في ديسمبر/كانون الأول 2010، أعلن “سيب بلاتر”، الرئيس الأسبق للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) عن استعداد قطر لاستضافة فعاليات كأس العالم 2022. عقب انتشار الخبر، عمّت البهجة كافة أرجاء الدوحة وامتدّت للعالم العربي برمّته. مع ذلك، لم يكن لأحد أن يتوقع حجم الأموال التي سيتم استثمارها ورصدها للحدث الرياضي الأشهر.
يشير تقرير صحفي صادر عن وكالة “رويترز” أن قطر أنفقت 229 مليارات دولار على البنية التحتية الخاصة بكأس العالم، أي ما يزيد بنحو 29 مليار دولار عن المبلغ الذي تمّ الإعلان عنه في وقت سابق من قبل مسؤول قطري غير معروف لوكالة “تاس” للأنباء، والذي لا يتعدّى 200 مليار دولار. وبالمقارنة، بَدا ضئيلاً المبلغ الذي تراوح بين 12 و15 مليارات دولار، والذي أنفقته روسيا لإقامة النسخة السابقة من كأس العالم في العام 2018. حينها، تم تخصيص حوالي 3 مليار دولار لبناء وترميم 12 ملعب، في حين جرى إنفاق ما لا يقلّ عن 8 مليارات دولار على البنية التحتية.
بلغت كلفة الملاعب ومشاريع البنية التحتية الأخرى الخاصة بكأس العالم 2014 في البرازيل 15 مليارات دولار، بينما أفادت تقارير أن جنوب إفريقيا أنفقت 3.6 مليار دولار على كأس العالم في العام 2010. وخصصت ألمانيا ما يقدر بنحو 4.3 مليار دولار لإقامة كأس العالم في العام 2006. في المقابل، أنفقت كل من اليابان وكوريا الجنوبية حوالي 7 مليارات دولار في العام 2002.
يُعتبر هذا استثماراً تجارياً ضخماً بكل المقاييس في حدث رياضي لا يتجاوز فيه سعر كرة المباراة 300 دولار. لكن نفقات هذا العام تجاوزت خيال أي شخص؛ كذلك فعلت الإيرادات المتوقعة لـ”الفيفا”، التي تعدّ منظمة غير ربحية .
تكاليف كأس العالم قطر 2022
تُعتبر نسخة العام 2022 من كأس العالم الأكثر كلفة في تاريخ الفيفا. بالإضافة إلى الأموال التي تم إنفاقها على بناء الملاعب أو إعادة ترميمها، تم إنفاق مبالغ كبيرة أيضًا على أماكن الإقامة، بما في ذلك الجزر الخاصة والفيلات والمخيّمات والشقق والفنادق.
وفي الدوحة وحدها، تم تخصيص أكثر من 15 مليارات دولار لتوفير وحدات إقامة في العديد من المناطق بما في ذلك اللؤلؤة، بينما تم إنفاق 36 مليارات دولار أخرى على مترو الدوحة، والذي سجّل إلى جانب “ترام لوسيل” 566,868 مسافراً في اليوم الأول من كأس العالم. وقامت قطر بتشييد سبعة ملاعب جديدة تراوحت كِلفتها الإجمالية بين 6 و 10 مليارات دولار.
العوائد على الاستثمار/ الإيرادات التي قد تجنيها قطر
تتوقع قطر حضور 1.5 مليون شخص في كأس العالم 2022، وهو حدث سيضيف ما يصل إلى 17 مليارات دولار إلى اقتصادها على مدى السنوات الثلاث المقبلة ومليارات أخرى سوف يزدهر من خلالها القطاع السياحي في السنوات القادمة. لا توجد فترة زمنية محددة لاسترداد الدولة لاستثماراتها، ولكن من الممكن القول أنه بحلول الوقت الذي تنتهي فيه بطولة كأس العالم، سَتترك إلى الأبد انطباعاً إيجابياً في أعين المستثمرين، وستبقى محفورة بفخر واعتزاز في الذاكرة وقلوب السائحين الحاليين والمستقبلييّن على حد سواء.
كما اجتذب الحدث تدفق إيرادات من كبار الرعاة مثل “قطر للطاقة” وكذلك من الجهات النافذة الأخرى في القطاع مثل “بنك قطر الوطني” والنّاقل الوطني “الخطوط الجوية القطرية” وشركة الاتصالات Ooredoo. وتعاونت الفيفا أيضًا مع رعاة من الدرجة الثانية شملت تعاونات مع كل من منصة التشفير crypto.com ومزود “البلوك تشين” الأميركي Algorand. إلى ذلك، جرى إبرام صفقات البث الرئيسية مع شركة Fox في الولايات المتحدة وهيئة البث القطرية BeIN Sports.
