يثبت أحد أسواق السفر العربية الأكثر ازدحامًا على الإطلاق أن السفر العالمي يسير نحو التحسن بشكل حقيقي.
تتحدث “إيكونومي ميدل إيست” مع عصام كاظم، الرئيس التنفيذي لـدائرة السياحة والتسويق التجاري بدبي، حول أسرار نجاح دبي وما يخبئه المستقبل لهذا القطاع.
خرجت دبي من الوباء كواحدة من أقوى الوجهات وأكثرها أمانًا. ما كانت استراتيجيتكم، والدروس المستفادة؟
كل هذا يعود إلى القيادة الرشيدة وقراراتها الحكيمة. السلامة والأمن كانتا الأهم منذ البداية. أردنا أن نتأكد دائمًا من أن الناس يدركون مدى أمان دبي كوجهة.
كان عام 2019 عامًا ناجحًا للغاية، حيث زار دبي 16.73 مليون سائح، وهي أرقام قياسية بالنسبة إلينا، إذ وصلنا إلى المرتبة الرابعة عالميًّا من حيث الزيارات الدولية. وقد بدأنا شهرا يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2020 بنمو نسبته 4.2 في المئة على أساس سنوي. ثم حلّ شهر مارس/آذار، كانت دبي واحدة من أولى الوجهات التي تم إغلاقها تمامًا، مع فرض حظر تجول مناسب. في ذاك الوقت، أطلقت الحكومة بسرعة تطبيقًا يتحكم بالحركة، لكنه سمح للأشخاص بالوصول إلى الضروريات.
كإدارة، بدلًا من تشجيع السياح على القدوم إلى دبي، نقلنا رسالة: “حتى نلتقي مرة أخرى، ابقَ في مكانك، ابقَ في المنزل، ابقَ آمنًا”. لمسنا صدى ذلك، وتزايدت عمليات البحث عن دبي على الفور. بعد أسبوعين، ارتأينا أن نكون أكثر مرحًا بأسلوبنا، لنشجع الناس على السفر. أظهرت إعلاناتنا أشخاصًا يتدربون على ترتيب غرف معيشتهم، ويقارنون ذلك بملعب غولف فارغ ولكنه مشذب تمامًا في دبي، قائلين: “جاهز عندما تكون”. رأينا تفاعلًا حقيقيًا بأم العين.
بالعودة إلى مكاتبنا، لم يتوقف العمل بتاتًا. شاركنا في اجتماعات افتراضية، وأرسينا إجراءات جديدة وأطلقنا “دبي الضمانة”. من شأن تلك المبادرة أن تعطي أختام الموافقة للمؤسسات التي تلتزم بإرشادات السلامة والأمن الجديدة. في مايو 2020، افتتحنا السياحة الداخلية بإرشادات أكثر صرامة مما هو مطلوب، مع مراقبة الوباء وتغيير الخطة مع تطور مجرى الأمور.
وشمل ذلك كل شيء بدءًا من كيفية تسجيل الأشخاص في حدثٍ ما، وكيفية عمل نظام قائمة الانتظار، والمسافة الآمنة والتعقيم. والشيء نفسه ينطبق على المؤسسات التي تقدم المأكولات والمشروبات. بعد التأكد أن كل ذلك يسير على أفضل ما يرام، أعدنا افتتاح السفر الدولي بحلول يوليو 2020 ولم ننظر إلى الوراء قط. تُظهر أرقام عام 2021 أن لدينا 7.28 ملايين سائح، وهو ليس رقمًا كبيرًا مقارنة بعام 2019، ولكنه كبير بالنظر إلى حال العالم في ذلك الوقت. في الربع الأول من عام 2022، سجلنا ما يقرب من أربعة ملايين سائح قادمين إلى دبي.
