Share

متوسط طول عمر الإنسان يدخل حقبة جديدة ثورية

لقد تفوقت التطورات في تكنولوجيا الكمبيوتر بشكل كبير على تلك الموجودة في المجال الطبي.
متوسط طول عمر الإنسان يدخل حقبة جديدة ثورية
دكتور أيهم رفعت

تقلصت أجهزة الكمبيوتر بحجم الغرفة التي كانت مشهورة في فترة الستينيات لتصبح أجهزة محمولة باليد بالإضافة إلى الابتكار الكبير فيما يتعلق بسرعة ووظائف الأجهزة والتنقل بها واستخدامها في الاتصال وغير ذلك.

بالمقارنة، نحن في مرحلة حيث لا تزال المستشفيات تستخدم آلة غسيل كلى بحجم الثلاجة، وهو حجم لم يتغير كثيرًا على مدار 40-50 عامًا الماضية.

قد يتوفر لدينا معدات أفضل للإجراءات الأخرى، لكن تظل خيارات العلاج المتاحة محدودة إما الأدوية أو الجراحة أو كليهما.

وفي مقابلة حصرية لإيكونومي ميدل إيست، صرّح الدكتور أيهم رفعت، الرئيس التنفيذي الجديد لمجموعةPulse Holdings Group ، قائلاً: “من الناحية التاريخية، تأتي الأدوية والعلاجات من مصدرين رئيسيين: الأعشاب ويعود تاريخ هذا المصدر إلى 100 عام، وبتر الأطراف”.

“والآن في عام 2022، ما زلنا نصف أدوية للمرضى تحتوي على مواد كيميائية تحل محل الأعشاب، أو نُجري جراحات التي هي في الأساس مشتقة من عملية البتر. لقد تأخرنا كثيرًا في تطوير العمليات التي اعتمدت في الماضي على المواد الكيميائية والجراحة”.

إن تجربة mRNA الناجحة التي سمحت لأجسامنا بالتعرف على فيروس كوفيد-19 ومهاجمته تعطينا لمحة عن العلاجات الثورية التي يشير إليها الدكتور أيهم والتي يتم إجراؤها على المستويات البيولوجية. يمثل هذا الأمر حقبة جديدة شجاعة للهندسة الوراثية في العلاجات الطبية.

لكن السؤال هنا: هل لدينا المعرفة الكافية؟

فهم جينات الجسم في العصر الحالي

“لدينا فهم جيد جدًا لجسم الإنسان على المستوى الجيني، مثل تسلسل الجينوم ورسم خرائط الحمض النووي ورسم خرائط الجينات وما إلى ذلك. وبعد إجراء العديد من التجارب على تلك المستويات، يمكننا بسهولة قص الجينات وتعديلها وإضافة التغييرات إليها “، أكد الدكتور أيهم.

ولكن دائمًا أينما نبدأ الحديث عن العلاجات على تلك المستويات، نُفكر فيما قد يحدث من بعض التجاوز في الحدود الأخلاقية وهو ما يساهم في إعاقة التطور في هذا المجال.

ومع ذلك فإن الأبحاث والتجارب العلمية على مدار الخمسين عامًا الماضية، منذ أيام النعجة دوللي المستنسخة، لم تتباطأ  كما أن التكنولوجيا ذات الصلة قد تقدمت بشكل ملحوظ منذ مطلع القرن الحادي والعشرين.

ويظل السؤال في هذا الموضوع الشائك هو كيف ينظر الطب إلى الاستنساخ اليوم؟

الاستنساخ الكلي مقابل الاستنساخ الجزئي

 

ويعتقد الدكتور أيهم أنه من المحتمل ألا يتم الاستنساخ البشري الكلي في حياتنا، ويُقدّر أنه ربما يحدث ما بين 100 و200 عام في المستقبل.

