكبر.

فرصة أخرى تتمثل في زيادة الكفاءة، حيث تقوم أنظمة الذكاء الاصطناعي بتبسيط معالجة وتحليل كميات ضخمة من البيانات، متكيفةً مع الاحتياجات المتزايدة للمنظمات والتهديدات المتطورة. كما يتيح الذكاء الاصطناعي استجابات آلية للتهديدات الإلكترونية، حيث يمكنه توليد ردود مستنيرة بشكل مستقل، مما يقلل من الزمن بين الكشف والتخفيف.

تعمل هذه الأتمتة على تحسين أوقات الاستجابة للحوادث، مما يساعد المؤسسات على البقاء في طليعة التهديدات المحتملة. علاوة على ذلك، تتعلم الأدوات الأمنية المدعومة بالذكاء الاصطناعي باستمرار من التهديدات الجديدة في الوقت الفعلي، مما يضمن تحديث الدفاعات دائمًا وقدرتها على التعامل مع أحدث التهديدات الإلكترونية.

أما بالنسبة للتحديات، فإن دمج الذكاء الاصطناعي في البنية التحتية الحالية للأمن السيبراني يُعد مشروعًا معقدًا. يتطلب ذلك مسائل التوافق والتعديل التحديثي، مما يحتاج إلى تخطيط دقيق وموارد كبيرة، وهو ما قد يشكل عقبة أمام العديد من المنظمات.

التحدي الآخر هو أن مجرمي الإنترنت يستفيدون بشكل متزايد من الذكاء الاصطناعي لخلق هجمات أكثر تقدمًا وتعقيدًا. فهُم يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي لأتمتة وتعزيز جوانب مختلفة من الهجمات الإلكترونية، مما يجعلها أكثر كفاءة وصعوبة في الاكتشاف. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي إنتاج رسائل بريد إلكتروني تصيدية مقنعة للغاية، تحاكي الاتصالات الشرعية، وتخلق تزييفًا عميقًا لاستهداف الهوية، وتعمل على أتمتة عملية تحديد نقاط الضعف في الأنظمة، وتحسين تقنيات الهندسة الاجتماعية من خلال جمع البيانات وتحليلها بكفاءة.

أدى استخدام الذكاء الاصطناعي في الهجمات الإلكترونية إلى خفض الحاجز أمام دخول مجرمي الإنترنت، مما سمح لهم بشن هجمات أكثر تعقيدًا بجهد وخبرة أقل. يشكل هذا التصعيد في تطور التهديدات تحديًا كبيرًا لمهنيي الأمن السيبراني، الذين يتعين عليهم التكيف والابتكار باستمرار للبقاء في صدارة هذه التهديدات المتطورة.

اقرأ أيضاً: الأمن السيبراني وحوسبة السّحاب تتصدّر الأولويات التقنية للمؤسسات متوسطة الحجم

UAE cybersecurity

مع ظهور المحتوى والمعلومات المضللة الناتجة عن الذكاء الاصطناعي، أصبحت الثقة الرقمية وخصوصية البيانات من القضايا الحاسمة. كيف تتعامل دولة الإمارات مع هذه المخاوف؟

تشكل المعلومات المزيفة الناتجة عن الذكاء الاصطناعي والنشر المتعمد للروايات المتلاعبة تهديدًا كبيرًا للأمن والاستقرار. في عالم يسوده الاتصال اليوم، أصبح من السهل وغير المكلف نشر الأخبار المزيفة أو الروايات المنحرفة. تستخدم الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية مجموعة متنوعة من التكتيكات، مثل إنشاء الأخبار المزيفة، واستخدام الروبوتات والمتصيدين، والتلاعب بخوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي، واستغلال الفروقات الاجتماعية أو العرقية، والتلاعب بأفراد موثوقين، والتسلل إلى المجتمعات الالكترونية، والهجمات الإلكترونية، بالإضافة إلى إنشاء محتوى مدعوم بالذكاء الاصطناعي، بما في ذلك عمليات التزييف العميق.