كيف استفادت دبي من اتجاهات العمل عن بعد والعمل الهجين، من منظوري السياحة والتجارة؟
بعد الإغلاق الأول، لم يتمكن السياح والضيوف من العودة بسبب إغلاق الحدود. ردًّا على ذلك، قررت القيادة تمديد التأشيرات. وبحلول الشتاء، بدا أن الناس لا يريدون العودة، بفضل شمس دبي ورمالها وبحرها، وبالطبع بفضل الطريقة التي تعمل بها مدينتنا خلال هذه الأوقات الصعبة. من جرّاء ذلك، اتخذ الكثيرون قرار العمل من المنزل، لكن من دبي.
أطلقنا حملة لتشجيع الناس على القدوم والعمل من المنزل، من دبي. تبع ذلك برنامج تأشيرة جديد: “تأشيرة العمل عن بعد”. بعد هذا، جاءت “تأشيرة العمل المستقل”، والتي تشجع الشركات متعددة الجنسيات التي تم إنشاؤها هنا لجلب خبرة محددة تعمل خارج دبي لفترات زمنية محددة. من ثم، جاءت “تأشيرة التقاعد” للمقيمين في دبي الذين يريدون العيش هنا بشكل دائم. أخيرًا وليس آخرًا، جاءت “التأشيرة الذهبية”، وذلك لتشجيع الأشخاص من مختلف المهن، سواء كانوا رياضيين أو مشاهير أو أطباء أو مهندسين أو معماريين، على اختيار دبي كمكان للعمل والعيش. وينطبق الأمر أيضًا على الطلاب الذين حصلوا على درجات تراكمية عالية.
نرى أن الكثير من الشركات متعددة الجنسيات والأفراد من أصحاب الثروات الكبيرة ينتقلون إلى دبي، مما يجعلنا موقعًا متميّزًا لتوظيف كل هذه المواهب الرائعة.
ماذا تعني نهاية إكسبو 2020 لدبي؟
مع إكسبو، كانت الفكرة دائمًا تدور حول ما سيتركه وراءه. كان لدينا 192 جناحًا ودولة مشاركة في حدث استمر لمدة ستة أشهر. إنها أكبر مشاركة لدولة مُنظِمة في تاريخ إكسبو، حيث تلقينا 24 مليون زيارة إلى موقع إكسبو، تم خلالها إبرام العديد من الصفقات التجارية. دعونا نضع في اعتبارنا أن دبي هي موطن لـ 200 جنسية مختلفة، والتي تشكل حوالي 80 في المئة من السكان. كل يوم في دبي هو بمثابة إكسبو. مع إكسبو، كنا مرة أخرى، قادرين على إظهار كيف تتصرف دبي مع نفسها، وكيف يتم اتخاذ القرارات على مستوى الأعمال، وكذلك مدى مرونة المدينة وذكائها.
بالنسبة إلى الموقع، ننظر إلى المكان والموقع والوجهة كمكان لا تزال الشركات تأتي إليه وتؤسس أعمالها فيه. هناك خطط لمركز تقني جديد للبحث والتطوير، لاستقدام المواهب الجديدة من جميع أنحاء العالم، وإنشاء متاجر ناشئة داخل تلك المساحة. سيكون قلبًا شابًا وحيويًا لهذا الجزء من المدينة ليأخذنا إلى المستقبل، من أجل الخطة الرئيسية للمدينة لعام 2040.
هل ترى عودة قوية لقطاع تنظيم الفعاليات والمناسبات والمعارض؟
نظرًا إلى أننا وضعنا إجراءات العودة والافتتاح في مايو/ايار 2020 للسياحة المحلية، ثم في يوليو/تموز للسياحة الدولية، فقد واصلنا تنظيم العديد من الفعاليات الدولية بأسلوب جديد؛ يجمع بين الحضور الافتراضي والفعلي بنسبة 50/50. بسرعة كبيرة، بدأنا نركز أكثر فأكثر على الزيارات الفعلية. وقد كان سوق السفر العربي 2021 أول حدث تجاري للسفر يُقام على مستوى العالم خلال الوباء. أتذكر قبل الوباء الناس الذين تحدثوا عن كيف أن الاجتماعات والمؤتمرات أصبحت شيئًا من الماضي، لكن في اللحظة التي أعيدت فيها الفعاليات الفعلية، رأينا كيف كان هذا الافتراض غير دقيق. نحن نعلم الآن، أن الافتراضي لن يحل مكان الفعلي، ومع ذلك، قد يكون الدمج بين الاثنين هو الأسلوب المعتمد إذا لم يتمكن الناس من الحضور لأي سبب من الأسباب.