ماذا لو أن الجسم يعاني كنتيجة لعدة أمراض كالسرطان أو السل أو تليف الكبد أو غيرهم، ولكن الدماغ يعمل بشكل مثالي؟

ويتابع الدكتور أيهم قائلاً: “يخضع مرضى السرطان عادةً للجراحة والعلاجات الكيميائية والإشعاعية التي تزيل وتقتل الخلايا السرطانية وأيضًا الخلايا السليمة تمامًا. هذا هو ما نطلق عليه في عصرنا إنقاذ الأرواح”.

هل الاستنساخ هو الحل؟ الإجابة ليست قاطعة. وفقًا للدكتور أيهم، فإن الجدل الفلسفي القائم في يومنا هذا يتمحور حول ما إذا كان البشر يتم التعرف عليهم من خلال أجسادهم، أي الأطراف والأعضاء، أم من خلال أدمغتهم، أي الأفكار والذكريات والخبرات.

“يبدو أن التجارب التي أجرتها جامعة هارفارد في السنوات الأخيرة تُظهر نجاحًا في تصوير وتنزيل الأفكار والذكريات البشرية على قرص صلب، لكنهم غير قادرين على تحميلها حتى الآن. ومع ذلك، فإن زيادة قوة الحوسبة يومًا بعد يوم، ستوفر لدينا نظريًا في السنوات القليلة المقبلة أجهزة كمبيوتر عملاقة قادرة على تشغيل محاكاة دقيقة للعقل البشري كما ستكون قادرة على تخزين الخرائط الرقمية للعقول البشرية. يمكن بعد ذلك النظر إلى استنساخ الجسم في مثل هذه الحالة كوسيلة لإنقاذ الأرواح”.

وأوضح الدكتور أيهم أنه إذا أصبح بإمكان الطب استنساخ أجزاء من الجسم مثل الكلى أو القلب أو الرئتين، فسيكون هذا حلاً لملايين الأشخاص.

ولكن، كما ذكرنا سابقًا، إن موضوع الاستنساخ له اعتبارات أخلاقية.

ويضيف الدكتور أيهم: “إن الاستنساخ لأسباب تتعلق بالأمور غير الطبية هو محل نقاش مستمر في عمليات مثل الطب التجديدي وتحرير الجينات وما إلى ذلك”.

لكنه لا يوقف الباحثين الطبيين، فالتجارب مستمرة على الحيوانات والنباتات في هذا المجال بالذات.

“منذ وقت ليس ببعيد، استنسخ الباحثون كلية ووضعوها داخل فأر وقد نجحت التجربة. يأمل العاملين بمجال الطب أن يحدث هذا الاتجاه فرقًا في هذا العصر.”

لكن التكنولوجيا التي تطورت لا تتعلق فقط بالاستنساخ.

التحرير الجيني

 

إن غالبيتنا قد تم تطعيمه بــــ mRNA.

إذًا السؤال الذي يطرح نفسه بعد ذلك: لماذا لا يُزيل جهاز مناعة الإنسان الخلايا غير الطبيعية أو المتحولة سواء كانت نتيجة فيروس أو مرض؟

في هذا الشأن يوضح الدكتور أيهم: “إن الخلايا السرطانية لديها وسيلة لتجنب جهاز مناعة الإنسان. يمكن أن يغير التعديل الجيني اليوم الطريقة التي تبدو بها الخلايا السرطانية حتى يتمكن الجهاز المناعي من رؤيتها. اختبرت جامعة بنسلفانيا سلامة نهج مماثل حيث استخدم الباحثون تقنية (كريسبر) لإزالة ثلاثة جينات تساعد الخلايا السرطانية على التهرب من جهاز المناعة”.

“قرأت في الشهر الماضي عن أربعة عشر مريضًا يعانون من سرطان المستقيم. وتوصّلت شركة GSK للأدوية إلى دواء لإعاقة بروتين معين يسمى PD-1 على الخلايا التائية للمرضى وهو يمنع هذه الخلايا من التعرف على الأورام، وبالتالي يستطيع الجهاز المناعي إزالة الورم على الفور. وقد أعلنوا شفاء الأربعة عشر مريضًا من السرطان بنسبة 100%”.