تكاليف الفيفا لكأس العالم في كرة القدم
تغطّي استثمارات الفيفا في كأس العالم 2022 مجالات عدّة من التسويق إلى إدارة القوى العاملة. من المتوقع أن المنظمة أنفقت حوالي 1.7 مليار دولار لإقامة كأس العالم لهذا العام، منها 325 مليون دولار ذهبت إلى النفقات التشغيلية التي شملت التذاكر وعملية نقل الحدث والضيافة وَأجور الحكّام. وجرى تخصيص حوالي 250 مليون دولار أخرى لتغطية العمليات التلفزيونية، في حين تم إنفاق حوالي 440 مليون دولار لتغطية قيمة الجوائز المالية. في هذا الإطار، سيحصل الفائزون في مونديال قطر على 44 مليون دولار من مجموع الجوائز. ومن المتوقع أن يجني الحكّام مبالغَ يصل مجموعها إلى 17 مليون دولار.
وكانت تجاوزت في العام 2018 ميزانية استثمارات الفيفا في كأس العالم الذي جرى تنظيمه من قبل روسيا، سقف 1.9 مليار دولار، وفقًا لموقع Statista.com. في حين أنفقت الفيفا 2.2 مليار دولار خلال النسخة التي استضافتها البرازيل في العام 2014.
عائدات فيفا في كأس العالم
وبحسب بيان صادر عن مجلس إدارتها، ضاعفت “الفيفا” عائداتها من كأس العالم بأكثر من مليار دولار بعد انتقالها بالبطولة إلى قطر.
بين العامين 2015 و 2018، حققت “الفيفا” 6.5 مليارات دولار، منها 5 مليارات دولار جاءت من كأس العالم 2018 وحده. أكثر من مليار مشاهد حضروا نهائيات كأس العالم الأخيرة. سَتصل الإيرادات الناتجة عن دورة كأس العالم في قطر – من 2018 إلى 2022، بما في ذلك خمسة أشهر إضافية بسبب جدول الشتاء – إلى 7.5 مليار دولار.
حصدت “الفيفا” مبالغ بقيمة 600 مليون دولار جنتها من حقوق الترخيص لِنسخة 2015-2018، بزيادة 114 في المِئة عن النسخة السابقة. تأتي هذه الإيرادات من بيع عُقود ترخيص العلامة التجارية، ومدفوعات الإتاوة (حقوق الملكية)، ومصادر أخرى مماثلة. وتجدر الإشارة إلى أن عائدات حقوق التذاكر مملوكة بنسبة 100 في المئة لشركة تابعة مباشرة لـ”الفيفا”. من العام 2015 حتى العام 2018، أبلغت الهيئة الرياضية عن تحقيقها عائدات بقيمة 712 مليون دولار من حقوق الضيافة ومبيعات التذاكر.
حققت تذاكر كأس العالم 2022 في قطر طلبات مرتفعة، حيث تضمنت قائمة الدول العشر الأكثر شراءًا قطر إلى جانب الولايات المتحدة والسعودية والمملكة المتحدة والمكسيك والإمارات العربية المتحدة والأرجنتين وفرنسا والبرازيل وألمانيا.
إلى ذلك، حققت “الفيفا” وفورات كبيرة في التكاليف من بطولة كأس العالم في قطر، بعد أن إقامة البطولة في مدينة واحدة تضمّ ملاعب كأس العالم الثمانية ضمن بقعة تبعد 50 كيلومترًا عن العاصمة الدوحة، مما أسهم إلى حدّ كبير في تقليل التكاليف المرتبطة بالسفر، والتي تتكبّد الفيفا عناء تأمينها.
من المرجح أن تقترب عائدات “الفيفا” من 10 مليارات دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة، وذلك بفضل الاستراتيجية المالية الجديدة لكرة القدم النسائية والنسخة الموسّعة لكأس العالم في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك. سيشهد هذا الحدث، لأول مرة، تنافس 48 فريقاً، مقارنةً بـ 32 فريقًا فقط في الوقت الحالي.
استثمارات ونفقات فيفا في المرحلة التي تلي انتهاء كأس العالم
توفر المدخرات إقامة الحدث في مكان واحد وفورات تقدّر بـ 700 ألف دولار، والتي سيتم توجيهها على شكل استثمارات في اللعبة. وفي السنوات الأربع المقبلة، سيشهد برنامج “الفيفا” المحدّث إنفاق 200 مليون دولار كل عام على تطوير المواهب العالمية، وهو مشروع يشرف عليه “أرسين وينغر”، الذي يشغل حالياً منصب رئيس لمنظومة تطوير كرة القدم.
يمكن تقسيم نفقات الفيفا في الفترة بين العامين 2015 و2018، والتي تبلغ إجمالي قيمتها 5.37 مليار دولار، بين الفئات الأساسية للنفقات المتعلقة بالحدث (2.56 مليار دولار)، ومشاريع تطويرية وتعليمية (1.67 مليار دولار) وإدارة وتسيير أعمال (797 مليون دولار). وذهبت أبرز المبالغ الأخرى خلال الفترة نفسها لتغطية نفقات حوكمة وتسير أعمال كرة القدم، والتي تشمل التكاليف القانونية وتقنية المعلومات ونفقات البناء. وبلغ إجمالي هذه النفقات 124 مليون دولار. أخيراً، تكبّد الاتحاد الدولي لكرة القدم مبالغ بقيمة 211 مليون دولار لتغطية نفقات التسويق والبث التلفزيوني.