تلتزم دولة الإمارات بتعزيز موقفها لمواجهة هذه التهديدات من خلال تبني قوانين لمكافحة الأخبار الكاذبة، وانتهاكات التماسك الاجتماعي، وخصوصية الأفراد. يعكس التصنيف المتقدم للإمارات في مؤشر الأمن السيبراني العالمي للعام 2024، الصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات، التزامها بمواجهة التهديدات الإلكترونية.

تُعزز الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني، التي تم اعتمادها مؤخرًا، إطار العمل للأمن السيبراني من خلال التركيز على الحوكمة، والحماية، والابتكار، وبناء القدرات، والشراكة. كما يعمل مجلس الأمن السيبراني على رفع الوعي العام بشأن التهديدات التي يحركها الذكاء الاصطناعي، مثل التزييف العميق والهندسة الاجتماعية.

نظرًا للطبيعة الغامضة لحملات التضليل، يتطلب الحفاظ على ميزة استراتيجية يقظة واستعدادًا مستمرين. في النهاية، فإن أفضل ضمانة هي وجود سكان ومنظمات متعلمة وقادرة على التدقيق في المعلومات بشكل نقدي ومقاومة التلاعب. الجهود التي تبذلها الإمارات في هذا الصدد شاملة، تشمل التقدم التكنولوجي ومبادرات التعليم العام.

Dr. Mohamed Al-Kuwaiti, head of Cyber Security for the UAE Government

ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه دولة الإمارات في تشكيل مستقبل الأمن السيبراني العالمي، وكيف تتناغم التقنيات الناشئة مثل الحوسبة الكمومية مع هذه الرؤية؟

تعترف القيادة الإماراتية، ذات التفكير المستقبلي، بأهمية الأمن السيبراني كعنصر أساسي في اقتصادها الرقمي، وقد أنشأت إطارًا قويًا لحماية بنيتها التحتية. يضع التزام الإمارات بالابتكار والتقدم التكنولوجي البلاد في موقع الريادة في البحث عن حلول متطورة للأمن السيبراني وتعزيز نظام بيئي مزدهر من الخبراء.

الموقع الاستراتيجي للإمارات وشراكاتها العالمية القوية تجعلها مركزًا للتعاون وتبادل المعرفة، مما يسهل تطوير استراتيجيات فعالة لمكافحة التهديدات الإلكترونية المتطورة. يضمن هذا النهج التعاوني بقاء الإمارات في طليعة التطورات في مجال الأمن السيبراني.

إلى ذلك، فإن تركيز الإمارات على التقنيات الناشئة، مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية، يعزز قدرتها على توقع ومعالجة تحديات الأمن السيبراني المستقبلية. على سبيل المثال، نظم مجلس الأمن السيبراني الإماراتي مؤخرًا فعالية بعنوان “CyberQ: Security in the Quantum Era” بالشراكة مع معهد الابتكار التكنولوجي.

يعكس هذا الحدث الاهتمام القوي من جانب دولة الإمارات بقيادة الحوار حول الاستعداد لمواجهة هذه التهديدات الناشئة، بما في ذلك في المجال الكمي، مما يضع الإمارات في طليعة حلول الأمن السيبراني المتقدمة.

وأخيرًا، أود أن أؤكد على أهمية التعاون مع الشركاء الدوليين في مجال الأمن السيبراني العالمي. نظرًا للطبيعة العابرة للحدود للتهديدات السيبرانية، يعدّ التعاون الدولي ضروريًا لتبادل المعلومات الاستخبارية والموارد وأفضل الممارسات. يُعتبر هذا التعاون العالمي أمرًا بالغ الأهمية لتطوير استراتيجيات شاملة للحماية من التهديدات الإلكترونية وضمان مستقبل رقمي آمن للجميع.

انقر هنا للاطلاع على المزيد من المقابلات الخاصة.