تقنية كريسبر

 

تعد كريسبر (CRISPR-Cas9) تقنية فريدة تُمكّن علماء الوراثة والباحثين الطبيين من تحرير أجزاء من الجينوم عن طريق إزالة أجزاء من تسلسل الحمض النووي أو إضافتها أو تغييرها.

“لقد أثبتت الكثير من التجارب في هذه التكنولوجيا نجاحها. فقد نجح عالم الوراثة الصيني الدكتور ليانج شواي لاي في عزل الجينات للنمو المفرط للعضلات وتمكّن من استحداث سلالة جديدة من كلاب البيغل تدعى “super beagles”.

قد يكون هذا حلاً لمرض ضمور العضلات على سبيل المثال، ولكنه قد يكون أيضًا أساسًا لزيادة الأداء الرياضي للأشخاص أو ربما ينتج عن ذلك جيش ذو جنود يتمتعون بقوة خارقة في المعارك وساحات القتال.

تتضمن الأبحاث المماثلة حول أمراض الدم علاجات القص واللصق التي تغير الخلايا المتحورة مما يسمح لكرات الدم بنقل الأكسجين مرة أخرى. وتشمل الأبحاث الأخرى طرق تتيح للطب علاج البشر مع تقليل الاعتماد على المواد الكيميائية أو إلغائها تمامًا”.

“نحن نسمح للجسم أن يُشفي نفسه لإيجاد طريقة للسيطرة على مصدر المشكلة بدلاً من محاولة علاج الأعراض، وهذا هو المجال الذي نحتاج إلى اقتحامه”.

متى سيصبح كريسبر إجراءً شائعًا؟

“بالتأكيد سيحصل ابني حديث الولادة على هذه العلاجات في حياته، ومن المتوقع أن يصبح متوسط عمر الإنسان من 100 إلى 120 عامًا”.

لكن هل تحرير الجينات أخلاقي؟

“هذه التقنية أخلاقية، لكن استخدامها مشكوك فيه. مثلاً، إذا صدمت سيارة شخصًا وقتلته، فهل هذا يجعل السيارات غير أخلاقية؟ إن تقنية تحرير الجينات موجودة بالفعل، ولكن وسائل استخدامها هي ما نحتاج إلى توخي الحذر بشأنه”. يحذر الدكتور أيهم.

“إذا كان سيتم استخدام هذه التقنية لإنقاذ الأرواح، فهذا أمر أخلاقي. أما إذا كان استخدامه هو للحصول على مجموعة جينية أفضل من سابقيها أو لإطالة عمر الأشخاص أو حتى جعلهم خالدين، فإن البشر ليسوا مستعدين بعد لتقبل ذلك”.

ومن هنا يبرز سؤالاً مهمًا بخصوص الشيخوخة. يمكننا علاج الأشخاص بعمليات على المستوى الجزيئي، لكن هل يمكننا التحكم في الشيخوخة وتقليلها؟

الشيخوخة

 

في حين أن استنساخ أجزاء الجسم وتعديل الجينات يمكن أن يسمح للناس بالعيش لفترة أطول، فإن العلم والطب يواجهان مشكلة مع الشيخوخة.

ويتسأل الدكتور أيهم: “نصبح أقل إنتاجية مع تقدمنا في السن، لذا يصبح سؤال” كيف نطيل العمر مع ضمان حياة ذات جودة؟” مُلحًّا”.

الجواب ببساطة هو أننا لم نصل إلى طريقة بعد.

ويُضيف الدكتور أيهم: “تركز التكنولوجيا اليوم بشكل أكبر على إطالة العمر بمعنى أننا نريد حياة خالية من الأمراض. لذا فأن التركيز على والاستثمار في علاج أمراض مثل السرطان أو الزهايمر أصبح موجودًا”.

