ماذا يحصل لمصرفي “كريدي سويس” و”دويتشيه بنك” الاستثماريين الكبيرين؟ وهل سنستعيد مشهد انهيار مصرف “ليمان براذرز” الأميركي في العام 2008؟ وبالتالي، هل نحن مقبلون على أزمة مصرفية كبيرة بعد أزمتي التضخم والطاقة؟
أسئلة تطرح بقوة في وقت انتشرت شائعات على “تويتر” حول قرب انهيار مصرف كبير، في وقت تواجه أوروبا شتاء قاتماً وحرباً في القارة.
تتحدث الشائعات “الجادة” عن أن “كريدي سويس” السويسري، و”دويتشيه بنك” الألماني، في “ورطة” (الأول أكثر من الثاني حيث يواجه ضغوطاً أكبر في أسواق مقايضة التخلف عن السداد) وذلك بعد مرور أكثر من عقد على الأزمة المالية في 2007-2008 عندما انهار مصرف “ليمان براذرز”، رابع أكبر مصرف استثماري في الولايات المتحدة.
كلاهما “أكبر من أن يفشلا” لكنهما قد يكونان أيضاً “أكبر من أن يتم إنقاذهما”.
مع الإشارة هنا إلى أنَّ كلاً من “كريدي سويس” (بأصول اجمالية 829 مليار دولار) و”دويتشيه بنك” (مصنفتان كمؤسسات مالية ذات أهمية نظامية (SIFI)، ما يعني أنه قد يكون لديهما معاملة خاصة في حال تعرضهما لمشاكل مالية.
وكان المجتمع الدولي تحرّك مع اندلاع الأزمة المالية للفترة 2007-2008، لحماية النظام المالي العالمي من خلال منع فشل المؤسسات المالية ذات الأهمية النظامية SIFIs، أو، إذا فشل أحدها، الحد من الآثار السلبية لفشلها. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2011، نشر مجلس الاستقرار المالي قائمة بالمؤسسات المالية العالمية المهمة للنظام G-SIFIs.
وكان مصرف “ليمان براذرز” الأميركي الذي كان يعتبر “أكبر من أن يفشل” ، قدّم في 15 سبتمبر/أيلول 2008 دعوى إفلاس. وكان أكبر ملف إفلاس منفرد في تاريخ الولايات المتحدة.
في ذلك الوقت، كان لدى المصرف 639 مليار دولار من الأصول و619 مليار دولار في الديون.
“كريدي سويس”
مع الانتشار السريع لشائعات تعرض “كريدي سويس” لهزة، أعلن الرئيس التنفيذي لمجموعة “كريدي سويس غروب” أولريش كورنر لـ”بلومبرغ”، إن المصرف “يمر بلحظة حرجة”، حيث يستعد لإجراء إصلاحاته الأخيرة.
وقد تم تعيين أولريش كورنر في منصب الرئيس التنفيذي في أواخر يوليو/تموز 2022 بعد أن وقع آخر رئيس تنفيذي في فضيحة.
ويرى الخبراء أن “كريدي سويس” في ورطة أكبر من “دويتشيه بنك”، ويركن هؤلاء الى العديد من المعطيات التي تشير الى سيناريو متشائم للمصرف السويسري.
إذ باتت مقايضة مخاطر الائتمان (أي تكلفة تأمين سندات المصرف من التخلف عن السداد والمعروفة بـCDS) لـ”كريدي سويس” تقترب من المستوى نفسه الذي كانت عليه خلال الأزمة المالية التي ضربت العالم في عام 2008 مع انهيار مصرف “ليمان براذرز”.
ومقايضة التخلف عن السداد هي من المشتقات المالية أو عقد يسمح للمستثمر بمبادلة أو تعويض مخاطر الائتمان الخاصة به مع مخاطر مستثمر آخر. على سبيل المثال، إذا كان المُقرض قلقًا من أن المقترض سيتخلف عن سداد قرض، يمكن للمقرض استخدام أدوات مقايضة الائتمان لتعويض أو مبادلة تلك المخاطر. وتتطلب معظم مقايضات الائتمان دفع قسط مستمر للحفاظ على العقد، وهو ما يشبه بوليصة التأمين.
وفي الوقت نفسه، انخفضت أسهم “كريدي سويس” أكثر مما كانت عليه خلال الأزمة المالية الأخيرة، من 14.90 دولاراً في فبراير/شباط 2021 إلى 3.90 دولارات حالياً. وهو ما يراه المحلون مصدر قلق من احتمال تعسر المصرف وانهياره.
وهذا ما دفع الرئيس التنفيذي للمجموعة إلى كتابة مذكرة الى الموظفين تمت صياغتها بعناية كبيرة (المذكرة هي الثانية في غضون أسابيع عدة) طمأنهم فيها الى الوضعية السليمة والقوية للمصرف، ودعاهم الى ألا يخلطوا بين أداء سعر السهم “اليومي” و”قاعدة رأس المال القوية ومركز السيولة” للمصرف السويسري، وفق “بلومبرغ”.
ويمر “كريدي سويس” في خضم ما يُتوقع أن يكون إعادة هيكلة كبرى للمصرف الاستثماري.
ويتطلع “كريدي سويس” أيضًا إلى إلغاء المزيد من الوظائف، بينما يخرج المصرفيون الاستثماريون من المصرف السويسري. يسعى “كريدي سويس” إلى الوصول إلى المستثمرين للحصول على رأسمال محتمل.
كبار المساهمين
وفقًا للموقع الخاص بـ”كريدي سويس”، تعد شركة “بلاك روك” أكبر مساهم بحصة 4.11 في المئة تقريبًا. ومن بين المستثمرين الرئيسيين الآخرين “دودج وكوكس”، و”هاريس أسوشيتس إل بي”، ومجموعة “العليان” السعودية، و”قطر القابضة” (جهاز قطر للاستثمار)، وشركة “سيلشستر إنترناشونال انفستورز إل إل بي”.
العملاقان في ورطة
يعتقد المستثمرون أن العملاقين الماليين يواجهان أزمة كبيرة ولا يصدقون التصريحات التي أدلى بها الرئيس التنفيذي لمصرف “كريدي سويس”. كما انتقد البعض عملية التدقيق في المصارف لأنهم يعتقدون أن “كريدي سويس” و”دويتشيه بنك” غارقان حتى أذنيهما بالديون والقروض المعدومة.