من الآن فصاعدًا، الأمر كله يتعلق بضمان تزايد الفعاليات في دبي. لا نترك شيئًا للصدفة، إذ نعمل مع كل صاحب مصلحة وشريك، لنرى كيف يمكن لحكومة دبي أن تجمع أصحاب المصلحة الآخرين من الحكومة والقطاع الخاص معًا. من الضروري أن يحصلوا على الدعم الكامل لنفوز بمزيد من العطاءات بشكل جماعي. ندعم أيضًا هذا القطاع الحيوي لزيادة الحضور وتكرار زياراتهم والارتقاء بتجربتهم، والهدف النهائي هو أن يقوم كل شخص يأتي إلى دبي بتمديد إقامته أو العودة مرارًا وتكرارًا.
ما الذي يحمله مستقبل السفر والسياحة الدوليين؟
أعتقد أن الوباء علّمنا أن نستمتع بالحياة، وأن نسافر أكثر. قد يزداد السفر الترفيهي، في بعض الحالات على مدار العام، ولكنه يصبح أقل من حيث الوجهات السنوية للأفراد. بالنسبة إلى السفر، سنشهد فترات أطول من الزيارة والإقامة، حيث من المحتمل أن يستكشفوا ويختبروا أشياء أكثر مما كانوا سيحصلون عليه في الماضي. مع وضع ذلك في الاعتبار، عندما يسافر الناس للعمل، أعتقد أن الجمع بين العمل والترفيه سيصبح أكثر أهمية في المستقبل.
الآن، هناك سفر جماعي كان يمثل حصة كبيرة من سوق السفر في الماضي. أعتقد أن ما يُعرف بالسفر المستقل المرن سيصبح أكثر أهمية في المستقبل لأن الناس يبحثون عن رحلاتهم الخاصة، الأمر الذي سيكون له أثر أكيد.
من حيث المعلومات حول الوجهات، تُظهر الاتجاهات تحركًا نحو الرقمية. سواء تعلق الأمر بقادة الرأي الرئيسيين أو منصات معينة، فإن تدفق المعلومات يأتي من المصادر الرقمية. نتأكد من أن دبي حاضرة دائمًا في هذه المساحات، وقادرة على إيصال الرسالة بأفضل طريقة ممكنة.
يتحدث الكثير من الناس عن الميتافيرس، وستشارك دبي في هذا الفضاء. من منظور السفر والسياحة، لا يزال الأمر جديدًا، لكن هذا لا يعني أننا سنتجاهله. سترانا هناك قريبًا، وسنعمل مع أفضل الأفضل في هذا الفضاء لفهم كيف يمكن أن تكون دبي وجهة حاضرة. بالطريقة التي أراها، إنها مقاربة جيدة لتعريف الأشخاص الذين لم يفكروا في دبي في الماضي ومنحهم لمحة عما تدور حوله دبي. سنركز على هذا الأمر بشكل كبير.
مجال آخر ركزنا عليه كجزء من استراتيجيتنا لفترة من الوقت هو فن الطهي. مشهد الطعام في دبي شيء يتحدث عنه الجميع. كل سائح يأتي إلى دبي يُفاجأ بما تقدمه هذه المدينة، وهو يعكس 200 جنسية تعيش فيها. لدينا مطاعم أصلية من جنسيات مختلفة، ووجبات مدهشة، وجودة عالية من الخدمة، ومستويات قصوى من تدابير النظافة المعمول بها. يمكنني بكل ثقة تشجيع أي شخص على تناول الطعام في أي مكان في دبي، مع راحة بال تامة. أعلنّا في مارس أن المطاعم الحائزة نجمة ميشلان أو أكثر ستكون هنا. وفي يونيو 2022، سيكون هناك أول دليل ميشلان في المنطقة، دليل دبي. كلنا ننتظر هذا بفارغ الصبر.