“إذا ركزنا على العيش بدون أمراض ولكن ليس على الشيخوخة، فسننتهي بعالم مليء بكبار السن مما سيمثل عبئًا كبيرًا على أنظمة الرعاية الصحية والتمويل والمعاشات. نحن بحاجة إلى علاج الشيخوخة، وتحاول صناعة مستحضرات التجميل القيام بذلك للشكل الخارجي. لكن محاولات الحفاظ على الأعضاء والأطراف شابة لنصبح قادرين على البقاء نشيطين ومنتجين لفترة أطول في الحياة، لن يحدث في القريب العاجل”.

فرص الاستثمار في مفهوم “الوقت”

 

إن الوقت هو أهم أصل أو سلعة لم يتمكن البشر حتى الآن من السيطرة عليها.

ويقول الدكتور أيهم: “إن القدرة على إطالة الوقت ثمينة للغاية وستغير تمامًا من طريقة حياة وتفكير البشر”.

“على سبيل المثال، يستشهد الناس عادةً بالاكتظاظ السكاني عند طرح هذا الموضوع. ومع ذلك، أظهرت لنا الطبيعة البشرية أنه عندما يعيش الناس لفترة أطول وبصحة جيدة، فقد لا يشعرون بالحاجة إلى التكاثر في وقت مبكر بقدر ما يفعلون الآن. وبما أننا نتحدث عن الاستثمارات، أعتقد أن عقلية الاستثمار نفسها ستصبح مختلفة تمامًا. فالمستثمرون الماليون اليوم الذين يدرسون على سبيل المثال اقتراح لعلاج السرطان يتطلب مليار دولار لكنه ذو عائد استثمار خلال 30 عامًا، سيرفضونه بدون تفكير. هم بطبيعة الحال يبحثون عن عائدًا أسرع لأن متوسط الأعمار أقصر. ولكن عندما يزداد متوسط الأعمار، ستصبح هذه الفرصة نفسها أحد الاستثمارات التجارية الأكثر جاذبية”.

وهنا بالتحديد سيصبح من المفيد تجربة الطب التجديدي، أو طرق إعادة نمو أو إصلاح أو استبدال الخلايا أو الأعضاء أو الأنسجة التالفة أو المريضة، بما في ذلك توليد واستخدام الخلايا الجذعية العلاجية وهندسة الأنسجة وإنتاج الأعضاء الاصطناعية.

ويوضح الدكتور أيهم قائلاً: “نحن نعمل على إنقاذ الأرواح ولكننا نتطلع أيضًا إلى مد الأعمار. مجموعتنا تستثمر في تعليم التكنولوجيا والتكنولوجيا الحيوية والطب التجديدي على أمل تحقيق تقدم مذهل في مجال الرعاية الصحية”.

ويختتم الدكتور أيهم حديثه قائلاً: “أعتقد أننا نشهد حقبة من ثورة جينية قد نحقق فيها قفزات نوعية من شأنها أن تضع البشرية في بُعد جديد تمامًا على العديد من المستويات، ولكنها ستخلق أيضًا الكثير من التحديات النفسية للبشر”الجدد” إذا جاز التعبير. بالنسبة للجانب النفسي، لم ألاحظ الكثير من الاهتمام بالاستثمار فيه، فهناك إهمال فيما يتعلق بأهمية أو استحقاقه للاستثمار. على سبيل المثال، غالبًا ما يتم استخدام كلمة “الاحتراق الوظيفي” أو burnout لوصف ما يشعر به المرء عندما يكون مرهقًا بالعمل، لكنه في الواقع متلازمة خطيرة لها أعراض جسدية مثل فقدان الطاقة والاستيقاظ بالتعب ومشاكل بالنوم والشعور بألم وأعراض شعورية مرتبطة مثل الانفصال العقلي عن العمل والتشاؤم والاكتئاب. نحن بحاجة إلى التثقيف حول الصحة العقلية حتى تُصبح جزء روتيني من الاستثمار في الصحة وطول العمر”.